عاشت مصر ليلة حزينة يوم السبت 17 ديسمبر الماضي حين التهمت النيران مبني المجمع العلمي المصري بميدان التحرير، والتهمت معه جزءا عزيزا وغاليا من تراث مصر وذاكرتها القومية . إذ أتت النار علي حوالي 192 الفا ما بين كتاب ومخطوطة ودوريات نادرة تعتبر من أثمن كنوز ووثائق تخص مصر وتاريخها. والمجمع العلمي يرجع تاريخ نشأته إلي الحملة الفرنسية حين قام نابليون بونابرت بتأسيسه في يوم 22 اغسطس 1798 ليكون علي غرار المجمع العلمي بباريس، واختار قصر حسن كاشف بالناصرية مقرا له وألحق به عددا من قصور المماليك المجاورة لتكون سكنا لأعضائه، وكان من أهدافه التي وضعها بونابرت العمل علي تقدم العلوم والمعارف في مصر، ودراسة القضايا والأمور الطبيعية والصناعية والتاريخية في مصر مع العمل علي نشرها، وأخيرا إعطاء الرأي والمشورة للحكومة في الأمور التي تستشيره فيها . وكلف بونابرت سبعة من أبرز علماء الحملة باختيار أعضاء المجمع. أما أسماؤهم فهي «مونج وبرتوليه وجوفروا سانت هيلير وكوستاز وديجينت والجنرال كافريللي وأندريوسي» . وقرر المجمع في جلسته الأولي المنعقدة في 23 أغسطس 1798 تقسيم المجمع إلي أربعة أقسام:- قسم للرياضيات وقسم للعلوم الطبيعية، وقسم للاقتصاد السياسي وقسم للآداب والفنون . علي أن يتألف كل قسم من أثني عشر عضوا، ويديره مجلس مكون من رئيس ونائب له وسكرتير ونائب له، وأمين دائم للمجلس ومترجم، علي أن يجتمع المجلس مرتين في الشهر، كما تقرر أن ينشر المجلس مجموعة من أبحاثه كل ثلاثة أشهر . وفي الجلسة الأولي المنعقدة للمجمع انتخب الأعضاء عالم الرياضيات مونج رئيسا للمجمع وبونابرت نائبا للرئيس وفورييه سكرتيرا دائما وكوستاز نائبا له. أما عن هؤلاء الأعضاء. فمونج واسمه بالكامل "جاسبار مونج "عالم رياضيات ولد في 10 مايو 1746، التحق بمدرسة الهندسة في أحد البلاد الفرنسية، حيث أصبح معيدا بها، ثم أستاذا لعلم الرياضيات، وألتحق بعدها بالأكاديمية الملكية للعلوم عام 1780، ثم اصبح وزيرا للبحرية خلال الفترة من أغسطس 1792- أبريل 1793. حيث ساهم في تأسيس مدرسة متعددة الفنون، ولقد صحب بونابرت في حملته علي مصر، وانتخب أول رئيس للمجمع، وقدم خلاله بحثا متميزا عن ظاهرة السراب في مصر .ثم غادر مصر في 23 اغسطس 1799 . وعين عضوا بمجلس الشيوخ، ومديرا للمدرسة متعددة الفنون عام 1802، واستمر في تقديم ابحاثه المتميزة حتي توفي في 28 يوليو1818 . أما فورييه، فاسمه بالكامل هو "جوزيف فورييه" ولد في 21 مارس 1768، انضم في فترة من حياته إلي حياة الرهبنة وعند اندلاع الثورة الفرنسية غادر الدير وأصبح أستاذا للرياضيات في مدرسته. اختاره بونابرت ضمن فريق العلماء المصاحب للحملة الفرنسية، وعين سكرتيرا للمجمع العلمي، وهناك قدم كثيرا من التقارير، كما رأس إحدي لجان الاستكشاف بمصر العليا . كما كتب المقدمة التاريخية لكتاب "وصف مصر". وبعد رحيل الحملة الفرنسية عن مصر عام 1801، توقف نشاط المجمع فترة إلي أن أعاده سعيد باشا مرة أخري عام 1859 وجعل مقره بمدينة الإسكندرية ، وفي عام 1880 انتقل المجمع مرة أخري إلي مدينة القاهرة، وفي عام 1918 أجريت عدة تعديلات علي الشُّعب الأربع حيث أصبحت تضم الآداب والفنون الجميلة والآثار والعلوم الفلسفية والسياسية والفيزياء والرياضيات والطب والزراعة والتاريخ الطبيعي . أما عن المكتبة فلقد قال عنها المؤرخ الشهير الجبرتي "ضمت جملة كبيرة من كتبهم وعليها خزان ومباشرون يحفظونها ويحضرونها للطلبة ومن يريد المراجعة». أما أهم الكنوز التي احترقت فهي :_ 1 الطبعة الأولي من كتاب وصف مصر الذي وضعه علماء الحملة الفرنسية في 21 مجلد. 2- أطلس عن فنون الهند القديمة . 3- أطلس باسم مصر الدنيا والعليا مكتوب عام 1752 . 4- أطلس ألماني عن مصر وإثيوبيا يعود تاريخه لعام 1842 . 5- مجموعة خرائط نادرة اعتمد عليها المؤرخ الراحل الكبير الدكتور يونان لبيب رزق في إثبات حق مصر في طابا، كذلك حقها في حلايب وشلاتين. 6- مجموعة كتب نادرة أحضرها معهم علماء الفرنسية من فرنسا، وأودعوها في مكتبة المجمع. كما ضم المجمع في عضويته علي مر العصور كوكبة من ألمع عقول مصر، نذكر منهم العالم الكبير محمود الفلكي والعالم الكبير علي مصطفي مشرفة والطبيب الكبير علي باشا إبراهيم وشيخ العروبة أحمد باشا زكي وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين وعالم الجغرافيا الدكتور سليمان حزين وأول مدير لجامعة أسيوط وعالم الآثار الدكتور باهور لبيب والدكتور لبيب حبشي والدكتور سامي جبرة وعالم اللغات السامية الدكتور مراد كامل.. إلخ. والمجمع يضم حاليا 120 عالما من صفوة علماء مصر ويرأسه الدكتور محمود حافظ، ونائب الرئيس هو شيخ الجراحين الدكتور إبراهيم بدران، أما الأمين العام للمجمع فهو الدكتور محمد الشرنوبي . ولقد قام الدكتور محمد صابر عرب رئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق القومية بتشكيل لجنة لجرد وتصنيف وترميم ما تمكن من إنقاذه من الحريق المدمر . ولقد ذكر الدكتور عبد الواحد النبوي أنه قد ورد إلي الدار ما يقرب من 20 الف كتاب معظمها في حالة سيئة إما بسبب الحريق أو بسبب المياه التي استخدمت في إطفاء الحريق أو بسبب دهس الكتب بالأقدام، أو بسبب محاولة بعض صغار النفوس سرقة الكتب والمخطوطات . وجاري الآن فحص الخسائر التي نجمت عن الحريق ومدي إمكانية ترميم ما يمكن ترميمه. أما عن مبني المجمع نفسه، فلقد أكدت اللجنة المشكلة من وزارة الآثار برئاسة محسن سيد علي رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية أن حالة المبني في حاجة ماسة إلي تدخل سريع لترميمه وإعادته إلي حالته الأصلية بتكلفة لا تقل عن 2,500 مليون جنيه. ولقد أشار الدكتور محمد إبراهيم وزيرالآثار أن اللجنة قامت بالمعاينة يوم الاثنين 19 ديسمبر وأفادت في تقريرها أن المبني قد لحقه ضرر كبير بسبب الحريق. كما انهارت أسقف الدورين الأول والثاني واحتراق شبه كامل للشبابيك الخشبية وانهيار معظم الأسقف الخشبية والمعدنية من السطح وتساقط بعض الكرانيش بالواجهات . وانهيار جزء من السور الحديدي لمدخل الساحة الموازية للمدخل الرئيسي للمبني . وأكد أنه سيتم البدء في ترميم المبني علي الفور بمجرد هدوء الأوضاع بالمنطقة . ولقد أكد السيد محسن علي أن جميع الحوائط الحاملة للمبني سليمة ولم تتلف من الحريق فيما عدا بعض التلفيات البسيطة في بعض الدهانات، كما أكد سلامة الجزء الخاص بالسلم والدرج .