يبدو أن السفيرة الامريكية ان باترسون لم تدرك بعد ان مصر دولة مستقلة ذات سيادة, فهي تتحرك مثل اللورد كرومر ممثل بريطانيا العظمي الذي كان يصول ويجول مثل الديك الرومي المنفوش وكأن مصر المحروسة هي الابعدية التي ورثها له ابوه. اخر افتكاسات السيدة باترسون هي ما نقل عنها في اجتماع بمركز ابن خلدون, تفتي فيها وتنصح شعب مصر, وتنذرهم بالويل والثبور وعظائم الامور اذا تمردوا علي اوضاعهم البائسة, وهي تلقي موعظة الجبل علي هذا الشعب محذرة من خطورة عدم الاستقرار علي الاوضاع الاقتصادية, باختصار هي تريد من شعب مصر ان يقبل الضيم وتهان كرامته ولا يعترض علي ذلك وإلا جاع.. هذه السيدة لا تعرف شعب مصر, ولا تفهم ان الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها, كما انها تنسي ان تلك كانت نصائح خلفها السابقين زمن مبارك, الذين ظلوا لمدة ثلاثين عاما يدعمون نظاما فاسدا ويطلبون من شعب مصر الخنوع والصمت والا توقفت معونات أبينا الذي في البيت الابيض.. هذه المبعوثة الدبلوماسية سبق لها ان أسهمت في تخريب باكستان وأفغانستان, وتظن ان هذه هي مهمتها المقدسة في مصر, ولذلك فهي تلتقي بشخصيات خارج الإطار الرسمي للدولة مثل لقائها أخيرا مع خيرت الشاطر, وهو ما يثير التساؤلات خاصة في هذا التوقيت الحساس, وكانها تريد ان ترسل رسالة الي شعب مصر بان امريكا تلقي بثقلها الي جانب نظام الاخوان المسلمين. ولا أظنني اتجاوز القدر المعقول من الفهم اذا رايت ان استعراض القوة الذي تم في الصالة المغطاة باستاد القاهرة او ذلك الذي تم في ميدان رابعة العدوية لم يكن سوي استقواء بتصريحات وتصرفات السفيرة الامريكية, ولعل الجميع قد لاحظوا ارتفاع نبرة التهديد والوعيد ابتداء من اللي يرش الريس بالمية, نرشه بالدم الي تكفير اغلب الشعب المصري بين صيحات التكبير والتلبية, وكأن عمرو بن العاص يقف بخيول المسلمين علي تخوم مصر. ان هذا الاستئساد بتصريحات السفيرة, ربما كان احد اهم اسباب فشل جهود الوساطة المختلفة ومنها مبادرة حزب النور, لان النظام يشعر بانه مسنود بأكبر قوة في العالم, ولذلك فإن هذه السفيرة سوف تتحمل الكثير من المسئولية عن الدماء التي قد تراق نتيجة لتصلب النظام ورفضه الاستجابة للمطالب المعقولة والمشروعة للشعب المصري, وان كان ذلك ليس جديدا عليها, ففي رقبتها مسئولية دماء الباكستانيين والكولومبيين وغيرهم, ولن ينسي شعب مصر ذلك ابدا. وكأنني كنت آري ظل السفيرة الامريكية في خلفية مشهد الإستاد المغطي, او فوق منصة ميدان رابعة العدوية وهي تبتسم ابتسامتها الصفراء مطمئنة الي نجاح مهمتها في إشعال حرب أهلية في مصر, بل وجدت مفردات تصريحاتها الاخيرة في بعض ما جاء علي السنة الخطباء مصحوبة بالتهليل والتكبير. عندما يتصرف سفير او اي دبلوماسي خارج اطار التقاليد المتعارف عليها, وخاصة اذا ثبت تدخله او محاولته التدخل في الشئون الداخلية للدولة المعتمد فيها, فان القانون الدولي يقرر عقوبة لهذا الشخص حين يعطي الحق للدولة المضيفة وفقا للمادة9 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية, ان تعلن هذا السفير او الدبلوماسي بانه شخصية غير مرغوب فيها اوpersonaenongratae, وهنا يتعين علي الدولة المرسلة ان تسحب سفيرها او الدبلوماسي الذي اصبح غير مرغوب فيه. لا اعلم ما موقف السلطات المصرية من هذه السفيرة التي تجاوزت كل الحدود, وقفزت فوق وزارة الخارجية المصرية كي تتحرك مثل المندوب السامي البريطاني زمن استعمار مصر, ولكنني لا اتوقع من حكومة الاخوان ان تتصرف بما يحافظ علي كبرياء مصر واستقلالها بطرد هذه السفيرة علي الفور, او علي الاقل ان تطلب من الحكومة الامريكية سحبها واستبدال سفير اخر بها يلتزم بحدود مهمته. ولكنني من ناحية اخري اريد ان اذكر رجال الحكم بان المتغطي بأمريكا عريان وليكن لهم في شاه ايران عبرة, او نورييجا بنما او كل الطغاة الذين أذلت بهم امريكا شعوب العالم, ثم لماذا نذهب بعيدا الا يعتبرون بمبارك الذي كانت اسرائيل تعتبره كنزا استراتيجيا؟.. هل يتذكرون السفيرة الامريكية في بغداد التي ورطت صدام حسين في غزو الكويت, ثم تركته ليلقي مصيره المحتوم. وحيث ان نظامنا الحالي يجيد فقط عقد مؤتمرات منقولة علي الهواء مباشرة لشن حملة والاعلان عن تجريدة ضد دولة مثل اثيوبيا, او اطلاق العنان لبعض رموز الاخوان كي يجرحوا دولة شقيقة مثل الامارات, وحيث انني كما قدمت لا اتوقع ان يقدم علي عض اصابع ولي النعم, فإنني اود ان اخطر السيدة آن باترسون ان الشعب المصري يعتبرك شخصا غير مرغوب فيه, وانصحك بدوري ان تحترمي هذا القرار الشعبي البات, فمصر شعبها شعب حر ابي قد يجوع ولكنه لا يضام.. انت شخص غير مرغوب فيه لانك تجاوزت حدود وظيفتك, وأقحمت نفسك في حياتنا السياسية الداخلية. احزمي امتعتك وارحلي غير مأسوف عليك قبل30 يونيو, لان شعب مصر اختلف بعد25 يناير, لقد امتلك قراره واصبح هو السيد الوحيد علي هذه الارض.. احزمي امتعتك فلن نتقبل اهاناتك بعد ذلك, وعلي الادارة الامريكية ان تستمع لهذه النصيحة ولا تكتفي بقراءة تقارير هذه السفيرة, وأتذكر ان سفيرها في طهران ظل يكتب عن جزيرة الأمان والاستقرار لحكم الشاه حتي الاسبوع الاخير الذي قامت فيه الثورة الإيرانية, وتسبب بذكائه في اعتقال اعضاء سفارته لعدة اشهر, ومرغ كرامة بلاده في التراب. اذا كنت تنصحين شعب مصر بالخنوع, فإن هذا الشعب سيرد عليك يوم30 يونيو المقبل.. لمزيد من مقالات السفير معصوم مرزوق