يعرف الإسلام السياسي او الراديكالي باصطلاح "الإسلاموية"، ويعني الإيمان بأن الإسلام هو نظام سياسي للحكم قبل أن يكون أسلوب حياة اجتماعية وأخلاقية وحضارية، وأنه نجح منذ بدايته في تشكيل دولة علي يد السلف الصالح، وبالإمكان أن يعاد تشكيل الدولة الإسلامية علي غرار ما حدث في صدر الإسلام، ولكن المعارضين يعتقدون بأن الدين يختلف عن الديمقراطية، فالمبايعة غير الانتخابات، والحدود غير الحريات، والشريعة غير القانون. فبعد ثورة 25 يناير تسابقت جميع القوي السياسية والمجتمعية لأخذ نصيبها من "الكعكة" وجني ثمار ثورة الشباب، لكن أكثر هذه القوي ليست لها جذور حقيقية، وتعاني انفصامًا وانفصالاً عن المجتمع، ويقتصر وجودها علي بعض الأفراد من النخبة؛ لتبقي التجمعات الإسلامية ذات التغلغل المجتمعي - وعلي رأسها جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي - صاحبة الجذور الشعبية الحقيقية. فالتيارات السلفية تشغل رقعة واسعة من المشهد الإسلامي العام في مصر، والتي تشير في مجمل أصولها إلي أخذ الدين من نبعيه الصافيين: القرآن، والسنة، ومجانبة البدع والخرافات، والعودة إلي نقاء العقيدة بفهم السلف الصالح علماً وعملاً، وشهد التيار السلفي في الفترة الأخيرة تمددًا في قطاعات واسعة من المجتمع المصري، بفضل الفضائيات التي جذبت إليها العديد من التابعين. وبالبحث في خارطة السلفية في مصر، نجد تعددًا للتيارات والاتجاهات والرموز التي تعرف نفسها علي أنها سلفية؛ منها تيارات لها عمل مؤسسي واضح كالجمعية الشرعية وجماعة أنصار السنة المحمدية، وعلي الرغم من ذلك لا يحظي أي منهما بشعبية واسعة داخل قطاع الشباب السلفي، وتيارات عدة أخري ليس لها عمل مؤسسي؛ مثل: السلفية المدخلية، والدعوة السلفية، والسلفية الحركية، والسلفيون المستقلون، والتي أهم رموزها الثلاثي الأشهر؛ وهم: المشايخ محمد حسان، ومحمد حسين يعقوب، وأبو إسحاق الحويني، وكان النظام السابق قد وظف العديد من رموز السلفية ومشايخها في حربه الإعلامية الضروس علي الثورة، واستضافت قنواته عددًا كبيرًا منهم أطلقوا سيلاً من الدعاوي والفتاوي لوقف التظاهر، والحديث عن نعمة الأمن والأمان وخطر الفتنة وحرمة الخروج علي الحاكم، حتي وصل البعض منهم إلي الطعن الصريح في وطنية من يحركون الثورة، قبل أن "يتلوّن" بعضهم قبيل انهيار النظام، محاولاً تغيير مواقفه والظهور بجانب الثوار. أما عن فوبيا الإخوان المسلمين، والحديث دومًا عن أن هدفهم الأساسي هو السيطرة علي الدولة والوصول للحكم - ولو بعد حين خاصة بعد اشتراكهم الفعال في ثورة الشعب المصري علي مبارك ونظامه الفاسد، فقد طُرحت أسئلة عديدة في هذه المرحلة الحرجة عن خارطة الإسلام السياسي في مصر، وإمكانية تعاظم دور وتأثير الحركات والجماعات الإسلامية في مرحلة ما بعد الثورة؟ والأهم: كيف سيستقبل المجتمع المصري أفكارهم؟ "كل الحركات الإسلامية - باستثناء الإخوان - مبتعدة منذ فترة ليست بقصيرة عن خبايا العمل العام السياسي، ولا تملك أي خبرات تؤهلها لهذا النوع من العمل، بينما نجد أدواراً سياسية حقيقية وفعالة لجماعة الإخوان سيضيف إليها حزبهم السياسي المزمع تأسيسه، إضافة لحزب الوسط وغيره من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، مما يضمن التعددية وعدم احتكار أحد للفكر الإسلامي، وهي ظاهرة صحية حتي نبتعد عن المصادرة".. هكذا تحدث د. عمرو الشوبكي المحلل السياسي والخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ل "صوت البلد".. مشيراً إلي أن الجماعة أبدت اهتماماً كبيراً بقضايا الحريات في الآونة الأخيرة، وهو ما يؤكد أن السياقات الاجتماعية والسياسية المحيطة بالجماعة تؤدي إلي انفتاحها علي هذه القوي السياسية وعلي قيم الديمقراطية، إلا أن هناك مشكلة أساسية لدي الجماعة تتعلق لديهم بالجانب العقائدي؛ فالإخوان في مرحلة التأسيس الأولي كان خطابهم يقتصر علي طرح أفكار ورؤي مثل اليقين الإسلامي ومواجهة الاستعمار، واستطاعوا التعبير عن هذه الأفكار بشكل جيد خلال تلك المرحلة، وعندما انتقلوا إلي تفاصيل العمل السياسي لم تكن لديهم الرؤية ولا الحس السياسي للتعامل مع هذا الواقع، وهو ما جعلهم يعجزون عن تحصيل أي مكاسب سياسية حقيقية.. مضيفاً أن الإشكالية الإخوانية تعكس أزمة فكرية في الأساس، متمثلة في اعتقادهم بأنهم هم حراس العقيدة، والمرابطون علي الثوابت الدينية، وهو ما نتج عنه صداماُ بين المجموعة المحافظة التي لا تزال تحمل تلك الرؤي، وبين المجموعة الإصلاحية داخل الجماعة. أما الباحث في شئون الحركات الإسلامية د. ضياء رشوان، فأوضح أن الجماعة الإسلامية في مصر متشعبة؛ ومنها: جماعات سلفية وجهادية ودعوية، وهذه الجماعات تتمثل رؤيتها في وجود خلل في العقيدة ويجب إصلاحه، وذلك إما عن طريق الجهاد أو التكفير أو بالدعوة والتبليغ، ومنها جماعات أخري لا تري أن هناك خللاً أو أصلاً مهدداً في العقيدة، وتري أن العقيدة سليمة سواء للأفراد أو للدولة، ومن ثم تهتم بالشريعة لتعيد تنظيم المجتمع وليس إعادة أسلمته؛ مثل: الإخوان المسلمون، وهي جماعة سياسية اجتماعية، وليست تهتم بالعقيدة فحسب شأن الجماعات الجهادية، التي تري أن أي خلل في مسألة التعبيد يستوجب الجهاد؛ فالإخوان ليس لديهم هذا المصطلح من الأساس، فهي ليست جماعة عقائدية، لكن هناك جزءاً كبيراً من الأزمة التي تمر بها الحركة الإسلامية بمصر مرتبط بجماعة الإخوان، باعتبارها الفصيل الأكبر من تلك الحركة.. موضحاً بأنه دائما ما كانت هناك فجوة بين الجانب الفكري والناحية التنظيمية لديهم، وأن العجلة الفكرية داخل الجماعة كانت دومًا أقل في سرعتها من العجلة التنظيمية، والإخوان لديهم فرصة تاريخية بعد ثورة 25 يناير لتحقيق مشروعهم السياسي. د. وحيد عبد المجيد نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يري أن الإسلام السياسي استمد قوته في الأصل من ضعف الايديولوجيات الأخري وتفككها وتحديداً اليسارية والاشتراكية، وتكمن مشكلة التيار الإسلامي الرئيسية في طريقة تعامل قيادتهم مع الآخر، إضافة لعدم وضع حلول واضحة لمشكلات المجتمع المعاصرة مما أضعف من شعبيتهم، وانقسم الناس حولهم إلي من يري أنهم مصدر الإنقاذ لهذه الأمة، ومن يري أنهم مصدر كل الشرور. والخوف من جماعة الإخوان المسلمين ليس حالة مرضية، بل إنه يرتبط بصورتها ومواقفها تجاه المسألة الديمقراطية وقضايا الحرية، والعلاقة بين الدولة والدين، والتوجه إزاء المرأة والأقباط، وهم يحتاجون الآن إلي قادة قادرين علي إنشاء نظام سياسي ديمقراطي حقيقي، يستفيد من الأصول الفكرية الدينية لديهم مع التعامل أيضاَ مع متغيرات العصر، فالإخوان تقدموا نتيجة الفراغ الذي صنعه النظام السابق بمساعدة القوي الأخري التي انسحبت من الساحة السياسية جراء أخطاء ارتكبوها، وقد استطاع الإخوان أن يقدموا بعض البدائل - بغض النظر عن فاعليتها - ولكنهم تمكنوا من سد هذا الفراغ ولو بشكل جزئي، لكن القدرات الذهنية والعقلية للحركات الاسلامية أقل بكثير من قدراتها التنظيمية والحركية، فالمسألة الديمقراطية عقدة أساسية بالنسبة للتيارات الإسلامية وعلي رأسها الإخوان، فالإصرار علي مرجعية أحادية للنظام السياسي لا ينسجم مع أحد أهم مقومات الديمقراطية التعددية التنافسية، فأحد الفروق الأساسية بين النظام الديمقراطي والنظام الشمولي، هو أن الديمقراطي متحرر من المرجعيات إلا ما يتوافق عليه المجتمع بحرية كاملة من مبادئ دستورية، تتم عبر حوار وطني يقود إلي صيغة تقبلها جميع الأطراف والفئات السياسية والاجتماعية، لكن هناك ارتباكًا لدي الإخوان علي مدار ثمانية عقود ما بين مبدأ الحكم للشعب ومبدأ الحاكمية لله، فرغم أن الخطاب السياسي لجماعة الإخوان يؤكد أن المواطنة وليس الدين، أساس العلاقة بين النظام السياسي والشعب، أنها تؤيد التداول السلمي للسلطة بما يعني ضمنياً أنها لن تحتكر الحكم حال وصولها إليه عبر الانتخابات، لا أن الكثير من الأحزاب والتيارات الأخري لديها شك كبير في مصداقية هذا الخطاب. ويؤكد المفكر الاسلامي د. محمد عمارة عضو مجمع البحوث الاسلامية، أن ظاهرة الإسلام السياسي ظهرت مع بدايات عصر النهضة، فعندما جاءت الحملة الفرنسية إلي مصر حدثت صدمة حضارية نبهت الأمة لضرورة التجديد والنهضة، لمواجهة هذا المد الاستعماري والغزو الفكري الأوروبي، وتخلل الحركة الإسلامية عدة مراحل بدايتها كانت للإمامين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وكان التركيز من الناحية الفكرية علي نقد الموروث من الإسلام أكثر من نقد التغريب؛ لأن الموروث كان يثقل خطي الأمة علي طريق الإصلاح، والخطاب الفكري عندهم كان خطابًا يركز علي النخبة فقط وليس العامة، فالهدف كان إحياء وتجديد الفكر أكثر منه نشاط سياسي، حتي جاء حسن البنا وانتقل بالقضية نقلة غير مسبوقة، تاركًا النخبة ومتوجهًا لعموم الأمة؛ لأنه رأي أن البلاء يستدعي إشراك قطاع عريض من الجماهير في هذه التنظيمات، وعلي النقيض كان خطاب البنا جماهيرياً وفعالاً، وكانت الخطوة الأهم لجماعته هي الانخراط في العمل السياسي. ويري عمارة أن الإسلام السياسي هو فكر حداثي مرتبط بالحاضر أكثر منه دعوة للعودة للماضي، ومع الوقت قد حدثت قطيعة معرفية مع الموروث الديني، وظهر مصطلح التجديد عوضاً عن الحداثة، وكان ينبغي أن تظل جذور المسلم مرتبطة بالمرجعية الإسلامية ولا يقيم معها قطيعة، مشبهاً الظاهرة الإسلامية بالإنسان له عقل وعضلات وأنياب، في البدايات أيام الأفغاني وعبده كان عقل الظاهرة، وعندما انتقلت لحسن البنا أصبح لها عضلات، وعندما وضعت تحت ضغط ظهرت أنيابها؛ فجماعات العنف أخطأت في فترات سابقة عندما تحركت في هذا الاتجاه. وقد نجم عن صعود الحركات الإسلامية حالة من العداء ظاهرة أو خفية بين هذه الحركات ومؤسسة العلماء التي دومًا تعوق تطور حركة الإصلاح، وتدور في أطر غير صالحة للتعامل مع الواقع الحديث، ولا تزال تبحث عن الحرام والحلال غير مدركة للمتغيرات والمستجدات، فالإسلام المحافظ سلبي ومنغلق علي نفسه، وظهور الإسلام السياسي بمجموعة من الشباب والمفكرين تبنوا رؤي إصلاحية جديدة، واقتحموا من خلالها مؤسسات التعليم والعمل السياسي، ووظفوا بكفاءة وسائل الاتصال والنشر، وهضموا الحداثة وألبسوها عمامة الإسلام، إلا أن البعد الديني دائمًا كائن في وجدانهم ووعيهم، وما حدث أن بعض القيم والمفاهيم الدينية قد اكتست بقشرة علمانية، إلي أن جذورها لا تزال راسخة وفق مرجعية دينية، فالحداثة الغربية فرضت نفسها علي العالم، وأي مشروع إصلاحي نهضوي لابد أن يبدأ من نقد هذا الحداثة، وتبني بعض جوانبها عن طريق تفكيكها، لأخذ جوانبها الإيجابية دون السلبية.