نشرت فيما سبق مقالين الأول بعنوان خريف الإسلام السياسي والثاني بعنوان شتاء اليمين المتأسلم يرصدان التدهور المطرد في شعبية سلطة اليمين المتأسلم التي كانت حاكمة حتي3 يوليو مستعملا مؤشرات إحصائية من استطلاعات الرأي العام, للتدليل علي قرب انقضاء حكم ذلك التيار. وقد هاجمني أشياع التيار حينها علي المقالين هجوما مقذعا. والآن تتوافر لنا, بعد سقوط تلك السلطة مؤشرات تقابل ما يسمي في الطب تشريح ما بعد الوفاة, تجزم بتدهور التأييد الشعبي لسلطة اليمين المتأسلم باطراد إلي حدود تجعل استمرارها في الحكم ضربا من اغتصاب السلطة في وجه معارضة شعبية كاسحة. ويسجل هذا الانهيار فائق السرعة سابقة في تاريخ أنظمة الحكم الفاشلة, فلم يحدث فيما نعلم أن قضي نظام حكم علي شعبيته إلي هذا الحد بتلك السرعة. أجري المركز المصري لبحوث الرأي العام استطلاعا للرأي العام خلال الأسبوع الأخير من شهر يوليو باعتبارها نهاية السنة الأولي لحكم اليمين المتأسلم بعد ثورة يناير2011 من عينة كبيرة نسبيا تصل إلي حوالي6000 شخص. وتبين من الاستطلاع انخفاض نسبة من يوافقون علي أداء الرئيس إلي32% مقارنة بنحو42% في نهاية الشهر الحادي عشر و78% في نهاية المائة يوم الأولي من تنصيبه. الأهم أن المؤشرات الأحدث المتاحة عن شعبية محمد مرسي تدل علي اتساع الفجوة بين نسبة الموافقين وغير الموافقين علي أداء الرئيس إلي29 نقطة مئوية بنهاية شهر يونيو(32% موافقون مقابل61% غير موافقين.) ويقوي من الاتجاه نفسه تراجع نسبة من ينوون إعادة انتخاب الرئيس إلي25% مع انخفاض النسبة بين الشباب(19% مقابل30% بين الذين تجاوزوا الخمسين), وبين سكان المحافظات الحضرية(16% مقابل35% بين سكان الوجه القبلي), وبين الجامعيين18% مقابل30% بين الذين لم يحصلوا علي مؤهل متوسط. وفي سبع محافظات قلت نسبة ينوون إعادة انتخاب الرئيس عن20%, هي بورسعيد, دمياط, السويس, الاسكندرية, الدقهلية, القاهرة, وكفرالشيخ. وجاء التقييم العام لحكم اليمين المتأسلم ليبين أن64% من المستجيبين يرون أنه أسوأ مما كانوا يتوقعون. ولو اسقطنا هذه النسب علي قاعدة الناخبين في مصر, لتبين أن ثلثي الناخبين علي الأقل كانوا في نهايات يونيو غير موافقين علي أداء حكم محمد مرسي وغير راغبين في إعادة انتخابه, بعد عام واحد في السلطة. ويعني هذا أن جماعة الإخوان المخادعين كانت علي حق, في المنظور السياسي الانتهازي والنفعي وليس الوطني, برفض إجراء انتخابات رئاسية مبكرة, حيث كان شبه مؤكد أن تنتهي إلي خلع الرئيس الحاكم شعبيا. ولكن المذهل هو أن يتمسك رئيس كان يجب أن يعلم, هو ومستشاريوه المنافقون, تمسكا مرضيا بالشرعية الانتخابية التي كان الجميع يعلم أنها قد تآكلت تماما. ولقد ثبت أنهم مفسدون, فحق عليهم قول العلي القدير: وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون- وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون( البقرة,11-13). إن الشعب المصري المتحضر عندما ضاق ذرعا بحكم اليمين المتأسلم خرج عليه بأضخم مظاهرة سلمية في تاريخ البشرية, شهد لها العالم كما أبهرته الموجة الأولي من الثورة الشعبية العظيمة. وما كان للقوات المسلحة لشعب مصر أن تغض الطرف عنها وتترك البلاد تتردي إلي الاحتراب الأهلي. وآية صدق حس القوات المسلحة هي أن قيادات اليمين المتأسلم الضالة في تشنجات الانقضاء تحاول المستحيل لإيقاف عجلة التاريخ باستعمال جحافلهم من الدهماء المضللين لشن أكبر حملة من الإرهاب والترويع في تاريخ مصر, لا سيما في ارض الفيروز سيناء. فبينما كانت رأس الأفعي تختبئ في رابعة كانت ذيولها تعيث فسادا مدمرا في سيناء. وكل هذا سيزيد من حنق الشعب عليهم وسيجعل من الصعب أن يشملهم الشعب المصري بسماحته المعهودة. أفلا يعقلون؟ إن الإخوان المنافقين خسروا السلطة علي شعب مصر بما قدمت أيديهم, فقرروا إخراج أسوا ما في جعبتهم كتنظيم إرهابي يتوسل العنف الخسيس ضد الشعب والوطن. ولتكون لهم قاعدة لشن العدوان اقاموا لهم إمارة وهمية باهظة التكلفة في إشارة مرور رابعة العدوية, يحتمي في مسجدها, مع النساء والأطفال, كبار قياداتها. الغرض المعلن أنه اعتصام مستمر حتي يعود محمد مرسي. ولكنه صار وكأنه معسكر اعتقال لعشرات الآلاف, أو مئات الآلاف لا يهم, من اشياعهم الغلابة المغرر بهم, وأطفالهم ونسائهم, وليس من بينهم واحد من أبناء السادة في جماعة الإخوان, يديره سجانون يشنون حربا نفسية علي شعب مصر وجيشها. ونزلاؤه مغيبون عن الحقيقة والعالم, يشحنون بالأكاذيب والتجني والترهيب والإغواء الدينيين حتي يصبحوا كالمهاويس المسيرين. إن الإخوان المخادعين قد تاجروا بالإسلام وباءت تجارتهم بالخسارة, والآن يتاجرون بأطفالهم ونسائهم. فاصبحنا نري الأطفال في الاعتصام يحملون اكفانهم ويلبسون قمصان مشروع شهيد, وهم يأخذون أطفالهم ونساءهم للهجوم علي دار الحرس الجمهوري ولقطع الطرق واحتلال المساجد لمضايقة المواطنين ولمنع المصلين من المساجد التي أمر الله ألا يدعي فيها مع الله أحد في تشنجات يائسة للمطالبة بعودة محمد مرسي. وأي انحطاط لترويع المواطنين الابرياء والاتجار بالبشر الضعفاء, خاصة الأطفال والنساء. فوق كل هذا فالإمارة مكلفة. التقديرات تتراوح ولكن رقم مليون جنيه في اليوم يبدو متوسطا. وتستدعي هذه التكلفة الضخمة التساؤل عمن يدفع ومن أين تأتي الأموال أصلا لتمويل إمارة السوء والجرائم الإرهابية في سيناء؟ ولماذا كل هذا الجهد والإجرام لعودة حاكم فاشل, ترفض أغلبية ساحقة من الشعب عودته؟ ولن يعود محمد مرسي ولا سلطة الإخوان المخادعين وستفكك الإمارة الوهمية في الإشارة يوما. فلم لا توفر الأموال الطائلة التي تنفق عليها وتوجه لغرض مفيد للشعب والوطن؟ خلاصة القول إن الإخوان المنافقين, علي استعداد لإنفاق الأموال الطائلة لتدمير الوطن وليسوا علي استعداد للاعتذار للشعب والتوبة النصوح. وهذا مبلغ علمهم وعملهم بالإسلام الذي لخصه أشرف المرسلين في حسن الخلق! آن الآوان أن يقوم أولو الأمر بتفكيك هذه الإمارة الوهمية بأقل قدر من الأضرار وبحماية حقوق مواطنيها المغرر بهم. هؤلاء مع قيادات الإخوان المنافقين بحاجة لإعادة تأهيل. إلا من اجرم في حق الشعب والوطن فهؤلاء لابد أن يؤخذوا بأشد القوة وغاية الصرامة بالقانون والمحاكمات العادلة ولكن الناجزة. لمزيد من مقالات د . نادر فرجانى