يلخص التقرير الأخير للمبعوث الأممي جمال بنعمر إلي مجلس الأمن الحالة اليمنية بعد عامين ونصف تقريبا من الانتفاضة الشعبية ضد الرئيس السابق علي صالح وبعد ثلاثة أشهر من إنطلاق الحوار الوطني الشامل عندما قال إن العملية الانتقالية تواجه تحديات جمة والوضع الأمني هش وهناك من يسعي إلي عرقلة التسوية, لكن المرحلة الإنتقالية دخلت مرحلة الحسم. وقد قطع الحوار الوطني يوم الأربعاء الماضي- أي18 يونيو الجاري نصف المسافة الزمنية لإنجاز أعماله التي يفترض أن تعالج تسع قضايا رئيسية أبرزها وأخطرها أزمة الجنوب الطامع إلي الانفصال وقضية صعدة التي تتشابك فيها العوامل المذهبية مع الصراع السياسي والإقليمي في المنطقة, وصولا إلي صياغة دستور يمني جديد يضمن العدالة والحقوق المتساوية يجري الاستفتاء عليه نهاية العام وتجري انتخابات رئاسية ونيابية في فبراير.2014 وتظهر استطلاعات للرأي بصنعاء أن نحو57% من اليمنيين يثقون في قدرة مؤتمر الحوار الوطني علي حل مشاكل اليمن, فيما يتابع أخبار مؤتمر الحوار الوطني65% من منهم, في حين ذكر35% بأنهم لا يتابعون وفيما يمتدح السياسيون والمراقبون الدوليون انحياز اليمنيين نحو الحوار ورفض العنف والاقتتال ووقف مواجهات عسكرية كان يمكن أن تقضي علي الأخضر واليابس, فإن المواطن اليمني البسيط لم يلمس أي تأثير إيجابي يذكر من الحوار الوطني علي الأرض, في الوقت الذي تواصل مراكز القوي السياسية والنخب القبلية والعسكرية احترابها الإعلامي والسياسي وزيادة حالة الإحتقان وتبادل الإتهامات وإثارة الفوضي والعراقيل أمام الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي وحكومة الوفاق الوطني, مع اعتراف الجميع بأن تركة الماضي أثقل من أن يعالجها عامان فقط. ويري المتفائلون ومن بينهم الدكتور أحمد عوض بن مبارك أمين عام مؤتمر الحوار الوطني أن المؤتمر اليوم أكثر قدرة علي إخراج اليمن من دائرة العنف والصراع والخلافات وطي صفحة الماضي والانتقال إلي مستقبل يقوم علي الشراكة والتكامل والتنمية. ويضيف بن مبارك: وصل عدد من التقي بهم أعضاء المؤتمر في مختلف المحافظات ما يقرب من11 ألف شخص, قامت بها28 مجموعة مصغرة لفرق العمل فيما يصل إلي168 لقاء نظمته الأمانة العامة'. ويؤكد المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء اليمني راجح بادي أن هناك قوي متحالفة بعضها مشارك في مؤتمر الحوار تسعي لإفشاله كلما شعرت بأنه يتقدم نحو تحقيق أهدافه في رسم معالم الدولة الجديدة, مشيرا إلي أن تلك القوي مستفيدة من بقاء شكل الدولة والنظام الحالي وتشعر بخطر التغيير, وكلما مضي الحوار بخطوات حثيثة زادت ضراوة محاولاتها إفشاله وعرقلة سيره. من الناحية النظرية فإن برنامج مؤتمر الحوار يسير كما هو مخطط له زمنيا, فالجلسة الأولي شملت تسمية الفرق الرئيسية وتدربت علي التواصل ومهارات التفاوض علي يد خبراء دوليين ومحليين, كما نزل أعضاء الفرق إلي الشارع والمحافظات اليمنية وأعدوا تقارير فنية, كما طرحت المكونات السياسية رؤاها بشأن جذور ومحتويات المشاكل الرئيسية في اليمن وخاصة القضية الجنوبية وقضية صعدة, لكنها لم تتفق علي توصيف واحد للأسباب مما فرض ترحيل اقتراح الحلول وضمان عدم تكرارها في المستقبل وفقا لأدبيات ووثائق المؤتمر إلي المرحلة الثانية, وهنا مربط الفرس في مختلف القضايا التي يفترض أن يخوض فيها المتحاورون اليمنيون نقاشات جادة ومهمة وأن يتجاوزوا الحفلات البروتوكولية والكلمات الخطابية في المؤتمر. ولاتبدو القضايا الأخري محل خلاف واسع بين الشركاء السياسيين خاصة حول شكل وهوية الدولة اليمنية والحكم الرشيد واستقلال الهيئات والتنمية المستدامة, فهي كلها قضايا تتجاوز نسبة التوافق حولها80% علي الأقل بل أن أغلب الفرق وضعت صياغات لقرارات ونصوص لتضمينها في الدستور الجديد. ومع هذه الأجواء الفرائحية للحوار هناك في اليمن واقع مؤلم وحالة من الغليان تحت الطاولة تنثر المخاوف وتبعث علي الشكوك من احتمال تعثر العملية الانتقالية, وأهمها الجانب الأمني الذي يشهد انهيارا متواصلا في ضوء تنامي عمليات القاعدة وتحركاتها الميدانية للسيطرة علي أجزاء من محافظة حضرموت شرق البلاد لإعلانها إمارة إسلامية, فضلا عن اغتيالات مستمرة للقادة الأمنيين والعسكريين واختطاف الأجانب وتهريب الأسلحة عبر السواحل. لكن أكثر ما يؤذي اليمنيين هو إنقطاع الكهرباء أغلب ساعات الليل والنهار بسبب تخريب محطات التويد وخطوط النقل من قبل عناصر قبلية مسلحة في مأرب ما يزيد معاناة المدن الساحلية في فصل الصيف, وكذا تفجير أنبوب تصدير النفط الخام وكابلات الألياف الضوئية وقطع الطرقات وهي أحداث نالت من هيبة الدولة وهزت صورة حكومة الوفاق الوطني.