يقيني أن ينبوع الوطنية المصرية, الصافي والمتجدد, في الوقت الراهن هو أجيال الشباب المصري الرائعة والمبدعة, التي تحررت من حواجز السلبية والخوف في أحداث الموجة الأولي من الثورة الشعبية العظيمة واكتسبت صلابة وجسارة من مقاومة محاولات الحكم التسلطي اليائسة بعد الثورة لاجهاض المد التحرري في مصر واضطهاد نشطائها من الشبيبة. وفي القلب منها الآن حركة تمرد التي أعطت الشعب المصري الحركة السلمية واسعة النطاق التي انتهت بتوقيع أكثر من ثلثي عدد الناخبين المصريين علي توكيلات تطالب بإنهاء حكم اليمين المتأسلم, والذي انقضي مساء3 يولية علي يد القوات المسلحة لشعب مصر التي استدعاها الشعب مصدر السيادة الأوحد لتصحيح مسار الثورة الشعبية, وليس تدخل الجيش لمنع الاحتراب الأهلي الذي دأبت قيادات اليمين المتأسلم علي تأجيجه انقلابا عسكريا بأي حال مادام الجيش لا يحكم بل توقف دوره عند تيسير إدارة مدنية يرأسها كبير قضاة المحكمة الأعلي في البلاد. ولم تتوقف مساهمة الشبيبة في النضال الوطني عند هذه المهمة المبتكرة والفعالة, بل تعداها إلي صوغ رؤية وطنية للمسار الكفيل باستعادة مسار الثورة الشعبية العظيمة, علي سبيل اكتمال غاياتها في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية للجميع علي أرض مصر, والذي جاء علي درجة من النضج والتكامل اجبرت أجيال الشيوخ في المعارضة علي تقديمها كرؤية جامعة للجماعة الوطنية المصرية. ولا يفوتني أن اشيد بالدور المغني لإبداع أجيال الشبيبة, الشابات جنبا إلي جنب مع الشباب, في مجالي الآداب والفنون والتي ساهمت في تشكيل الوجدان المصري, والشعور الوطني التحرري, في السنوات القليلة الماضية. وقد ساهم كل هذا في التمهيد لخروج ما اعتبره بعض المراقبين أكبر حشد بشري في التاريخ في جميع أنحاء البلاد مطالبا بإسقاط حكم اليمين المتأسلم وباستكمال الثورة العظيمة التي بدأها الشعب في يناير2011, والتي حرفت عن مسارها السليم تحت سلطات انتقالية لم تقطع بحسم مع حكم الاستبداد والفساد, الذي قامت الثورة الشعبية العظيمة لإسقاطه ولم تنجح في ذلك بعد. وهكذا قامت الموجة الثانية الكبيرة من المد الثوري في مصر والتي كتبت ونطقت كثيرا في الشهور الماضية مبشرا بأنها قادمة لامحالة. وقد ساهم في تكوين هذا الحشد الهائل للموجة الكبيرة الثانية من الثورة كم الاخفاقات القاتلة التي ارتكبتها سلطة اليمين المتأسلم في جميع المجالات وكثير منها كان خطايا لا تغتفر, من دون تسجيل نجاح واحد يشفع لهذه السلطة ويستدعي استعمال الرأفة في الحكم عليها في المنظور التاريخي. بل إن هذا الإخفاق الشامل والكاسح يوحي بأن هذه السلطة كانت تنفذ بإصرار أعمي مخططا مخفيا لا يمت بصلة لصالح مصر الوطني, في منظور التنظيم الدولي التي تنتمي له, ما افقدها الذاكرة فنسيت جميع وعودها الانتخابية أو تناستها حتي سرعان ما تبين زيفها وأنها لم تكن إلا خداعا مقصودا لغرض مبيت. الأهم ربما هو أن هذا السجل المخزي قضي علي آمال هذه السلطة في تحقيق غاياتها أيا كانت وستنتهي بالقصاص العادل من قيادات هذا التيار المخادع, وكثيرا ما زعمت في الشهور السابقة أن نهايتهم ستكون حتي أسوأ من تلك التي لاقتها عصبة الطاغية المخلوع محمد حسني مبارك التي حرصوا علي التصالح معها بينما دأبوا علي اضطهاد الشباب الثائر حتي القتل والتعذيب في السجون. ولكن ربما بحكمة مابعد الحدث علينا أن نشكر سلطة اليمين المتأسلم علي سجل الإخفاق الشامل والكاسح هذا والذي أسهم في ضخامة الخروج الشعبي الهائل في الموجة الحالية من الثورة الشعبية العظيمة. والأهم من كم الخروج الشعبي علي سلطة اليمين المتأسلم هو التحول الكيفي في الاحتجاج الشعبي والذي كسر حواجز ظلت قائمة حتي وقت قريب وأبرز الأمثلة علي هذا هي نموذج الأم من الفئات الشعبية التي تحمل وليدها علي كتفها, والشيوخ ومتحدو الإعاقة, في المظاهرات المطالبة باسقاط حكم اليمين المتأسلم. لكن هذا النزوع التحرري العظيم للشعب المصري الذي تجسد في الخروج الشعبي الكاسح علي سلطة اليمين المتأسلم للمطالبة باستكمال الثورة في مواجهة سلطة استبدادية تسندها تنظيمات متشددة لا تتورع عن اللجوء للعنف, وأدت إلي إحداث شرخ عميق قسم أبناء الوطن, بين موالاة ومعارضة متمترسين في حدود ضيقة, يبقي بحاجة لحماية تشمل الغاية والوسائل الكفيلة بنيل غاياته, وحماية جموع المصريين المنتفضين في هذه الموجة الثانية من الثورة جسديا ومعنويا بما يضمن استمرار النضال وتقليل الخسائر البشرية التي قد تقع من عمد السلطة المنهارة تحت الضغط الشعبي الهائل وبدعم من قوات الشعب المسلحة الباسلة, أو من قبل اشياعها من البسطاء المغرر بهم الذين يحرقونهم وقودا لمآربهم الدنيئة في تشنجات الانقضاء أو ما يسميه العامة حلاوة الروح, كمثل ما ينتاب الدجاجة بعد ذبحها. ومما يثلج الصدر أن هذا المد التحرري العظيم صاحبه عودة شرطة شعب مصر إلي عقيدتها الأصيلة ودورها الوطني السليم في حماية أمن الوطن والمواطنين, بفضل الشرفاء من ابناء شرطة شعب مصر, والذي تمثل أخيرا في قرار وزير الداخلية بإزالة الحواجز الخرسانية حول مقرات الوزارة بعد سقوط ما أسماه وبحق الحاجز النفسي بين الشرطة والشعب الذي بدأ في غمار وقائع الموجة الأولي من الثورة الشعبية, وعودة الشرطة لأحضان شعبها واحتضانه بدورها. فعود حميد لشرطة شعب مصر لاستكمال تاريخها الوطني المجيد بعد انقطاع وقتي تسببت فيه محاولة الحكم التسلطي الفاسد تطويع جهاز الشرطة لتكون مهمته الأهم إن لم تكن الوحيدة, هي ضمان أمن الحاكم وعصبته, في سياق سعي سلطة الفساد والاستبداد لاستملاك الدولة والمجتمع لصالح مشروعها السياسي ومصالحها الخاصة بصرف النظر عن مصالح الوطن والمواطن. وفي هذه العودة المحمودة درس بليغ لجميع القوي الوطنية يتمحور حول خطأ إقصاء أي فصيل وطني أخطأ في مرحلة ما ثم عاد إلي جادة الصواب. ولكن هذا التصالح يجب ألا يمتد ليسقط القصاص الواجب, بناء علي محاكمات عادلة وناجزة, علي جرائم ارتكبت بحق الشعب والوطن, خاصة تلك التي لا تسقط بالتقادم مثل جرائم التعذيب النكراء. لمزيد من مقالات د . نادر فرجانى