قال تعالي: والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه, والذي خبث لا يخرج الا نكدا الأعراف من الاية58. ومصر بلد طيب ونباتها بفضل الله لا يكون الا طيبا وطبيعتها تأبي ان يستقر علي ارضها كيان تحركه روح شيطان خبيث الاان تروضه وتحوله إلي وجدانها الطيب أو تزيله وتمحوه, ولن ينفعه حينئذ أن يسانده دهاة السياسة العالمية ولو زاروه وفودا بعد وفود. ولو كان عوام الإخوان أو غيرها من الجماعات المتطرفة في الدين علي قدر من البديهة اليقظة لفطنوا إلي ان جماعاتهم ليست يقينا علي طريق الهداية الصحيحة, ولأخذوا الأمارة والإشارة من هذا الجهد المحموم الذي يبذله ساسة قدموا من امريكا وأوروبا من أجل انقاذ قادتهم من المحاسبة, واعادتهم بصورة من الصور إلي صدارة الحياة السياسية ولو سأل كل فرد من هؤلاء الاتباع نفسه إذا خلا إلي عقله ورشده دون تأثر بخطب مشايخه ورؤساء جماعته: لماذا تتوالي هذه الوفود ولماذا يدافع عن قادته هذا السياسي البراجماتي أو تلك السياسية النشطة وهم لا يسعون الا إلي مصالحهم وتحقيق خططهم البعيدة؟ لأبصر بصيصا من الحقيقة واعتراه الشك في موقفه المتعصب. فلا يعقل ان هؤلاء السياسيين قد اصبحوا واقعين فجأة في غرام الدين الإسلامي وصاروا دعاة مبشرين بصبحه الأبلج علي أيدي جماعة الإخوان أو تفرعاتها من أدعياء السلفية أو الجهاد الديني إنني وإن كنت أعجب من عوام الإخوان والجماعات المتطرفة لما اصاب بديهتهم المصرية من خلل فأصبحوا لا يفطنون سريعا إلي المكر الذي يحاك حولهم فلا يعتريني العجب من أمر قادتهم ومرشديهم فهؤلاء القادة والمرشدون يعلمون حقيقة الأمر ويدركون أسرار الخطط الماكرة, ويرضون بها ويتعاونون معها وليس ذلك حديثا بل انه قديم منذ عقود بعيدة ظانين انهم سوف يسقطون ملك الشطرنج قبل ان تنتهي اللعبة وانهم يسايرون ساسة الغرب استقواء بهم حتي تثبت اركانهم ثم ينقلبون كدأبهم- عليهم ولكن ساسة الغرب لا يجهلون- قطعا- هذه النية بل أنهم في أغلب ظني يريدون ان يعجلوا بها وكأني بقادة الإخوان والجماعات المتطرفة في الدين لم يأخذوا درسا مما حدث مع صدام حسين الذي اعتقد هو أيضا انه اذكي منهم فاوصلوه إلي حبل المشنقة واحتلوا العراق ونهبوا نفطه وتحكموا في مقاديره واججوا نار الفتنة بين طوائفه وهم لا يريدون لمصر الا نهاية شبيهة بهذه النهاية والا فلماذا يناصرون حكما تربي قادته علي توجيهات يمليها الهوس الديني ويترددون أو يتمنعون عن تأييد حكم مدني ديمقراطي واثق من ارادته وقدراته معتمد علي مساندة شعبه؟ ان المصابين بالهوس الديني يجرون مصر إلي هاوية ولكن هيهات هيهات. فان شعب مصر عصي علي هذه المكائد وهؤلاء اما ان يطرحوا أفكارهم المتطرفة جانبا ويندمجوا في شعب مصر اندماج الطواعية وحسن المعاشرة الوطنية واما ان ينطووا علي انفسهم ويعزلوا كالنبتة المريضة بعد انقطاع الرعاية الاجنبية عنها حتي تذوي وتتلاشي وتقتلع من التربة المصرية الكريمة. لسنا نحن الذين نقصيهم وانما تقصيهم معتقداتهم التي لا تتقبل الاندماج بطبيعة بنيتها وتكوينها لانها معتقدات تأبي علي اصحابها الا التسلط والاستيلاء. فهم يزعمون انهم ينوبون عن الله في تطبيق الشريعة الإسلامية وحجتهم ان الله هو السيد الحاكم. أما قوانين البشر فتوضع وفق الرغبات العارضة والأهواء الجامحة ويتجاهلون ان كليات الشريعة ومقاصدها قائمة ومطبقة بالفعل في حياتنا الواقعية وان الله سبحانه ترك للإنسان قدرا من الحركة الفقهية المرنة ليصطنع من القوانين ما يلائم طبيعة النمو والتطور. أما الحدود فإنها تدرأ بالشبهات ولا شبهة أكبر من انتشار شهادة الزور وعدم تمكن القضاة من الإثبات اليقيني لعدالة الشهود في ظل الكثافة السكانية العالية. وهم يرفضون الوطنية والقومية و حجتهم ان الأرض كلها لله فلا حدود بين البلاد والعباد ويتجاهلون ان الوطنية جزء من الدين اكده القرآن الكريم حين منح الذين أخرجوا من ديارهم حق القتال لاسترداد أوطانهم ودلت عليه السيرة النبوية حين أبرم النبي مع اليهود وثيقة المدينة وهم يرفضون الديمقراطية لانها في نظرهم العدو الأول للشريعة فهي تقوم علي ان الشعب مصدر السلطات وتقسم أبناء الشعب إلي اغلبية مطلقة واقلية محدودة وهم يريدون تطبيق الشريعة قسرا علي الجميع وتسليما بارادة الخالق وحده التي تتمثل في قيامهم هم علي تنفيذها ويتجاهلون نصوص القرآن الصريحة التي تعلن بانه لا اكراه في الدين وان النبي لم يبعث مسيطرا علي الناس ويجهلون أن الديمقراطية متحققة في الاسلام باوسع مدلولاتها الانسانية. إن هذه المبادئ الدوجماطيقية تجمع بين الإخوان والسلفيين والجهاديين والتكفيريين وغيرهم من المصابين بهذا الهوس العدواني الذي يستتر بغطاء زائف من الدين والدين منه براء ولكنها بذرة شيطانية يحرص علي رعايتها من لا يريدون لمصر والمنطقة العربية التقدم والاستقرار واستقلال الإرادة ولا يعلم هؤلاء ان تربة مصر لا تنبت فيها الا البذرة النقية ولا تحتضن البذرة الخبيثة وانما تلفظها وتنفيها ولو رعوها وسقوها طيلة ثمانين عاما. أستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالمنصورة لمزيد من مقالات د. محمد فايد هيكل