أكد العلماء أهمية اغتنام العشر الأواخر من رمضان, لما بها من خير وفير خاصة أن بها ليلة خير من ألف شهر وهي ليلة القدر التي تقدر فيها مقادير الخلائق علي مدي العام. فيكتب فيها الأحياء والأموات والناجون والهالكون والسعداء والأشقياء والعزيز والذليل والجدب والقحط وكل ما أراده الله تعالي في تلك السنة فعلي المسلم أن يحرص علي الاعتكاف والدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن وفعل الخيرات اقتداء بالنبي صلي الله عليه وسلم. ويوضح الدكتور محمد عبد العليم العدوي الأستاذ بجامعة الأزهر, أن شهر رمضان هو سيد الشهور, فضله الله تعالي لابتداء نزول القرآن الكريم, فيه حيث قال سبحانه شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان البقرة185 فرض الله علي المؤمنين صيام نهاره وسن لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم قيام ليله, إيمانا واحتسابا لوجه الله وهو شهر أوله رحمة ووسطه مغفرة وآخره عتق من النار من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدي فريضة فيما سواه, ومن أدي فريضة فيه كان كمن أدي سبعين فريضة فيما سواه, وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة, وهو شهر يزاد فيه رزق المؤمن, تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران وتصفد الشياطين وينادي مناد من قبل الحق تبارك وتعالي يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار والأعمال بخواتمها وخير الأعمال ما كان صالحا وخير الأيام يوم يلقي المؤمن ربه وقد غفر ذنبه وأدخله برحمته الجنة, ولذا كانت العشر الأواخر من رمضان خير أيام شهر رمضان لأنها أيام حصاد الخير وجني الثمر اليانع والحصول علي النجاح والفلاح وربح التجارة من الله في هذا الشهر, وهذه العشر هي درة الشهر لأن فيها ليلة هي خير من ألف شهر...ليلة خص الله بها الأمة المحمدية وهي ليلة القدر كما قال سبحانه وتعالي إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر, سلام هي حتي مطلع الفجر القدر1-5 ولذا كان علي المؤمنين الصائمين المتقين أن يحرصوا علي الاجتهاد في فعل الخير في هذه العشر اقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم حيث روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها قولها( كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان جد وشد المئزر- كناية عن الاعتكاف ومضاعفة العمل الصالح من ذكر الله والاستغفار والدعاء وفعل الخيرات وقد أخفي الله ليلة القدر لحكمة غالية حيث قال صلي الله عليه وسلم( التمسوها في العشر الأواخر من رمضان) في ليالي الوتر لكي يعظم المؤمنون ربهم جميع السنة ويتزودوا من العشر الأواخر بزاد التقوي ويهتدوا بهدي القرآن الكريم ويعملوا به ويتبعوا منهجه وهدي رسوله صلي الله عليه وسلم الذي كان قرآنا يمشي علي الأرض وقد سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن فاللهم اجعل القرآن الكريم ربوع قلوبنا ونور أسماعنا وأبصارنا وجلاء همومنا وأحزاننا. ويوضح الدكتور إسماعيل شاهين أستاذ الشريعة الإسلامية ونائب رئيس جامعة الأزهر السابق, أن النبي صلي الله عليه وسلم قال ما من أيام العمل الصالح فيها أحب عند الله من هذه الأيام أي الأيام العشر قالوا ولا الجهاد في سبيل الله تعالي قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع بشيء ولذلك كان الرسول صلي الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان اجتهد في العبادة فشد مئزره وأيقظ أهله, وكان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان لأن غالب الظن أن ليلة القدر تكون في العشر الأواخر من رمضان تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر, فلذلك روي مسلم عن عائشة قالت كان رسول الله يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره, وعنها ايضا أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتي توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده والغرض من الاعتكاف وهو رسالة موجهة إلي كل المسلمين لحبس النفس في مكان لا يصلح إلا للعبادة لمساعدة النفس علي التفرغ لممارسة ألوان العبادات من صلاة وذكر لله تعالي وتسبيح واستغفار وتلاوة للقرآن الكريم وتدبر لمعانيه وطلب للعلم الذي ينفع المسلم في دنياه وآخرته, وهو خلوة لمراقبة الله ومناجاته ودعاء وابتهال وتوبة ومحاسبة للنفس, ولذلك ننصح المسلمين في العشر الأواخر من رمضان بالاعتكاف في أحد المساجد اذا أمكن ولا يخرج من المسجد طولة الاعتكاف إلا لضرورة كعيادة مريض او ايصال زوجة لمسكنها, وثانيا القطيعة الكاملة لقرناء السوء قال صلي الله عليه وسلم المرء علي دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل وكذلك تطهير القلب بالعبادة وهي التوجه إلي الله بكل كيان, و قراءة القرآن الكريم والمداومة علي الاستغفار والتوبة وذكر الله,وكثرة الصلاة والتلاوة في أثناء الليل, والتسامح وحفظ اللسان وترك الكذب قال تعالي اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وقال الرسول إن الصدق يهدي إلي البر, وأن البر يهدي إلي الجنة وفي التسامح قال صلي الله عليه وسلم رحم الله رجلا, سمحا إذا باع, سمحا إذا اشتري سمحا إذا اقتضي, وفي حفظ اللسان من الكذب والغيبة والنميمة قال صلي الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال الصلاة لوقتها قيل ثم ماذا قال أن يسلم الناس من لسانك وقال عليه الصلاة والسلام أيضا وهل يكب الناس علي وجوههم في النار يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم, كذلك الإخلاص وترك النفاق قال تعالي فاعبد الله مخلصا له الدين وقال تعالي إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار. ويوضح الدكتور أحمد الطيار أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر بأن من فضائل الله التي لا تعد ولا تحصي; أن كتب علينا الصيام علاجا وقربي, وجعله أياما معدودة حتي لا تذل النفوس ولا تشقي, وجعل أيامه خير أيام أحصاها وعدها عدا, وأفرد من بينها العشر الأواخر فخصها بالفضل وضاعف فيها الأجر ضعفا ضعفا, فقد جاء في السنة المطهرة أن النبي- صلي الله عليه وسلم كان يخص العشر الأواخر من رمضان بمزيد من العبادة لله تعالي, فيجتهد فيها أكثر من اجتهاده في غيرها, فقد روي البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة- رضي الله عنها- أن النبي- صلي الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره, وشد المئزر كناية عن الاستعداد للعبادة والاجتهاد فيها زيادة علي المعتاد, أو كناية عن اعتزال النساء وترك الجماع, وهذا إنما يكون للتفرغ للعبادة. كما كان النبي صلي الله عليه وسلم أقرأ ما يكون للقرآن في شهر رمضان وفي العشر الأواخر بالذات; فقد ثبت عن عائشة, رضي الله عنها, أنها قالت: لا أعلم رسول الله- صلي الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة ولا قام ليلة حتي الصباح ولا صام شهرا كاملا قط غير رمضان. ومن فضائل هذه العشر وخصائصها ومزاياها أن فيها ليلة القدر, قال الله تعالي:( حم. والكتاب المبين. إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين. فيها يفرق كل أمر حكيم. أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين. رحمة من ربك إنه هو السميع العليم) الدخان1-6 أنزل الله القرآن الكريم في تلك الليلة التي وصفها رب العالمين بأنها مباركة, وقد صح عن جماعة من السلف منهم ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وغيرهم أن الليلة التي أنزل فيها القرآن هي ليلة القدر. وقوله فيها يفرق كل أمر حكيم أي تقدر في تلك الليلة مقادير الخلائق علي مدي العام, فيكتب فيها الأحياء والأموات والناجون والهالكون والسعداء والأشقياء والعزيز والذليل والجدب والقحط وكل ما أراده الله تعالي في تلك السنة. والقدر التعظيم, أي أنها ليلة ذات قدر, لهذه الخصائص التي اختصت بها, أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر. فقد سماها الله تعالي ليلة القدر, وذلك لعظم قدرها وجلالة مكانتها عند الله ولكثرة مغفرة الذنوب وستر العيوب فيها فهي ليلة المغفرة كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). وأخفي الله تعالي هذه الليلة ليجتهد العباد في طلبها, ويجدوا في العبادة, كما أخفي ساعة الجمعة وغيرها, فينبغي للمؤمن أن يجتهد في أيام وليالي هذه العشر طلبا لليلة القدر, اقتداء بنبينا- صلي الله عليه وسلم-, وأن يجتهد في الدعاء والتضرع إلي الله. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت أن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: قولي:( اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني).