الأمر المؤكد أن الدعوة إلي إجراء انتخابات رئاسية مبكرة هو طوق النجاة الأمثل لمصر الآن طالما وصلنا إلي حالة الانسداد السياسي الحالية, والتي يقف فيها كل طرف عند رأيه رافضا الحلول الوسط, خاصة أن الرئاسة لم تقدم الحد الأدني الذي يمكن أن يكون مقبولا لدي شريحة كبيرة من المواطنين وهو تغيير الحكومة, وتعيين نائب عام جديد. لقد تنفسنا الصعداء يوم الأحد الماضي حينما دعا الفريق أول عبدالفتاح السيسي القوي السياسية للتوافق والتفاهم والمصالحة الحقيقية خلال أسبوع مؤكدا وعي القوات المسلحة الكامل بما يدور في الشأن الداخلي ورافضا أن تظل القوات المسلحة صامتة أمام انزلاق البلاد في صراع يصعب السيطرة عليه فيما بعد, ولما يحمله ذلك من خطورة علي الدولة المصرية ذاتها, وتهديده للأمن القومي, مشيرا إلي أن القوات المسلحة تجنبت الدخول إلي المعترك السياسي خلال العام الماضي غير ان مسئوليتها الوطنية والأخلاقية تجاه شعبها تحتم عليها التدخل قبل أن تدخل مصر إلي نفق مظلم من الصراع والاقتتال الداخلي مما قد يؤدي إلي انهيار مؤسسات الدولة. الانتخابات المبكرة فعل ديمقراطي سليم لا يتنافي مع القواعد الديمقراطية ورغم أنه فعل اضطراري إلا أن هناك العديد من دول العالم الديمقراطية تلجأ إليه لإزالة الانسداد السياسي الذي قد تصل إليه أحيانا ولعل أبرز الرؤساء العظماء الذين لجأوا إلي هذا الإجراء هو الرئيس الفرنسي شارل ديجول مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة حينما قرر عام9691 الدخول في معركة لتعديل تشكيل مجلس الشيوخ الفرنسي وتقليص صلاحياته غير أن هذا الإجراء اثار جدلا سياسيا وشعبيا كبيرا في فرنسا, مما دعاه إلي اللجوء إلي خيار استفتاء الشعب علي القرار قائلا: إذا رفض الشعب هذا القرار فانه سيعتبر ذلك بمثابة رفض لشخصه وسيتقدم باستقالته, ورغم ان النتيجة جاءت لصالح ديجول بنسبة25% إلا أن هذه النسبة لم ترضه فتقدم باستقالته علي الفور. أيضا لجأ الرئيس الأرجنتيني راؤول الفونسين عام9891 إلي ذلك الإجراء بعد الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي شهدتها البلاد فاضطر إلي إجراء انتخابات رئاسية مبكرة جاءت بالرئيس كارلوس منعم, كما فعلها الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز أكثر من مرة وهو الرئيس المحبوب من شعبه, لكنه اضطر إلي ذلك الإجراء عام0002 وحصل شافيز علي نسبة أعلي من نسبته في الانتخابات الأولي ثم كرر نفس الموقف عام4002 وفاز بثقة شعبه أيضا خلاصة القول ان الدعوة إلي إجراء انتخابات رئاسية مبكرة عمل ديمقراطي له سوابق عدة في الدول ذات النظم الرئاسية والبرلمانية, وهو حل مؤلم لكنه أفضل كثيرا من الحلول الراديكالية الأخري التي تعيدنا إلي المربع صفر, لنبدأ السطر من أول وجديد ونغرق في التفاصيل المؤلمة ما بين خيارات غاية في الصعوبة والتعقيد تهدم كل ما تحقق من تقدم خلال الفترة الماضية, وتلغي الخيارات الدستورية والقانونية لتدخل مصر في دوامة من الجدل والتخوين والانقسام والاستقطاب والكراهية أكثر مما هي عليه الآن. لا أحد يستطيع التكهن بدقة إلي أين تسير الأمور اليوم فهناك سيناريوهات عديدة أبرزها ما تتمناه الحكومة ان يكون الخروج ضعيفا وغير مؤثر, واعتقد أنه احتمال ضعيف, أما السيناريو الثاني وهو السيناريو الأكثر توقعا ويتمثل في الخروج الكثيف من المواطنين إلي الشوارع والميادين, وهذا السيناريو يتبعه بالضرورة عدة علامات استفهام تتمثل في احتمال وقوع احداث عنف أم لا؟ وهل هذا الخروج سوف يستمر عدة أيام أم لا؟ إجابات هذه الأسئلة وغيرها سوف تظهر اليوم وخلال الأيام القليلة المقبلة, وفي كل الأحوال اتمني أن يكون المشهد حضاريا بعيدا عن العنف وملتزما بالسلمية شعارا وسلوكا رافضا أي اعتداءات علي الأفراد والمنشآت العامة والخاصة لان مصر لم تعد تحتمل والأوضاع الاقتصادية والأمنية في اسوأ حالتها ولن يتحمل المواطن المزيد من المعاناة. أخيرا أتمني أن تجدد القوات المسلحة دعوتها لكل الفرقاء مرة أخري من أجل الجلوس والتحاور والوصول إلي حلول, فالسياسة هي فن الممكن ولا يوجد في العالم من يفوز في السياسة بالضربة القاضية إلا في الدول المتخلفة فقط. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة