زار القاهرة أخيرا الكاتب الالماني كريستوف بيترس مؤلف رواية غرفة في دار الحرب التي تصدر ترجمتها العربية قريبا عن المركز القومي للترجمة. وتعالج الرواية موضوعا معاصرا كأنها كتبت الآن بتركيزها علي شخصية الارهابي لكن الجديد ان الارهابي في روايته هو يوخن زواتسكي- مدمن مخدرات ألماني سابق اختار بعد اعتناقه الإسلام اسم عبد الله- وابدي استعداده للتضحية من أجل قناعاته بأرواح الناس وروحه. وانضم لمجموعة تخطط لتنفيذ عملية إرهابية ضد زوار منطقة المعابد الأثرية في مدينة الأقصر. إلا أن العملية فشلت. وقد تمكن زواتسكي, ضمن قلة قليلة من البقاء علي قيد الحياة عبر صفحات الرواية بعد هذه العملية الارهابية, وتم الزج به في سجن ذي احتياطات أمنية مشددة حيث تعرض للتعذيب في انتظار إعدامه., حتي تدخل كلاوس سيسمار, السفير الألماني في القاهرة, من أجل السعي لتسليم المتهم لألمانيا رغم المعارضة الشديدة للسلطات المصرية. وعبر صفحات الرواية تنشأ الثقة بين الرجلين ويدور بين الدبلوماسي المستنير شديد الشحوب ذي الماضي المرتبط بحركة1968 الطلابية وبين المتأسلم المهووس ليتضحأكثر أنه ليست وحدها دوافع زواتسكي التي تقف علي المحك, بل أيضا القيم الذاتية لسيسمار ورؤيته الشخصية لمسيرة حياته. ذلك أن قضية زواتسكي جعلت السفير يقف بمواجهة السؤال المزعج: كيف أمكنه التخلي عن المثل العليا التي كان يحملها في شبابه من أجل مستقبله المهني وكيف أنه نفسه صار جزءا من النظام الذي كان يكرهه في السابق؟ إضافة إلي ذلك فإن أكثر ما أزعجه هو التشابه الكبير بين الوضع في مصر سنة1993 وبين الخريف الألماني, أي تلك الفترة في1977 حيث عاشت جمهورية ألمانيا الاتحادية ذروة إرهاب منظمة جناح الجيش الأحمر. وبحسب تعريف ناشر الرواية فإن رواية غرفة في دار الحرب تقدم لنا نموذجا لإرهابي ميئوس منه قام المؤلف بتشريح شخصيته من أجل استيعاب كيفية انعكاس الإيمان المطلق علي تصرفات الإنسان. الاهرام التقت كريستوف بعد محاضرة القاها ببيت السحيمي تحت عنوان القاهرة والتنوير كشف فيها عن قصة زيارته الاولي للقاهرة عام1993 وهي الزيارة التي الهمته الرواية واكد كريستوف خلال اللقاء ان شخصية الارهابي مغرية لاي روائي راغب في الكشف عن التناقضات داخل النفس البشرية, ولفت الي انه فكر في كتابة الرواية قبل احداث11 سبتمبر2001 وقال ابحث دائما عن نماذج راديكالية تخالف ماهو مألوف واشار الي انه يواصل البحث في تاريخ الاديان منذ ربع قرن واكتشف خلال تلك الفترة ان خوض الحرب المقدسة فكرة متكررة فيها جميعا, وهي لا ترتبط بدين معين كما يجري الترويج لذلك ومن ثم خاض بيترس تجربة كتابة رواية عن الماني مسلم يخوض تجربة الجهاد باسم الدين بغرض تفهم منطقه وفحص اسبابه. ويشير الي ان هدفه كان تعرية اكليشهيات شائعة في الغرب بوضع مواطنيه امام نموذجين لديهم مأزق وجودي لاعادة التفكير في المنظومة المعرفية كلها., وتأكيد ان الجهاد والقتل باسم الدين لا يرتبط بأي دين ولكن هو نتاج سياسات ينبغي التفكير لاعادة النظر فيها, فالتدخل الاوروبي الامريكي في شئون العالم الاسلامي- كما يعتقد- كان سببا رئيسيا في عمليات سوء الفهم المتبادل لكن هذا التدخل كان يصب دائما لصالح انظمة استبدادية تخدم مصالح الغرب واسرائيل وهي امور فحصها كريستوف ليقول( الدين ليس له علاقة بكل هذا وانما هي السياسة التي تقف خلف كل ذلك) اسلم كريستوف قبل سنوات من كتابة روايته التي كتب قبلها رواية حول الصوفية واسرارها وهي تجربة روحية مكنته من التواصل مع القيم الاسلامية العليا وقبل اسلامه نشأ في بيئة مسيحية كاثوليكية وتشرب قيمها, الي ان قرأ نسخة من القرآن الكريم كانت في بيت صهره المصري الذي دعاه لزيارة القاهرة ومع تكرار قراءة القرآن الكريم يقول كريستوف( تكونت بداخلي مشاعر متناقضة, لكنها اثارت اسئلة عميقة في روحي ودفعتني لاعلان اسلامي بعد عدة سنوات) وخلال زيارته الاولي للقاهرة وهي زيارة كتب عنها سلسلة مقالات نشرت في سلسلة بعنوان( رحلة عمري) بصحيفةDieZeit اكتشف بيترس امورا كثيرة كان يجهلها عن مصر, فعبر حوارات مع اصدقاء وعائلات كثيرة تردد اليها اكتشف ان لدي المصريين افكارهم التي تنطلق من منظور مختلف عن المنظور الاوروبي وتساءل: لماذا لا توجد افكار هؤلاء بجوار افكاري وعلي الصعيد الروحاني منحه الاسلام ما يصفه ب( طاقة للتحرر, وعرف انه يمكن التواصل مع الله بغير وسيط وكان هذا امرا رائعا) وبفضل معرفته بالاسلام تمكن من بناء تصور مغاير عن تلك النماذج التي تكتب بصورة نمطية, ويشدد علي ان تلك المعرفة لم تدفعه لكتابة رواية اخلاقية, فالمسئولية الاخلاقية لا تتناقض مع القناعات الفنية. ويكشف الكاتب الالماني ان تجربة كتابة رواية عن حدث ارهابي يقع في مصر دفعته لعملية بحث ميداني قبل رسم ملامح بطله الذي يصفه بأنه كان اقرب لفأر تجارب يخضع لعملية تشريح عميقة للكشف عن تناقضاته وطبقات وعيه وتكوينه النفسي. ويفسر بيترس اسباب اختيار بطله الضد من نشطاء الحركة الطلابية في عام1968 وهي حركة اعادت النظر في منظومة معرفية حكمت الفكر الاوربي طوال النصف الاول من القرن العشرين بقوله:( ممثلو حركة68 في اوروبا هم ايضا لديهم اغراءات كبيرة علي الصعيد الفني, ففي تلك الايام دار نقاش موسع حول شرعية ممارسة العنف باسم الثورة او التغيير ومواجهة انظمة الاستبداد وقد اخترت بطلي الثاني ووضعت ماضيه في مواجهة اللحظة المعاصرة التي يستعرض فيها الارهابي دوافعه للقتل) ويتابع كريستوف( صحيح انا لا انتمي لهذا الجيل, لكن والدي عاشا تلك التجربة المهمة وظلا في اسرها طويلا) ويشير الي انه اقتبس المثير من ملامح بطله النقيض( شخصية الدبلوماسي) من سيرة يوشكا فيشر وزير الخارجية الالماني الاسبق الذي كان من ابرز الناشطين في ثورة1968 وتحول من نصف ارهابي كما كان الناس يصفون نشطاء الحركة الي رمز للسياسة الالمانية في الخارج. ويرفض كريستوف الاستسلام لمقولات تقارن بين اداء جماعة الاخوان المسلمين في مصر وهم في السلطة مع تجربة النازي في المانيا قائلا( هذه مقارنة غير صحيحة, لان الايديولوجيا التي قادت النازية كانت مدمرة وفيها المثير من الشر والعنصرية ولا اتوقع ان يغامر المتأسلمون بتكرار التجربة, لكني ادعوهم في نفس الوقت لادراك فكرة ان الاسلام يمكن ان يعاش بعدة طرق, وليس بطريقة واحدة, فالاسلام في جوهره دين يناصر التعددية والتسامح) ويتنهد كريستوف ثم يتابع( يؤسفني القول بأن ما رأيته في بلدان اسلامية كثيرة ليس له صلة بالاسلام الذي عرفته, فبينما يطالب الله عباده بالعدل, لا يسعي الكثير من المسلمين لاقرار هذه القيمة وهذه مفارقة مؤسفة). وعندما أسأله عن توقعاته عن صور استقبال روايته عند صدور طبعتها العربية بترجمة هبة الله فتحي يقول( عند صدور الرواية في المانيا كانت ردود الافعال متناقضة, لاني انحزت لبقاء الامور في الرواية مفتوحة, وهدفي دائما هو إيجاد حوار بين القاريء والنص) ويتابع:( حين نبدأ التفكير يمكن التوقف عن الضغط علي الزناد).