نجاحات الشعوب لا تقاس بالتفوق الآني, ولا ينحصر معيارها في المباني الشاهقة والبنية التحتية المكتملة. ولا يتوقف علو شأن الدول بكبر حجم الناتج المحلي برغم أهمية كل ما سبق في المنظومة الحضارية لأي شعب, إلا أن الجزء المفصلي للنجاح هو القدرة علي صناعة المستقبل لا التنبؤ به, وتعبيد الطرق لاستمرار التفوق في قادم الأيام, والرهان علي إيجاد القيمة المضافة والقادرة علي تعزيز القدرة التنافسية في عالم لا مكان للصغار به ولا وزن للنائمين في العسل! في الأيام الماضية كانت أبوظبي تختتم فعاليات معرض الدفاع الدولي آيدكس2013, الذي أثبت طيلة عقدين من الزمن صواب النظرة لاقامته في تقريب الشقة بين الصناعات العسكرية والأمنية العالمية المتقدمة وبين الصناعة المحلية التي كانت تتلمس بدايات طريقها قبل عشرين عاما, وتأسيس مشاركات استراتيجية بين الطرفين وبدء مشاريع نقل المعرفة العالية للصناعة الإماراتية وهو التوجه الذي تبناه سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان صاحب فكرة هذه المبادرة الجريئة والرائدة, والتي أثبتت نجاحات كبيرة طيلة هذه السنين, ولا أدل علي ذلك من الكشف عن سلسلة صواريخ الطارق الإماراتية وهي صواريخ جو-أرض متقدمة للغاية ذات أبعاد مدي متباينة وقادرة علي حمل ما زنته نصف طن من المتفجرات. لأن الإمارات لا غني لديها عن أرض الكنانة فقد كان وجود مصر ضرورة ومطلبا ملحا للقيادة الإماراتية, لما تمثله مصر من ثقل استراتيجي هائل في الشرق الأوسط ولمكانة مصر والمصريين الخاصة لدي الإمارات حكومة وشعبا, لذلك كانت الحفاوة مختلفة مع الجناح المصري وعارضيه, وهو ما أكده حديث الفريق صدقي صبحي رئيس أركان القوات المسلحة المصرية وتشديده علي أن العلاقات التاريخية بين مصر ودولة الإمارات تضيء سماء الأمة العربية بمواقف وطنية صلبة لن تنساها مصر, وأضاف متحدثا بلسان مصر العروبة: كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان, رحمه الله يؤمن بمصر ودورها الحيوي والتاريخي تجاه أمتها العربية, فهو صاحب المقولة الشهيرة إن مصر بالنسبة للعرب هي القلب وإذا مات القلب فلا حياة للعرب, وأكمل في معرض حديثه عن الوشائج الخاصة بين الدولتين إلي قضية لا يمكن أن تمر مرور الكرام عندما أكد أن الإمارات بقيادة الشيخ زايد كانت أول دولة عربية تعيد علاقاتها مع جمهورية مصر العربية بعد المقاطعة العربية عقب اتفاقية كامب ديفيد, دون التفات لصرخات المقاطعة التي كان يرفع شعاراتها العديد من الزعماء العرب آنذاك, مؤكدا أن القيادة الإماراتية ورثت هذا الميراث الكبير من تاريخ العلاقات المصرية الإماراتية وأن الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة كان ولايزال يعلي من شأن بنيانها وصروحها ايمانا بحتمية التضامن العربي, وكم كانت رائعة التفاتة معالي الفريق عندما ذكر أن مواقف الإمارات المضيئة مع شقيقتها مصر كانت منزهة من الهوي والغرض! علي الطرف كان سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يثمن وجود مصر العرب في فعاليات المعرض العالمي, ويؤكد في مقابلاته مع وسائل الإعلام العالمية أن أمن مصر واستقرارها و تعافيها من أوضاع ما بعد الثورة هو من أولويات الحكومة الإماراتية في المحيط العربي, وأن الإمارات ستبقي كما كانت وفية وداعمة لشقيقتها الكبري وشعبها العظيم, وأن مشاركة مصر عالية المستوي في المعرض وفعالياته المصاحبة لهو أبلغ رد علي من يحاول تعكير المياه الصافية بين الدولتين, وأن ما تثيره بعض الأقلام المشبوهة لا يعدو أن يكون محاولات يائسة لهز بنيان متماسك من العلاقات المتينة والتي لا تزيدها الأيام إلا رسوخا و لن تكشف مقبل السنوات إلا عن بقائها وازدهارها, وأكد أن دولة الإمارات حكومة وشعبا وقفت و ستقف دوما مع خيار الشعب المصري, وأن ما يمس مصر يمس في الوقت ذاته شقيقتها الإمارات, كما أن علاقتها بمصر علاقة تتعالي عن المصالح وتأنف من منهجية الشيء مقابل الشيء ولا تعترف بالأجندات الخفية, وأن قلوب الإماراتيين ستبقي علي الدوام مفتوحة لاشقائهم المصريين تمحضهم المودة وتعترف لهم بالقدر وتتمني لهم ولدولتهم العظيمة الأمن والازدهار, ولئن مات زايد فإن نهجه وروحه ونزعته العربية حية باقية في ابنائه.