قبل ثلاثة أعوام كاملة من اندلاع ثورة يناير, توقع جون برادلي انفجار بركان من الغضب في مصر. ووضع برادلي ملاحظاته ومبررات قيام الثورة المرتقبة من وجهة نظره في كتاب: من داخل مصر: أرض الفراعنة علي شفير الثورة. وبعد أقل من عام واحد علي الثورة, أعد برادلي, الصحفي المتخصص في شئون الشرق الأوسط, كتابا آخر يتناول فيه أسباب صعود الإسلاميين إلي السلطة في بلدان الربيع العربي حمل عنوان ز: الأوسط. اتهمهم فيه صراحة بسرقة ثورات شعوب تلك البلدان, وتوقع سقوط سلطانهم وسطوتهم من جديد. وتحققت نبوءته من جديد, وكانت البداية من مصر.. ويري برادلي أن ثورات البلاد العربية لم تندلع مطلقا من أجل الحرية والديمقراطية, بل لأسباب مختلفة تماما. ويدلل برادلي في كتابه الجديد علي ذلك بأن المؤمنين بالحرية والديمقراطية لم يحكموا وأن الحكم سيسقط في يد الإسلاميين في نهاية المطاف ليمارسوا استبدادا أشد وطأة مما عانته بلادهم, ولتعد صورة الثورة الإسلامية الإيرانية في أسوأ مراحلها إلي الواجهة من جديد, ولكن بعد أكثر من ثلاثين عاما. ويشير الكتاب إلي أن السياسيين الغربيين يعتقدون أن الشعوب العربية تنتفض لأنها تتوق إلي القيم الليبرالية الغربية: حيث تسود مشاعر قبول الآخر, وتصل إلي السلطة حكومات ممثلة للشعوب. ولكن الشعوب لا تترجم بالضرورة رغبتها في الحياة الكريمة إلي وله بالديمقراطية!!. ودلل علي تلك المقولة بنموذجي جمال عبد الناصر في مصر, والحبيب بورقيبة في تونس. ويري برادلي أن الزعيمين الراحلين كانا مستبدين بالمعايير المتعارف عليها, وبرغم هذا فإنهما يحظيان بتقدير شعبي واسع حتي يومنا هذا. ويتساءل الكاتب عن جذور هذا التقدير, ويجد لدي التونسيين والمصريين الإجابة كلما طرح السؤال نفسه. فكلا الرجلين لم يكن فاسدا شخصيا, وكلاهما احترم كرامة شعبه. وفي عهد الزعيمين الراحلين, لم يتعذر علي أبناء الشعبين أن يجدوا قوت يومهم. وماذا عن نزعتيهما للاستبداد؟ لعل الأمر عديم الأثر علي السواد الأعظم من الشعبين. ويلفت الكاتب الأنظار إلي نتائج استطلاع للرأي جري في مصر بعد ثورة يناير. وأظهر هذا الاستطلاع أن19% فقط من العينة تري أن الديمقراطية هي السبب الرئيسي للإطاحة بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك. أما نسبة65% تقريبا فرأت أن تردي الأوضاع الاقتصادية هو السبب الرئيسي للثورة. وينطبق الأمر ذاته علي الأوضاع في تونس. فمع تفاقم الأوضاع الاقتصادية وانتشار البطالة بين التونسيين, نجح الغضب الشعبي في الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي وأسرته ولم تقف أمام هذه الغضبة قوة الفساد السائد في تونس آنذاك. ولكن تلك الغضبة لم تنجح في إرساء قيم الحرية والليبرالية المنشودتين. وفي هذا السياق, يرصد الكتاب صعود الحركات الإسلامية, وتنامي دورها في المجتمع وظهورها علي الساحة السياسية في بلدان الربيع العربي لسد الفراغ في السلطة. ويسلط الكتاب الضوء علي الشعارات الراديكالية للإسلاميين وترويجهم لأنفسهم علي اعتبارأنهم أفضل تنظيما وأكثر شعبية بين طبقات المجتمع, في حين يعاني الليبراليون من التشرذم وضعف الوجود علي الأرض. ويري برادلي أن الإسلاميين لا يحتاجون تأييد أغلبية الشعب للفوز بالانتخابات..!!. فكل ما يحتاجون إليه هو غالبية الأصوات من بين الأقلية التي تذهب لصناديق الاقتراع غالبا. ويلفت إلي أن الإسلاميين يمارسون لعبة ذكية خلال الانتخابات وذلك بالترشح علي نصف المقاعد المتاحة فقط من أجل تهدئة المخاوف من احتمال استيلائهم الفوري علي السلطة. فإن ما يعنيهم هو المدي الطويل وليس الفوز المرحلي لكون الانتخابات توفر غطاء لإحداث تغيير جذري أعمق وبخطي أسرع. يقول برادلي إن ما لم يتوقعه أحد هو قيام موجة من الحراك الثوري في وقت كان الليبراليون يعانون من الاضطهاد ويفتقدون إلي الشعبية اللازمة حتي أنهم عجزوا عن سد الفراغ الناتج عن الإطاحة بالنظم القائمة. وفي المقابل, كان الإسلاميون منظمين بما يكفي( رغم أنهم لم يحرضوا علي القيام بثورة علي الإطلاق) بينما غاب التنظيم والتخطيط عن صفوف القوي الثورية والأفراد الذين شاركوا في الثورة. واستنادا إلي هذه الأوضاع, يري برادلي أن مصر كانت جاهزة لسيطرة الإسلاميين عند اندلاع ثورتها عام2011 أكثر بكثير مما كانت عليه الأوضاع في إيران عام.1979 وتوقع برادلي في كتابه الجديد استمرار حركة الاحتجاج واتساعها في دول الربيع وهو ما حدث فعليا في30 يونيو2013 في مصر. وبالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين, يري أن الجماعة خدعت الغرب الذي يفتقد المعرفة المعمقة عنها وعن مصر. فقد اختارت الجماعة متحدثين يروجون لمناقب برنامجهم الذي يدعو إلي تحقيق الديمقراطية. وكانت هذه الدعاية من الكفاءة بحيث دفعت مسئولا أمريكيا بارزا إلي وصف الجماعة بأنها مجموعة علمانية من المسلمين!!. وينتقد برادلي موقف واشنطن التي ساندت مبارك ونظامه, مثلما فعلت مع شاه إيران من قبل دون أن تختلف النتيجة في كلتا الحالتين ويتهمها بعدم استيعاب حقائق الأوضاع علي الأرض في الحالتين رغم مرور أكثر من ثلاثين عاما بين التجربتين, ويعتبر أن المفارقة تكمن في كون الجهود المبذولة من أجل عرقلة قيام ثورة إسلامية في مصر هي التي عجلت بتحقق أسوأ السيناريوهات المرسومة لدي واشنطن, وأنها أسفرت عن تداعيات وخيمة علي ثقافة التعددية وقبول الآخر التي تميزت مصر بها علي مر التاريخ, وأيضا علي النفوذ الأمريكي في المنطقة علي المدي الطويل. وينهي برادلي كتابه بالتحذير من مستقبل كئيب ينتظر دول الربيع العربي, ويشير إلي أن الدروس المستخلصة من الماضي القريب تنذر بالسوء لمستقبل ليبيا واليمن, ويوصي الولاياتالمتحدة بأن تحذو حذو بريطانيا بأن تكف عن التدخل في شئون المنطقة. صدر عن كلمات عربية للترجمة والنشر