في2 يوليو1798 نزل الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت بقواته إلي ميناء الإسكندرية, من علي ظهر البارجة الفرنسية الأوريان أي الشرق ومعه مجموعة من العلماء والمستشرقين والمترجمين وأيضا مطبعة عربية. وكان بونابرت عند مروره بجزيرة مالطة قد حرر نحو700 أسير من المسلمين الترك والمغاربة كانوا لدي مجموعة فرسان مالطة المتشددة, ونقلهم علي ظهر بارجته إلي مصر, ليستخدمهم في توزيع منشوراته ولأعمال الترجمة وللخدمات الأخري. ولأن الجنرال بونابرت كان بطلا اسطوريا, فقد كانت إنجازاته في مصر وفي غيرها تتم بسرعة مذهلة, وبالرغم من قسوته المفرطة علي المصريين بل وأيضا علي الفرنسيين بعد مغادرته لمصر, لإنقاذ الثورة الفرنسية من الفشل فإنه قد أنجز لمصر خلال عمر الحملة الفرنسية وهي ثلاث سنوات مالم تنجزه مصر في قرون طويلة مضت. ولن نتحدث الآن عن انجازاته الهائلة, خاصة في مجال تنظيم مصر وإدارتها, لكن لظروف النشر سوف نقصر حديثنا علي المجمع العلمي المصري الذي أحرق مؤخرا. ففي22 أغسطس1798 أصدر الجنرال مرسوما بإنشاء المجمع العلمي المصري وانضم بنفسه إلي عضويته.. ويتكون هذا المجمع من48 عضوا, منهم12 عضوا في قسم الرياضيات, و12 عضوا في قسم العلوم الطبيعية و12 عضوا في قسم الاقتصاد و12 عضوا في قسم الآداب والفنون.. ويقول الأديب المصري الأشهر المرحوم الدكتور لويس عوض: أن هذا المجمع هو أول أكاديمية للعلوم والفنون والآداب عرفتها مصر الحديثة, وقد ضم صفوة العلماء والفنانين والأدباء الذين جاءوا مع نابليون إلي مصر لمسحها ودراستها, وكانت ثمرة عملهم ذلك الكتاب الجليل وصف مصر في10 مجلدات من الأبحاث, و14 مجلدا من اللوحات. وفي إحدي الندوات دعا بونابرت بعض المصريين إلي اجتماع مشترك مع بعض علماء الحملة ليشاهدوا كيف تستولد الكهرباء, وكيف يسري تيارها في الأجسام مهما بعدت, ومن الطرائف أنه إذا لمست يد أحد هذه الدائرة, ارتج بدنه وارتعد جسمه وطقطقت عظام أكتافه في الحال. وراح العلماء ينظمون ما يخص كل بلد من اجناس الحيوان والطيور والنبات والأعشاب وعلوم الطب والتشريح والهندسيات بل وكثير من الكتب الاسلامية المترجمة, كما وضعوا بهذا المجمع نظارات للنظر في الكواكب ورصدها بل وحتي أنواع الساعات. هذا بخلاف مجلدات جليلة عن وصف كل بقعة من بقاع مصر لتتناول ما يتعلق بالحياة فيها خاصة عن الزراعة والفيضان وطرق التجارة الداخلية والدولية والفنون وكيفية حفر قناة السويس, لتربط بين البحر الأسود( الأبيض المتوسط) والبحر الأحمر.. والآلاف من المعلومات الأخري التي لا تسمح بها مساحة النشر. لكن نكتفي بنشر واقعة لها دلالتها, فقد وضع في المجمع كتابا كبيرا يشتمل علي سيرة النبي محمد عليه أفضل صلاة وأزكي سلام, وقد صورت به صورته الشريفة علي قدر علمهم واجتهادهم وهو قائم علي قدميه الشريفتين ناظرا إلي السماء كالمراقب للخليقة, وبيده اليمني السيف وفي اليسري الكتاب, وحوله الصحابة رضي الله عنهم أجمعين, وفي الصفحة الأخري صورة الخلفاء الراشدين, وفي الأخري صورة المعراج والبراق وهو صلي الله عليه وسلم راكب عليه من صخرة بيت المقدس وأيضا صورة بيت المقدس والحرم المكي والمدني وكذلك صورة الائمة المجتهدين. ولما كانت معظم هذه الصور مرفوضة في البيئة المصرية المحافظة خشية الفتن الوثنية, إلا أن التاريخ يحدثنا أن الجبرتي والعطار والخشاب لم تقشعر ابدانهم لرؤية هذه الصور ولم ينددوا بها ولم يروا فيها ملامح وثنية وآيات تفسد بها عقائد الناس أو حتي تطاولوا علي المعتقدات الدينية لكن علقوا عليها ووصفوها بأنها صور رسمت علي قد مبلغ عملهم واجتهادهم. وأخيرا فإن هذا المجمع العلمي, تم حرقه في القاهرة, يوم السبت الأسود17 ديسمبر من عام2011 بأيد آثمة خانت بلدها وأكلت أكباد أبنائها, إنها أيد خبيثة نجسة حمالة للحطب, ستصلي نارا ذات لهب.