كان مدرسا شابا, عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية. وتم تجنيده في الجيش. وسرعان ما وقع أسيرا في قبضة القوات الألمانية النازية الزاحفة لغزو فرنسا. لكنه أفلت من الأسر بأعجوبة. وانضم للمقاومة السرية. وأبلي في صفوفها بلاء حسنا. وهكذا رفع جان بول سارتر راية المقاومة والحرية. وفي ذاك الوقت العصيب, كان الجنرال الفرنسي شارل ديجول قد هرب إلي بريطانيا. وتزعم هناك حكومة فرنسا الحرة. وأعلن النضال ضد الغزاة وعندما تحررت البلاد, عاد الجنرال, وأصبح رئيسا مؤقتا في نوفمبر.5491 لكنه لم يمكث في منصبه سوي عشرة أسابيع. فقد آثر الاستقالة عندما رفضت القوي السياسية منحه صلاحيات وسلطات واسعة. وكان جان بول سارتر قد ذاع صيته, وتبلورت رؤيته الفكرية, عندما نشر عام3491 كتابه المهم الوجود والعدم. وصار فيلسوفا للحرية. كما أصبح كاتبا وأديبا. واشتبك في سجالات سياسية مع قضايا زمنه. وكان يجنح نحو اليسار. ولم يخطر بباله أن وقتا صعبا سيجتاح فرنسا. ويضطره إلي شن حملة ضارية ضد الجنرال ديجول. ولكن هذا ما حدث عام8591, فقد اضطربت البلاد من جراء تمرد القوي اليمينية المتطرفة انطلاقا من الجزائر, ابان الاحتلال الفرنسي لها. وهو ما أدي إلي انهيار الجمهورية الرابعة الفرنسية. {{{ وفي غمار تلك الأزمة, تم استدعاء الجنرال لحكم البلاد, ووضع شروطا أبرزها حصوله علي سلطات واسعة. وهي الشروط القديمة نفسها التي رفضها القوم من قبل. لكنهم اذ غنوا لها حتي يقضي الجنرال علي التمرد والفتنة, واستشاط الفيلسوف سارتر غضبا. وهاجم ديجول بعنف, وأكد أن فرنسا بلغت سن الرشد ولم تعد في حاجة إلي أب يفرض عليها سطوته. وكان سارتر بليغا وعظيما عندما أكد في مقال وقت الأزمة: نقول للجنرال ديجول ومن معه, اننا متفقون معكم علي أن الجمهورية الرابعة قد ماتت.. لكن لستم انتم المكلفون باقامة الجمهورية الخامسة, وانما المنوط بذلك الشعب الفرنسي. لكن غالبية الشعب من فرط مخاوفها من الفوضي, أقرت الجنرال علي ما أراد, وظل الفيلسوف يلوح براية الحرية. ويقود المظاهرات والمسيرات لاعلاء شأنها في كل بقاع المعمورة. وكم كان رائعا عندما شن حربا فكرية علي الاتحاد السوفيتي, عندما قمعت دباباته ثورة الحرية في المجر عام.6591 وقد واجه الجنرال الذي تحداه الفيلسوف أزمة عاصفة عام8691, عندما انفجرت ثورة الطلبة. وشقوا عصا الطاعة علي سلطة ديجول. وأقدم علي مشروع للاصلاح السياسي. وطرحه للاستفتاء. وكانت المفاجأة التي صدمته, أن الغالبية رفضته. ولم يجد الجنرال مفرا سوي تقديم استقالته عام.9691 وتلك كانت اللحظة التاريخية التي توهجت فيها عظمة الجنرال.. فقد أدرك أنه لايمكن لحاكم مهما كان تاريخه ونضاله أن يفرض علي شعبه ما يريد. {{ وفي غياب هذا الادراك يكمن جوهر الاستبداد, ويتجلي قهر حكم العائلة في ذاك الزمن العربي البائس. ففي ذاك العام9691, الذي استقال فيه الجنرال, قفز العقيد القذافي للسلطة, وتأهب الجنرال حافظ الأسد لانقلاب عام.0791 وقبض علي البلاد والعباد بيد من حديد. وقبل أن يقضي نحبه, كان قد أعد ابنه طبيب العيونبشار لحكم سوريا من بعده: وهو ما تم تبعا لسيناريو التوريث. وعندما داهمت ثورات الربيع العربي بشار ونظام عائلته, امتشق سيف والده. وأطلق آلة القتل ضد شعبه. لكن ثورة آذار( مارس)1102 السورية لاتزال مشتعلة برغم القتل والدم. وهي تنبئ مثل ثورات تونس ومصر وليبيا بأن زمن الدكتاتورية العربية قد انتهي, وأن زمن الحرية والديمقراطية تشرق شمسه الساطعة. وإن عاجلا أو آجلا سوف يرجم بشار في القبو المظلم للتاريخ باعتباره الدكتاتور الدموي الأخير. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي