في هذه اللحظة التاريخية الفارقة, يبدو من المهم أن نشير إلي عدد من المنطلقات الأساسية للتوجهات الضرورية للفترة( الانتقالية) القادمة, سعيا إلي ألا تكون الحركة التصحيحية الأخيرة(30 يونيو2013) قفزة في الهواء نحو المجهول وإنما انطلاقة نحو فضاء المستقبل الحقيقي: 1-ضرورة وضع دستور جديد تماما, بواسطة جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب مباشرة, وليس مجرد إعداد مجموعة من التعديلات الدستورية, وإن تم استفتاء الشعب عليها. إن ذلك مهم من زاويتين: أولاهما استعادة الحركة نحو مسار( الدستور أولا ثم الانتخابات), و ثانيتهما تصحيح الخلل الجوهري في الدستور الذي تم تعطيله مؤخرا, سواء علي صعيد تعريف الهوية المصرية, أو تحديد طبيعة النظام الاقتصادي- الاجتماعي, أو نوعية نظام الحكم والعلاقة بين السلطات الرئيسية في الدولة, وغير ذلك. 2- السعي إلي العمل الجاد علي إعادة إدماج التيار الديني في الحياة السياسية الجديدة, وفق أسس ومعايير متفق عليها بين الجميع. ويقتضي ذلك من التيارات السياسية المتنوعة, تأكيدا حقيقيا للثوابت الحاكمة للتطور الحضاري والاجتماعي للبلاد, وفي مقدمتها: العروبة, والثقافة الإسلامية المتصالحة مع( المسيحية الشرقية), والمشاركة الفعالة بين مختلف القوي الحية للمجتمع في عملية إعادة بناء الوطن والدولة, والتحول التنموي من خلال استعادة الوظيفة الاجتماعية للدولة والمنهجية التخطيطية وبناء اقتصاد متعدد القطاعات وفي مقدمتها القطاع العام, وضمان الاستقلالية الحقيقية في إدارة العلاقات الخارجية لمصر, اقتصاديا وسياسيا. 3- العمل من أجل بلورة التوجه الفكري المصاحب للحركة التصحيحية الأخيرة, والتي اتخذت ثوب حركة تمردRebel وكانت مليئة بالمحتوي( الدفاعي), ولكن لم يكن لها مضمون معبر بنفس الدرجة, ولو في الحدود الرمزية علي الأقل, من خلال شعارات مركزية محددة, باستثناء شعار( ارحل). وقد يبرر ذلك الضعف الفكري بتنوع الشرائح الاجتماعية والانتماءات الطبقية والفئات السياسية المنضوية تحت لواء حركة التمرد, كما قد يبرر باعتماد هذه الحركة علي العتاد الفكري للثورة الأم في25 يناير. ولكن المهم تحويل حركة التمرد إلي انتفاضة ثورية حقيقيةRevolt تكون مقدمة للثورة بمعناها العلميRevolution ثورة تواجه( المشروع الرجعي ذالاستعماري) المتجسد في مسلسل تحطيم الدولة الوطنية في منطقتنا العربية. 4- ضروة تضميد الجرح المتخلفة عن الفترة السابقة وما قبلها, وخاصة علي صعيد البناء السياسي والهيكل المؤسسي للدولة, من جراء الاستقطاب المجتمعي الحاد, مما تمثل في مظاهر متعددة, من بينها ذلك النزاع المرير بين رئيس الجمهورية المخلوع مؤخرا و بين السلطة القضائية. يضاف إلي ذلك, أهمية احتضان مؤسسة الشرطة في إطارها الجديد, لتكون جزءا من نسيج المنظومة المجتمعية والسياسية الجديدة, بعد أن كانت المؤسسة الأمنية في مستوياتها العليا ركيزة أساسية للنظام الفاسد قبل ثورة يناير.2011 5- علي الجانب الآخر, إننا نأمل من التيار الديني, وخاصة جماعة الإخوان المسلمين, أن يقوم بإجراء عملية نقد ذاتي جذرية وموسعة معمقة للنهج المتبع تاريخيا من قبل هذه الجماعة بالذات في العمل السياسي, وللعلاقة مع التيارات الفكرية والسياسية الأخري, وخاصة من حيث النزعة الانفرادية أو الاستئثارية التي كانت لها نتائجها الكارثية علي تلك الجماعة مؤخرا, من جراء محاولة بناء نظام سياسي تسلطي من نوع جديد في مصر, بعد زوال النظام السابق علي ثورة يناير. ومن الضروري تخلي التيار الديني وجماعة الإخوان المسلمين عن أي نوع من التفكير بطريقة رد الفعل المباشر علي ماجري خلال الأيام الأخيرة, أو محاولة الانتقام من الخصوم السياسيين عبر محاولة إثارة الفوضي المدمرة في مسار الحركة المجتمعية والسياسية المقبلة. إن مثل هذا المسعي يمكن ان يدفع البلاد إلي هاوية سحيقة, مثل تلك الهاوية التي انزلقت إليها كل من سوريا وليبيا الشقيقتين, بفعل النهج الاستئثاري لبعض الجماعات الدينية فيهما, وسعي هذه الجماعات إلي التماس العون المالي والتسليحي من أطراف خارجية معينة, خليجية كانت و أو أطلنطية, في غمار محاولات تغيير النظم السياسية المحلية. نشير في النهاية إلي أن حركة( التمرد) الأخيرة في مصر, تعتبر في جوهرها محاولة تصحيحية جريئة لمسار ثورة يناير في مصر, من أجل إعادة رسم صورة الوجه الحقيقي لهذه الثورة و لكافة الانتفاضات العربية الأخيرة, والتي أطلق عليها الغرب مسمي( الربيع العربي). ولقد قدم الشعب العربي في مصر في الفترة الأخيرة أنموذجا فذا أمام بقية الشعوب العربية, وسائر شعوب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية, من أجل إعادة بناء الحركات الوطنية, بدءا من خلع الأنظمة التسلطية المقيتة, من أي نوع كانت. ولسوف يكون لحركة التمرد الأخيرة آثارها العميقة علي مستوي الحركة السياسية العربية عموما, وفي بلدان التغيرات العربية الأخيرة خصوصا, من خلال إعادة التوازن المفقود إلي بنية هذه الحركة, و من ثم وضع التيار الديني في موضعه الحقيقي, دون زيادة أو نقصان, راهنا ومستقبلا. كما سيكون للحركة التصحيحية في مصر العربية, أثرها المزلزل في منطقة الجوار الإفريقي والآسيوي, وخاصة في إطار العالم الإسلامي, وما حوله, شرقا وغربا وشمالا وجنوبا, بل ربما يكون لتفاعلاتها المتسلسلة أثرها في إعادة رسم خارطة العلاقات الدولية بمعناها الواسع في المستقبل المنظور. لمزيد من مقالات د.محمد عبد الشفيع عيسى