علي الرغم من وجود مئات المواقع التعدينية علي أرض مصر فإنه لم يحظ أي موقع منها بهذا الجدل والاتهامات والشهرة التي حظي بها موقع منجم السكري للذهب بجنوب البحر الأحمر, فالتدليس وإهدار وسرقة ذهب وثروات مصر والتفريط فيها بسهولة كان علي قمة الاتهامات, وقصة سبيكة الذهب الشهيرة التي حصل عليها الرئيس السابق, ومواصلة الاتهام حتي يومنا هذا بأن هذا الذهب مازال يسرق جهارا نهارا علي قمة حزمة الاتهامات المتداولة التي مازالت تمثل المادة الخصبة لكل وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء علي المستوي المحلي وعبر الفضائيات المصرية والعربية والإقليمية والعالمية, بل ذهبت إلي أن موقع منجم السكري أصبح بمثابة قاعدة عسكرية خاصة بهؤلاء المستثمرين ولا يحق لأي مصري اقتحامها, ومن هذا المنطلق كان لابد وأن نتعرف عن قرب علي هذا الحصن المنيع للتعرف علي أدق أسراره والوصول لجميع الحقائق كان الأهرام هذه الرحلة المثيرة في قلب جبل ومنجم السكري, وكان غريبا وعجيبا أن تؤكد لغة الأرقام أن جبل السكري ليس وحده الذي يتربع علي قمة أكثر المواقع ثراء بالذهب بل هناك أكثر من120 موقعا آخر بامتداد سلاسل جبال البحر الأحمر تختزن من المعدن النفيس والمعادن الاقتصادية الأخري ما يؤهل مصر لتكون علي قمة دول العالم ثراء بتلك المعادن, وهناك92 موقعا محددا موقعة علي خريطة مصر لإنتاج الذهب, ولو تم الاستغلال الأمثل لحصدت عشرات المليارات من الدولارات سنويا ووفرت مئات الآلاف من فرص العمل, وبالنسبة للوظائف الحالية بمنجم السكري فالعمالة المصرية تصل إلي95% بينما تصل الأجنبية إلي5%, إلا أن الوظائف العليا كلها من نصيب الأجانب الذين تتراوح رواتبهم بين6 و17 ألف يورو, ومن أبرز النتائج التي كشفت عنها الجولة براعة العاملين والفنيين وقدرة المهندسين المصريين علي سرعة التعلم وإدارة العمل والقيادة في زمن قياسي أذهل الخبراء الأجانب أنفسهم, ومنجم السكري كان محظوظا لأنه أول منجم يتم العمل فيه بشكل رسمي. يقول الدكتور مصطفي القاضي رئيس مجلس إدارة المنجم( المكلف من الحكومة المصرية): قصة الاستثمار في جبل السكري بدأت باتفاقية بين المستثمرين والحكومة المصرية عام1994, وبدأ التنفيذ بإجراء الأبحاث والدراسات بواسطة مشاهير الخبراء العالميين المتخصصين في التعدين واستخلاص الذهب, وبالاستعانة بأحدث الوسائل وآخر أجيال التكنولوجيات العالمية المتطورة في الكشف عن الذهب, وفي مرحلة التجهيز والحفر وتكسير وتجهيز الخام والنقل ونهاية بالاستخلاص والصهر والصب بأحدث التقنيات العالمية المتطورة, و بالمنجم أكبر حفار في مصر وثاني أكبر حفار في العالم, حيث إن له القدرة علي نقل45 طنا في كبشة واحدة إلي الدنبر( معدة النقل), وقدرة هذا الحفار تحديدا2000 طن في الساعة, علما بأن تلك الحفارات رغم تعقيداتها فإن العمال المصريين استطاعوا قيادتها بمهارة في فترة وجيزة أذهلت الخبراء الأجانب الأستراليون ومن جنوب أفريقيا ونيوزيلاندا, و تدريب سائقي الحفارات بواسطة هؤلاء الخبراء استهدف في البداية رفع1600 طن في الساعة ثم1800 ثم2000 وكانت مفاجأة للخبراء الأجانب أنفسهم بالوصول إلي2400 طن في الساعة مع المحافظة علي السلامة التامة للحفار دون أي تأثيرات سلبية عليه, ويوجد بالموقع27 دنبرا لنقل الصخور الحاملة للذهب, وحمولة الدنبر الواحد150 طنا في الساعة, والمستهدف في المنجم بانتهاء مراحله47 دنبرا. أرباح مصر .. وعن محصلة الأرباح التي تحققت منذ بداية المشروع حتي الآن فإن مشروع منجم السكري قد بدأت مرحلة الأبحاث والدراسات فيه عام1994 إلا أن أول انتاج لأول سبيكة كان عام2010, والمنجم حقق حتي الآن1.2 مليار دولار حصل المستثمر علي230 مليون دولار كجزء من مستحقات المعدات, حصلت منها مصر علي27 مليون دولار اتاوات و8.2 مليون دولار ارباحا, ومن المتوقع بعد30 يونيو الحالي حصول مصر علي9 ملايين دولار اتاوة وهي نسبة تحصل عليها كل6 أشهر وهي تمثل نسبة3% من الإنتاج ولاتدخل في حصة مصر من الأرباحا, ومن المتوقع أن تحقق لمصر أرباح تصل إلي20 مليون دولار بنهاية نفس التاريخ(6/30 المقبل) وطبقا لمخطط المستثمر وخطط الإنتاج وأسعار الذهب العالمية وان كانت قد انخفضت كثيراعما هو متوقع. وعن تدني نسبة مصر بالنسبة لما تحقق من عائد كبير فالسبب أن المستثمر حصل علي230 مليون دولار كجزء من المبالغ التي أنفقها منذ بداية الدراسات والبحث والتنقيب عن الذهب وإنشاء المصنع وأجور الخبراء والمهندسين والفنيين والمشرفين والعمال والخدمات وخامات التشغيل وغيرها والتي بلغت450 مليون دولار, إلا أن المستثمر فضل إعادة ضخ هذا المبلغ في تنمية وتوسعة المشروع في المرحلتين الثالثة والرابعة حيث سيبدأ الإنتاج مع بدايات العام المقبل(2014). الاتفاقية الغريبة وفي إجابته عن التشكيك في إنصاف الاتفاقية لمصر ورؤية البعض أن هناك اجحافا في حقها لمصلحة المستثمر فالاتفاقية بالفعل غريبة للغاية ولا تتناغم مع أي اتفاقية عالمية للمواقع المشابهة في أي دولة, وهي أضرت كثيرا بعجلة الإستثمار في مجال التعدين المصري أكثر مما أفادت, حتي المستثمر نفسه لم تتوافق معه الاتفاقية, وهناك نماذج كثيرة لاتفاقيات إدارة المناجم وشركات التعدين وهناك دول تفضل عدم المشاركة وتميل إلي الحصول علي ضرائب من المستثمر بالإضافة إلي الإتاوات علي المنتج, وبالطبع هذا يختلف من دولة إلي أخري, فمثلا السعودية تحصل علي25% ضرائب واستراليا29% بالإضافة إلي نسبة تصل إلي2.5% إتاوة, وكندا27% بالإضافة لإتاوة تتراوح بين1% و3%, وتنزانيا30% ضرائب وإتاوة3%, وفي أمريكا تتفاوت الضرائب بين15% و35% بدون إتاوة, والبرازيل35% والإتاوة بين2% و4%, أما في مصر فالوضع مختلف تماما عن هذه الاتفاقيات ولا يمت لها ولا بأي من اتفاقيات التعدين الأخري بأي صلة, إذ تحصل مصر علي50% من الأرباح بالإضافة إلي3% إتاوة, وبالطبع ليست هي الأفضل, والاتفاقيات العالمية المبرمة في تلك الدول هي الأصوب, وتلك الدول لم تبرم تلك الاتفاقيات من فراغ بل بواسطة خبراء وأجهزة اقتصادية وتعدينية وفنية علي أعلي مستوي, ومطلوب تعديل الإتفاقية المبرمة في منجم السكري وهذا يتطلب موافقة مجلس الشعب, فهذه الاتفاقيات جعلت كل الشركات العالمية الشهيرة العاملة في هذا المجال تحجم عن الحضور إلي مصر وإبرام تعاقدات في مواقع أخري مماثلة لمنجم السكري, ونحن في حاجة ماسة لفتح تلك الأبواب المغلقة, فلدينا أكثر من مائة موقع مهيأ للاستثمار,وحتي ما يطبق من الحصول علي نصف الأرباح بعد خصم كل المصروفات هناك ما هو أفضل منه بالحصول علي نسبة من الإنتاج وهذا يجعل المستثمر يعمل بسهولة ويسر دون أي ضغوط, بل من تلقاء نفسه سيحاول التقليل من النفقات سبيكة مبارك وعودة لما يشاع عن إهذاء أول سبيكة من منجم السكري للرئيس السابق مبارك( يضحك الدكتور القاضي مجيبا): سمعنا هذا الكلام وهو مجافا للحقيقة, وهناك من يؤكد أن تلك السبيكة من منجم آخر, وعموما جميع سبائك السكري مسجلة ومختومة عالميا ولا يمكن تسريبها. 95% عمالة مصرية .. وعن وضع العمالة المصرية بالمنجم يضيف: المهندسان المصريان الإدارة العليا للمنجم كلها أجنبية وتبلغ5% من إجمالي عدد الكوادر العاملة بالمنجم والمصنع, وعلي الرغم من أن الإتفاقية الموقعة بين الحكومة المصرية والشركة صاحبة حق الاستثمار تعطي الحق في10% من الكوادر الأجنبية فإنه وبعد تدريب الكوادر المصرية تقلصت النسبة إلي5% فقط, أما الإدارة الفنية التي تشمل مهندسي التعدين والجيولوجيين ومهندسي المساحة والمدربين وقائدي المعدات والمشرفين عليها والعمالة المصرية الأخري فهي تمثل ال95% الباقية وقد اكتسبت مجتمعة خبرات كبيرة جدا, بل وصلت للمستويات العالمية بشهادة الخبراء الأجانب أنفسهم ودخلوا بالفعل في مجال التعاقد مع مناجم عالمية مشهورة خارج حدود الوطن, ويرجع ذلك إلي الإدارة السليمة للمنجم والمصنع وفق المعايير والمواصفات العالمية مراحل التشغيل وعن مراحل المشروع يقول مهندسو التعدين:مشروع منجم السكري تم تصميمه هندسيا بحيث ينفذ علي7 مراحل, والمرحلة الأولي التي تتضمن تصميمات المنجم السطحي تم الانتهاء منها وهي عبارة عن حفرة( منجم مفتوح) وهي عبارة عن7 مستويات تم انجاز المستوي الأول منها, وجار العمل الآن في المستويين الثاني والثالث بحيث ينتهي العمل في الثاني في مارس2014 طبقا للخطة, ليتبقي عامان أو عامان ونصف العام لإنجاز المستوي الثالث, وفي نفس الوقت الذي يتم فيه تنفيذ هذين المستويين تتم التجهيزات لباقي المستويات المستهدفة, كما يتم الآن التجهيز للمرحلة الرابعة من المصنع التي سترفع القدرة الاستيعابية للمصنع لتكسير10 ملايين طن وتلك المرحلة ستنتهي بنهاية هذا العام, علما بأن جميع التصميمات تتم بواسطة مهندسي تصميمات مصريين. نقص المتفجرات وبلغة الأرقام يلتقط الجيولوجي أحمد عباس ممثل هيئة المساحة الجيولوجية بالمشروع أطراف الحديث فيقول: من المعروف أن الخامات التي يتم استخلاص الذهب منها يتم الحصول عليها بعد إجراء عمليات تفجير للصخور الحاملة للذهب, والتفجيرات الحالية ينتج عنها60 مليون طن خام منها12 مليون تحمل خام الذهب والباقي يعتبر نفايات, ومن المتوقع بعد المرحلة الرابعة التي تنتهي بنهاية هذا العام أن يصل الانتاج إلي72 مليون طن في السنة, وكل15 مليون طن تنتج500 ألف أوقية ذهب, حسابات مهندسي الشركة تتوقع استخراج1800 مليون طن صخور من منجم السكري, ولكن ليست كل هذه الكمية تخضع لعملية التصنيع والاستخلاص إنما300 مليون طن فقط, أي أن طن واحد يدخل حيث الإستخلاص الفعلي مقابل خمسة أطنان لا تفي بشروط الإستخلاص الذي يحقق عائد اقتصادي, ولو حسبنا نسبة وجود للمعدن النفيس1.8 جم لكل طن لكانت الكمية المستخلصة من سبائك الذهب486 طنا مع نهاية عمر المنجم في مدة تتراوح بين30 و40 سنة, وبحساب متوسط سعر الطن50 مليون دولار وفق الأسعار العالمية الحالية فإن إجمالي ثمن الذهب المستخرج24 مليار دولار, وبحساب التكلفة33% نجد أن المفروض أن تحقق مصر ربحا يقدر بحوالي4.5 مليار دولار خلال العشرين سنة من بداية التشغيل. كاميرات مراقبة الإنتاج وعن تفاصيل الإنتاج يضيف الجيولوجي عمرو البنداري بغرفة التحكم في انتاج الذهب: يوجد بغرفة التحكم11 كاميرا مراقبة منهما كاميرتان متحركتان, والغرفة التي يحفظ فيها الذهب لها ثلاثة مفاتيح مع ثلاثة أفراد, بحيث لاتتم عملية الفتح إلا بوجود الثلاثة في نفس اللحظة وهذا لايتم إلا في وجود لجنة متكاملة, أما بالنسبة لعملية صب مصهور الذهب فهي تتم بواسطة خبراء عالميين, وأصبح لدي المنجم كادر مصري اكتسب خبرة هائلة واستطاع أن يقوم بعملية صب السبيكة بنجاح أذهل الخبراء الأجانب أنفسهم, وبالعودة لإنتاج أولي سبائك المنجم فقد سجلت بتاريخ17 ديسمبر2009 وكانت السبيكة التجريبية الأولي تزن5.1 كيلو جرام والثانية3.58 كيلو جرام, وآخر سبائك الذهب المنتجة حرر بها محضر الإنتاج بتاريخ1 يونيو الحالي وشملت انتاج شهر كامل بعدد56 سبيكة بلغ وزنها مجتمعة1.63 طن, علما بأن الإنتاج الكلي من الذهب منذ بداية عام2013 أي خلال الخمسة أشهر الماضية حتي نهاية شهر مايو بلغت5 طن, ومن المتوقع أن يحقق انتاج عام2013 مع نهايته370 ألف أوقية أي11.5 طن, والإنتاج الإجمالي لسبائك الذهب الخام منذ هذا التاريخ حتي الان26.295طن, وهذه السبائك بدرجة نقاوة90% أي بلغة صناعة الذهب عيار19, وكل الكميات التي تنتج ترسل إلي واحد من أكبر المعامل العالمية الشهيرة المتخصصة في استراليا لمعايرتها وتنقيتها لرفع درجة نقاء الذهب في السبيكة لتصل إلي99.99% وهو ما يعني الذهب عيار24, ولهذا يعزي الفارق مابين الكميات التي تم ارسالها لهذا المعمل وتبلغ أوزانها26.295 طن ليصل وزنها بعد التنقية إلي23.5 طن. منجم تحت سطحي وعن الفارق بين المنجم السطحي والمنجم التحت السطحي يقول المهندس حسام الدين أبوالعطا مهنس التعدين بالمنجم تحت السطحي الخام الحامل للذهب الموجود تحت سطح الأرض تكون فيه كمية الذهب عالية جدا ويصل المتوسط إلي10 جراما في طن الصخور الخام, ولكن تكاليف استخراجة أعلي بكثير من نظيرتها في المنجم السطحي, وهذا المنجم تم البدء في حفره تحت سطح الأرض في سبتمبر2006 وبدأ الإنتاج منه في سبتمبر2010 أي بعد4 سنوات وهو الوحيد في جبل السكري تحت سطح الأرض ويقع علي عمق300 متر من بوابة المنجم, ويتم الوصول إليه عبر11 كيلو من الأنفاق.