سجل الحصاد السياسي للعام2011 المنصرم,6 إنجازات سياسية كبري وغير مسبوقة علي امتداد تاريخ الدولة المصرية الطويل, صاحبها عدد من الأعراض الجانبية والسلبيات التي أسفر تفاعلها عن3 تحديات رئيسية يمكن وصفها ب المطبات العارضة. في حال نجحت أطراف اللعبة في التغلب عليها خلال الشهور الستة الأولي من العام الجديد. وتظهر هذه الإنجازات في: أولا- اندلاع أول ثورة حقيقية في تاريخ المصريين في25 يناير الماضي أجبرت الرئيس حسني مبارك علي التنحي, وقامت بتصفية أهم مؤسسات النظام المستبد القمعي( المجالس المحلية ومجلسي الشعب والشوري والحزب الوطني وجهاز أمن الدولة), وقدمت نموذجا ثوريا ملهما للعالم وخاصة في أيامها الأولي أعادت لمصر جزءا من مكانتها الإقليمية والدولية الضائعة, ثانيا استمرار هذه الثورة- بحسب عبد الغفار شكر القيادي اليساري ووكيل مؤسسي حزب التحالف الشعبي- في الحفاظ علي حيويتها بتقديم نموذج في الضغط الجماهيري من خلال الحشد المليوني الذي نجح في انتزاع العديد من المكاسب السياسية المهمة من السلطة الجديدة, ثالثا- تبلور كتلة نوعية حرجة من الشباب القادر علي دفع ثمن الحرية واستخدام أدوات تكنولوجيا الاتصال الحديثة في تبادل الخبرات الاحتجاجية والتعبئة وإدانة السلطة وتوثيق جرائمها, رابعا- نجاح المصري في كسر حاجز الخوف والخروج من صورته النمطية كإنسان خانع, خامسا- الشروع في إقامة أول نظام ديموقراطي وفتح الباب لحياة سياسية وحزبية جديدة, وهو ما تجلي في تأسيس عشرات الأحزاب ودخول قوي إسلامية وليبرالية ويسارية للساحة السياسية, وسادسا- إجراء أول انتخابات حرة منذ60 عاما, وسط مشاركة واسعة وغير مسبوقة عبر تاريخ مصر النيابي. يقول المفكر السياسي السيد يسين ليس هناك شك في أن ثورة25 يناير غيرت بشكل جذري المجتمع السياسي السلطوي الذي قام طوال عهد الرئيس السابق حسني مبارك علي أساس احتكار السلطة, وانفراد الحزب الوطني بالهيمنة علي مجمل الفضاء السياسي عبر شبكات الفساد وممارسة التزوير المنهجي للانتخابات, وحولته إلي مجتمع ثوري بكل ما في الكلمة من معان ودلالات. غير أن هذا الإنفجار الثوري, صاحبه عدد من الأعراض الجانبية برزت أهم ملامحها في انهيار الأمن وتدهور الوضع الاقتصادي, وهما ما كان يمكن منعهما من التأزم, لولا فشل إدارة المرحلة الإنتقالية, في رسم خريطة طريق توافقية تبدأ بوضع الدستور وانتخاب الرئيس ثم البرلمان, وإعادة هيكلة جهاز الشرطة وتبني برنامج عاجل لتحفيز الإقتصاد, الأمر الذي أدخل البلاد- وفقا لعبد الغفار شكر- في مواجهات كان من الممكن تجنبها بدءا من أحداث9 مارس ومرورا بأحداث محمد محمود ووصولا إلي مجلس الوزراء, لتسود حالة من الإضطراب السياسي شكلت مع عنصري الأمن والإقتصاد دائرة من التفاعل السلبي المستمر, وضع البلاد علي حافة الجبل. وأسهمت ثلاثة عوامل رئيسية في صناعة هذا الاضطراب, الأول: هو طبيعة الثورة المصرية التي تندرج تحت نمط الثورة الشعبية الذي يتسم بحسب الدكتورة هالة مصطفي رئيس تحرير مجلة الديموقراطية ب الارتجال والتوتر والإنقسام وعدم وجود قائد توافقي وغياب الهوية وعدم التوافق حول رؤية محددة بشأن الإصلاحات السياسية والدستورية والإجتماعية والإقتصادية, ومن ثم عدم القدرة علي انجاز سريع لمهمة نقل مركز السلطة إلي القطاع الأوسع من الشعب الذي قام بالثورة, والثاني: غياب التوافق السياسي علي كيفية إدارة المرحلة الانتقالية, وسيطرة عقلية الغنيمة علي قوي سياسية محافظة شكلت عامل إسناد رئيسي للثورة ودخولها في مفاوضات جانبية مع مركز السلطة الجديد حول مسار المرحلة الإنتقالية بمعزل عن القوي الثورية, وهو ما تسبب وفقا للدكتور عبد الجليل مصطفي المنسق العام ل الجمعية الوطنية للتغيير- في شيوع حالة من التنازع والانقسام والاستقطاب, والثالث: فشل النخبة الحاكمة في بناء خطوات ثقة مع الشارع والثوار, وفشل النخبة الثورية في الالتحام بالجماهير وإحكام السيطرة علي الميدان, لتقع البلاد فريسة بين غوغائية الشارع واستهتار ثوريين متطرفين وانتهازية النخبة التقليدية, مما أوجد حالة من الإحباط في أوساط قطاعات واسعة من الشعب, بدت خلال الشهور الأخيرة في حالة خصومة مع الميدان وليس مع الثورة. ووفرت هذه الأجواء مدعومة بضعف الوعي السياسي وارتفاع نسبتي الفقر والأمية وعدم القدرة علي تطبيق القانون ضد انتهاكات ممارسة النشاط السياسي علي أساس ديني, بيئة خصبة, لاكتساح التيار الإسلامي- الذي يملك شبكة واسعة من الرعايا الإجتماعية- إنتخابات مجلس الشعب علي حساب القوي الثورية والتقدمية غير المنظمة, بحصوله علي نسبة شبه مماثلة لما كان يحصل عليها الحزب الوطني في السابق, وهو ما أوقع جزء كبير من أوراق اللعبة في يد هذا التيار وفي القلب منه حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين مع اقترابه من حصد نصف مقاعد مجلس الشعب. وأفرزت هذه التداعيات3 تحديات رئيسية أمام إنجاز عملية التحول الديموقراطي: الأول- قدرة القوي السياسية وعلي رأسها حزب الحرية والعدالة علي بناء ائتلاف وطني حقيقي للدفع في اتجاه إنجاز سريع لمتطلبات التحول الديموقراطي بتشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور وإجراء حوار ناجح مع المجلس العسكري لتجاوز عقدة النص المرتبطة بوضعية الجيش في الدستور ومصدر التشريع, تمهيدا لإجراء انتخابات الرئاسة وتسليم السلطة قبل أول يوليو المقبل, والتحضير لخريطة الانطلاق للمستقبل, والثاني- إعادة الأمن عبر إعادة هيكلة جهاز الشرطة وتغيير عقيدته ليعمل في إطار من سيادة القانون, والثالث- إعادة الإنتعاش إلي الإقتصاد المصري والحفاظ علي التراكم الرأسمالي الذي تكون علي مدي العشرين عاما الماضية, وإلا فإن مصر طبقا للدكتور أسامة الغزالي حرب القيادي التاريخي لحزب الجبهة الديموقرطية- معرضة لانتفاضات خبز في ظل ارتفاع نسبة الفقر وانتشار العشوائيات. إلا أن الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة, يري أن الاتفاق علي الدستور هو تحد سهل يمكن تجاوزه في ظل وجود توافق حول أبوابه الأربعة الأولي بما فيها مسألة الهوية, مستثنيا وضع الجيش الذي اعتبره أكثر النقاط صعوبة وتحتاج إلي إجراء حوار مشترك للوصول إلي صيغة لا تجعل الجيش منغمسا في الحياة السياسية وتخضعه للبرلمان, وتحترم في الوقت نفسه خصوصية المؤسسة العسكرية ولا تجعلها مشاعا للجميع. ورغم تطمينات العريان بشأن قبول حزب الحرية والعدالة للنص الحالي ل المادة الثانية في الدستور, فإنه من المنتظر أن تتسبب هذه المادة في معركة حامية, مع تمسك حزب النور الذي يقترب من حصد ربع مقاعد مجلس الشعب, بدولة ذات مرجعية اسلامية كاملة في الأحكام والمباديء والأهداف والنص علي أن يكون رئيس الدولة مسلما, ورفضه إصطلاح الدولة المدنية المرادف للدولة العلمانية. وبالخلاف لذلك, فإن العريان يري أن النص الحالي للمادة الثانية الذي يقضي بأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع يعني أيضا تطبيق الشريعة ومن ثم فلا حاجة لتعديله, قائلا الأحكام متنوعة ومختلفة, ومن يقول أن هذا الحكم قطعي أو غير قطعي؟, هذا أمر متروك للهيئة البرلمانية ورأيها في كل حالة. ويربط المفكر السياسي الدكتور عبد المنعم سعيد, نجاح المصريين في عبور هذا النفق, بتحقق3 شروط رئيسية, هي: انخفاض درجة حرارة الدولة مع استكمال عملية التحول الديموقراطي وبدء فترة رئاسية جديدة واستئناف النمو الإقتصادي وإعادة الأمن, وانتقال الثوار من الميدان إلي موقع المعارضة وتوقف حالة الشك والابتزاز السياسي للوطن, والتزام الإسلاميين بالعملية الديموقراطية والاقتصادية وبناء الحرية والعدالة توليفة برلمانية لطيفة مع حزب الوفد مثلا, وتشكيل الكتلة المصرية للمعارضة. ويثير الفوز الكاسح لجناحي التيار الإسلامي, في انتخابات مجلس الشعب, مخاوف من خضوعهما لإغراءات القوة المفرطة والدخول معا في تحالف برلماني ربما غير معلن للسعي لاحتكار التشريع, أو إعاقة هذا التيار بحكم تكوينه المحافظ لتطور التجربة الليبرالية التي منحتها ثورة25 يناير قوة دفع جديدة, تشي بإمكانية نضج تيار وسط رئيسي قادر علي بلورة نسق ليبرالي مصري لا يتصادم مع الدين والعدالة الاجتماعية. غير أن العريان, حاول تبديد المخاوف من احتكار التيار الإسلامي للسلطة, بقوله إن الإستراتيجية الثابتة للتيار الإسلامي الرئيسي الممثل في حزب الحرية والعدالة, لا تقوم علي التصادم وإنما بناء توافق وطني, وخلق أغلبية برلمانية حول القضايا ذات الحساسية السياسية, وقلل من أهمية هذه المخاوف, مشيرا إلي أن التيار الإسلامي ليس كتلة واحدة ولا يوجد طرف واحد لديه أغلبية برلمانية مطلقة. وهو ما يدعمه عبد الغفار شكر, بقوله جماعة الإخوان ناضجة ولديها خبرة سياسية طويلة وقدرة علي تقدير الموقف, وأتوقع قيامها بمحاولة بناء تحالف سياسي ليبرالي يساري قومي, وإيجاد قدر من التوافق, مضيفا أن الوضع في مصر أكبر من أن يحتكره طرف واحد. ويتفق الدكتور محمد أبو الغار مؤسس حزب المصري الديمقراطي الإجتماعي, مع شكر, بقوله الفوز الكاسح في الانتخابات قد يمثل إغراء لأي جهة, لكن الموقف الإقتصادي والسياسي خطير, لدرجة إن الإخوان لن يفعلوا ذلك وفي تقديري أنهم سيسعون لبناء توافق وطني, مضيفا مصر دولة محورية في إقليمها ولها مكانة مهمة في العالم وليست في حمل أن يتكاتف عليها أو يحاصرها, وأي تشريعات مجحفة سوف تثير الغرب علينا وتؤدي إلي تدهور المشكلات. ورغم, تفاؤله الحذر, تجاه الموقف البراجماتي لحزبي الحرية والعدالة والنور, من معاهدة كامب ديفيد, وموقفيهما الوطني المسئول من الأحداث التي شهدتها البلاد خلال العام الماضي, فإن عبد المنعم سعيد, يشكك, في قدرة التيار الإسلامي علي المضي بالبلاد نحو النموذجين التركي أو الكوري علي سبيل المثال, مرجعا ذلك إلي الطبيعة المحافظة للتيار الإسلامي, بقوله توجد أجنحة محافظة داخل جماعة الإخوان إضافة إلي ارتباطها بأجندات قديمة وأجنحة محافظة خارجية مثل حركة حماس وجماعة الإخوان العالمية. لكن العريان, يؤكد التزام حزبه ببناء دولة ديموقراطية حديثة, بقوله إن التحدي الأكبر الذي نواجهه, هو التوافق علي دستور يقيم دولة ديموقراطية حديثة تمهد الطريق لخمسين سنة قادمة, ويفتح الباب لبناء اقتصاد حر يحقق التنمية, وإعلام موضوعي يحترم حق المواطن في المعرفة, وقضاء مستقل, وشرطة وجيش- يخضع للرقابة والمحاسبة- في ظل دولة ديمقراطية, والانتقال المتدرج إلي نظام إداري لا مركزي.