ما يُميّز النفوس الكبيرة عن سواها أنها لا تعرف الحقد، وما يُميّز القلوب البيضاء عن غيرها أنها تتسامى عن رغبة الثأر ونزوة الانتقام وتحيّن الفرص، فهي ترى ملامح الأمل الحقيقي حتى لو زادت حوله شبهات المضللين واكفهرت في أُفقه سُحب المتربصين للاصطياد في المياه العكرة، فلا يحجب بصيرتها تعالي أصوات البعض ولا يُضِلّ وجهتها محاولات المترصدين ممن يحمل وردة ومن ورائه خنجر مسموم. العلاقة بين مصر والإمارات كانت منذ القدم بيضاء نقية، وسادها الحب ودثارها الاحترام المتبادل، ومنذ فتحت أعيننا على هذه الدنيا ونحن نسمع ونشاهد ونشعر بحب قيادات بلادنا لبلانا الثانية أرض الكنانة، وكنا ولا زلنا نرى تأكيدهم على خصوصية العلاقة مع مصر وعلى حتمية المصير المشترك مع أحبتنا هناك من المصريين المخلصين لبلادهم، فمهما مرت بسماء علاقاتنا زوابع تحمل الغبار وتحاول أن تعمي الأبصار فإنها لا تعدو أن تزول ويقذف بها الزمن بعيداً لتشرق الشمس من جديد على تأكيد وتجديد حب الإمارات وقيادتها وشعبها لمصر العروبة والمخلصين من أبنائها والحريصين على صالحها وصالح أشقائهم. منذ السبعينات عندما وقف صاحب السمو المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مع اخوته المصريين وأعلن وقف تصدير النفط للغرب مردداً جملته الشهيرة: "إنّ البترول العربي ليس بأغلى من الدم العربي" خلال حرب أكتوبر المجيدة والتي سطّر الجيش المصري فيها ملحمة تاريخية شكّلت منعطفاً لا يُنسى في حاضر الأمّة العربية وفي كبح جُماح العدوان الاسرائيلي وكسر أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يُقهَر، ثم أتى رفضه رحمه الله تعالى لقرار مقاطعة مصر وتأكيده أنّها قلب العروبة النابض ولا يمكن بحالٍ من الأحوال أن يتم التضحية بهذا الشعب العظيم وقيادته مهما بلغت الضغوطات من البعض، فلا مكانة للعرب إن غُيّبت مصر ولا حضور للأمة ولا وزن إن فُصِلَ بين العرب وأرض كنانتهم الكبرى. وهاهي قيادة الإمارات وحكومتها تُجدّد العهد اليوم وتسير على منوال زايد رحمه الله، وتقف موقفاً مشهوداً مع شقيقتها مصر بعد نجاح ثورتها التصحيحية للثلاثين من يونيو وتسبق الآخرين بالاعتراف بخيار شعبها ومطلب أحرارها وحرائرها، بعد أن حاول البعض أن يحوّر مسار الثورة ويسلب ثمرتها، ويغتال حلمها الديمقراطي بنزواته التسلّطية، ويختصر تنوّع وتباين أطيافها السياسية والمذهبية في خطّه السياسي الأُحادي وأفراده وقياداته فقط في تغييب تام لبقية الفصائل، وهو ما اتضحت نتائجه من انهيار كبير على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي وفي توالي النكبات والتأزمات على كافة الأصعدة والتي كبّدت الشعب المصاعب الجمّة. إنّ الدول العظيمة تحتاج لقياداتٍ عظيمة قد اشتد عودها في مسارح السياسة ودهاليزها ودقائقها، ونضجت تجاربها في كيفية التعامل مع العالم من حولها في إطارٍ تكاملي ومع مجتمعها الداخلي في قالبٍ ديمقراطي قائمٍ على العدالة الاجتماعية والحريّة، وطال باعها في وضع وتنفيذ الخطط التنموية وبمرونةٍ كافية وقدرة كبيرة في المزاولة بين السيناريوهات المتدرجة للوصول للغايات، واتسع أُفقها ليحوي جميع الأطياف ويحترم جميع المشارب ويوفّق بين متباين المذاهب. والأيديولوجيات وصولاً لتشكيل نسيجٍ وطني متماسك قادر على إحداث النقلة النوعية المبتغاة لمصر المستقبل ولمستوى المعيشة المرموق الذي يستحقها شعبها المخلص. ستبقى الإمارات عوناً وسنداً لشقيقتها الكبرى مصر، وستبقى قيادة الإمارات وفية لقيادات مصر التي ارتضاها شعبها واختارها عن قناعته، وستبقى دار زايد وحكّامها عند حسن ظن المصريين المخلصين الأوفياء، فلا يُجازى الإحسان إلا بالإحسان وما كانت بدايته طيبةً نقيّة فعاقبته بنفس الطيب والنقاء، وكلما طال الأمد ترسخت محبة الشعبين لبعضهما، محبةً قائمة على الصدق وحفظ حق الأخوّة ورعاية الحقوق، وكما وقفت الإمارات وقيادتها الرشيدة مع شقيقتها مصر في الماضي ووقفت في هذه الثورة المجيدة من 30 يونيو فإنها ستقف مستقبلاً وقفاتٍ ووقفات، فقَدَرهما أن تكونا معاً وأن تسند إحداهما الأخرى حتى تتحقق أحلام شعبيهما وآمالهم العريضة وهما جديرتان بالآمال والأحلام، ومن قلوبنا جميعاً نقول: مباركةٌ ثورتك يا مصر.