من خلال متابعة التطورات الاقتصادية والاجتماعية علي المستويين العربي والدولي يمكن القول إن ظاهرة البطالة ظاهرة عالمية مع تباين شديد بين مختلف المناطق في العالم ولكن وللأسف فإن البيانات المتاحة تشير إلي أن المنطقة العربية تبقي تحتفظ بأعلي معدلات البطالة بالمقارنة مع باقي الأقاليم والمناطق, وبوجه خاص بطالة الشباب وحديثي التخرج والتي قد تجاوزت معدلاتها نسبة27 % وفق تقديراتنا, وهي مرشحة إلي مزيد من الارتفاع نتيجة التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية علي التشغيل إضافة إلي الحراك الشعبي والتغيرات التي تمر بها بعض البلدان العربية لتمثل أهم التحديات التي قد تهدد الأمن والاستقرار في الوطن العربي علي المدي القريب والمتوسط.. هذا الحراك والاحتجاجات الشعبية والتي تفاعلت معها الشعوب العربية في جزء كبير من المنطقة العربية قادها شباب واع ومتعلم بدأت بمطالب اجتماعية بسبب تفشي الفقر والبطالة والتهميش واليأس من الحصول علي فرصة عمل ومكونات الحياة الكريمة وقدر من الحريات وحصل ما حصل من تغيرات.. بذلت الدول العربية جهودا كبيرة خلال العقدين الماضيين لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتنفيذ خطط وبرامج متنوعة لتشغيل الشباب, غير أن حجم فرص العمل الموفرة لم تكن بالقدر الكافي لاستيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل, وجزء كبير منها تم توفيره في القطاع غير المنظم المعروف بغياب الحماية وتدني مستوي الأجور, الأمر الذي يتطلب المزيد من الجهد لتخفيف الضغوطات التي تعاني منها أسواق العمل مثال ضعف النمو الاقتصادي وتراجع الاستثمارات وقصور تخطيط الموارد البشرية وتطوير منظومة التأهيل والتدريب وتدني مستوي الإنتاجية مع تراجع ملحوظ في عملية تنقل الأيدي العاملة العربية, وذلك في إطار تكامل عربي حقيقي في المجالات التجارية والاقتصادية والاجتماعية وتسيير حركية الأشخاص ورجال الأعمال ورؤوس الأموال العربية داخل الوطن العربي.. وفي ضوء اختصاصات منظمة العمل العربية التي نبهت في وقت مبكر من خطورة دخول المنطقة العربية في مرحلة عدم اليقين وتدني ثقافة العمل وتفشي الفقر وتفاقم معدلات البطالة وغياب الحماية الاجتماعية والحريات والحوار الاجتماعي وغير ذلك, أولت المنظمة قضايا التشغيل في السنوات القليلة الماضية الجزء الأكبر من اهتماماتها من خلال تكثيف أنشطتها في هذا المجال علي مختلف المستويات وتقديم حلول علمية ترتكز علي الحوار وتضافر جهود أطراف الإنتاج وجميع الجهات الفاعلة لتنمية التشغيل وتحسين مستوي المعيشة. وقد تمكنا من رفع قضايا التنمية والتشغيل إلي أعلي مصدر لاتخاذ القرار علي المستوي العربي وحصلنا علي إقرار القمة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية(الكويت2009) للبرنامج المتكامل لدعم التشغيل والحد من البطالة في البلدان العربية والستة مشاريع المنبثقة عنه مع اعتماد الفترة(2010 2020) عقدا عربيا للتشغيل والذي تمت صياغته في شكل خطة عمل شمولية ومتكاملة علي المستويات القطرية والثنائية وشبه الجماعية وأيضا الهيئات والمنظمات ذات العلاقة من حيث السياسات والدراسات والخطط والبرامج والإجراءات والآليات المناسبة للنهوض بقضايا التشغيل في الوطن العربي... تقوم منظمة العمل العربية منذ ثلاث سنوات بمتابعة تطبيق متطلبات إنجاز العقد العربي للتشغيل من خلال تقديم تقرير سنوي لمؤتمر العمل العربي وتنظيم ندوات للتعرف علي مدي التقدم المحرز في إنجازات متطلبات هذا العقد في البلدان العربية وإيجاد الحلول المناسبة لمساعدة الدول الاعضاء في هذا الشأن.