الأثنين الثامن عشر من شهر مارس يوم لن ينساه اليمنيون أبدًا، فهو يوم مجزرة جمعة الكرامة التى قتل فيها نحو 50 شابًا برصاص قناصة نظام على عبدالله صالح، وكانت علامة فارقة فى طريق التغيير باليمن. وبعد عامين على ذكرى جمعة الكرامة، انطلق فى نفس اليوم وفى دار الرئاسة بالعاصمة صنعاء مؤتمر الحوار الوطنى بمشاركة أكثر من 500 عضو يمثلون كافة القوى السياسية فى اليمن. ودعا الرئيس اليمنى عبد ربه منصور هادى اليمنيين إلى تناسى جراحاتهم والتأسيس لصفحة جديدة، وقال: عليكم بفتح صفحة بيضاء بقلوب مخلصة، وترك مكائد السياسة خارج قاعات الحوار، وتمسكوا بنبل شباب اليمن الأطهار الذين انطلقوا فى مختلف الساحات فى البلاد ليعبروا عن نيتهم الصادقة فى بناء دولة مدنية . ويستمر الحوار نحو شهرين ونصف الشهر، ويحظى برعاية إقليمية ودولية، وسيناقش المشاركون ملفات اليمن الشائكة للتوصل إلى توافق على شكل الدولة وإلى دستور جديد. وأشار هادى إلى أن حل القضية الجنوبية سيقود إلى صياغة عقد إجتماعى جديد، وخاطب أعضاء الحوار بالقول نريد منكم دستورًا يخرجنا من كل ذلك، ويكفل لأبنائنا وأحفادنا أسس المعيشة الإنسانية الراقية . ولا شك فى أن انعقاد مؤتمر الحوار الوطنى بعد تحضيرات مكثفة له فى الداخل والخارج أمر يسعد اليمنيين، فمجرد نجاحهم فى الوصول لموعد انعقاده يعد شيئًا إيجابيًا خاصة فى ظل الانقسام الحاصل فى الساحة السياسية والاجتماعية منذ بدء الثورة اليمنية قبل أكثر من عامين. الرهان على نجاح المؤتمر يبدو كبيرًا فى ظل ترقب اليمنيين لنتائجه وما ستسفر عنه الحوارات التى سيخوضها أكثر من 500 شخص يمثلون مختلف أطياف المجتمع، ويجب أن يضع المتحاورون مصلحة اليمن نصب أعينهم، والبحث عن صيغة تحفظ كرامة الجميع فى بلد يسوده العدل والقانون والمواطنة المتساوية الحقوق. فالآمال معقودة بشكل كبير على مؤتمر الحوار فى الخروج بنموذج جديد لبناء الدولة فى اليمن. وسيناقش المتحاورون الذين توزعوا على تسع مجموعات عمل، تسعة محاور تشمل القضية الجنوبية وقضية صعدة، والقضايا ذات البعد الوطنى ومنها قضية النازحين واسترداد الأموال والأراضى المنهوبة، فضلًا عن قضية المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وبناء الدولة والحكم، وأسس بناء الجيش والأمن ودورهما، بالإضافة إلى استقلالية الهيئات ذات الخصوصية والحقوق والحريات. بالإضافة إلى تشكيل لجنة لصياغة الدستور، وإعداد الضمانات الخاصة بتنفيذ نتائج الحوار. وأكد الرئيس اليمنى أمام المشاركين فى المؤتمر أن هناك طريقًا واحدًا فقط أمام اليمنيين وهو طريق النجاح. وأضاف: ستتجاوزون تعقيدات الماضى وعاداته الأسيرة وأساليبه الجامدة، وستصنعون اللبنات الأساسية لبناء يمن جديد موحد وآمن ومستقر، وذلك يتطلب من المشاركين فى المؤتمر الاتفاق على نقطة البداية الصحيحة بكل تجرد وصدق وإخلاص، لكى تتكلل أعمالنا بالنجاح الكبير، وحتى لا نخيب ظن شعبنا وآمال العالم فينا . والرهان اليوم على المشاركين فى مؤتمر الحوار الوطنى فى الخروج برؤية ليمن جديد، يختلف عن اليمن الذى انتهكته الصراعات والأزمات، ويجب أن يضع الجميع فى الاعتبار مخاطر الوصول إلى طريق مسدود، بعد أن أتيحت لهم هذه الفرصة للتحاور والتشاور للبحث عن حلول جادة لأزماتهم. فالحوار مع أى طرف آخر يتطلب بالضرورة وقفة صادقة مع الذات، ومصارحة الذات بما هو ممكن وما هو مستحيل، وما يمكن قبوله وما يتحتم رفضه. وأسباب فشل الحوار فى معظم الأزمات الراهنة، هو عدم إصغاء المتحاورين لبعضهم البعض، والاكتفاء بسماع صدى أصواتهم. ويجب أن يعى جميع المشاركين أن اليمن لن تقوم له قائمة إذا ما أصر كل طرف على التمسك بموقفه وتجاهل آراء الآخرين، فاليمن يتسع للجميع، ومستقبله مرهون بحكمة المشاركين فى المؤتمر الوطنى.