نتفوق علي أنفسنا في مهارات الاختلاف, ونفشل بتفوق في البحث عما يجمعنا. تخلصنا معا بفضل الله من أعتي نظام قمعي فاسد من غير حول منا ولا قوة, ويتباري بعضنا طيلة عامين في الجدل والتباغض والغيرة والكيد السياسي. حبانا الله نعما يحسدنا عليها الشرق والغرب بل جاءونا غزاة علي مر العصور يحاولون نهبها فباءوا بالفشل أمام صلابتنا ووحدتنا ولو بعد عقود. صمدنا ثم انتصرنا علي الهكسوس والرومان والفرس والفرنجة فرنسيين وانجليز. وعلي مدار القرن ونصف القرن الماضي ظلت مصر المعاصرة مرتعا لأفكار وثقافات وأيديولوجيات دخيلة لم يثبت نجاحها في بيئتنا المتشبعة بالدين والتدين. وبعد الثورة صادق الشعب وأكد أن هويتنا عربية إسلامية وسطية جامعة, فقرر ثلثا المصريين أن يكون البرلمان ذا أغلبية إسلامية, ثم انتخب أكثر من نصف المصريين قيادة ذات مرجعية إسلامية للبلاد في أول انتخابات رئاسية حرة. ويأتي الدستور, برغم العسر في وضعه, ليقرر مبدأ تقاسم السلطة بين رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء, وليمنح القيادة بشخصيها والبرلمان فترة أربع سنوات كي تنفذ فيها ما وعدت به الشعب. لا يمكن أن ينجح أي رئيس منتخب في إنجاز برنامجه في أقل من هذه المدة. بعد كل هذا تأتي المعارضة, المستقوية بعض فصائلها العنفية السوداء بعصابات المخلوع وبالخارج, تأتي بأفعال وفعاليات تتيح لمثيري الفتن والقلاقل ما يعطي الرئيس وفريقه العذر في التأخير والارتباك وبطئ الإنجاز. الرئيس وفريقه وحزبه ليسوا أنبياء, وهم كسواهم لم يختبروا من قبل في هذا المستوي من إدارة الدولة, ناهيكم عما انحدرت إليه أحوال مصر علي يد النظام البائد وعصاباته. إن شبح الفسططة والتشظي البشع يلوح في الأفق بشكل يبعث علي القلق. وقد بدأنا نشهد مجددا من يضربون في صميم الهوية التي ارتضاها هذا الشعب وصادق عليها. نحن الآن أمام فسطاطين, يلوذ أكبرهما, علي تعدد فصائله, بالدين ومنهج السماء, في حين يصمم الفسطاط الأصغر علي أفكار ورؤي من صنع البشر. الفسطاط الأول صهرته المحن ورشدته المعتقلات والتضحيات, وتعلم من تجاربه المحدودة, فاستطاع أن ينفذ إلي شرائح وطبقات عديدة من المصريين. إذا حدث لا قدر الله أن اشتبكت عناصر من هذا الفسطاط بالقوة مع عناصر من الثاني فلا شك أن الغلبة, ولا أقول الفوز, ستكون للأول. الفسطاط الأصغر يعلم ذلك جيدا ومع ذلك يصمم بعض أطرافه علي تأجيج الصراع متخيلا انضمام شرائح من المتفرجين إليه. أتوقع انقساما وصراعا لاحقا بكل فسطاط ليصبح كل منهما ثلاثة أو أربعة. فسطاط الإسلاميين قد ينفرط إلي إخوان وجهاد وجماعة إسلامية, فضلا عن السلفيين علي تعددهم. الفسطاط الأصغر سوف ينفرط عقده أيضا إلي يسار معتدل ومتطرف, وليبراليين, وقوميين ناصريين, ودع جانبا فسطاط متعصبي الأقباط والنوبيين. قطاع كبير من الشعب سيبقي متفرجا انتظارا لانقشاع غبار معركة الفسطاطين, ثم المعارك المتوقعة داخل كل فسطاط. التفكير بالتمني يصور لكل من الفسطاطين أن الأغلبية شبه الصامته يمكن أن تنضم إليه. مازالت هناك فرصة لتجنب الصدام بين الفسطاطين, لا سيما وقد لاحت مخاطر تهدد شريان حياة مصر في منابع النيل. عقلاء كل فسطاط مطالبون علي وجه السرعة بالتسامي عن الخلافات والانتباه إلي معركة الوطن. صدام الفسطاطين إن حدث لا قدر الله لن يستفيد منه سوي العدو القابع في الشرق حيث فلسطين, والممتدة أذرعته الأخطبوطية الخبيثة إلي الجنوب عند منابع النيل. سنخسر جميعا نحن وأجيالنا القادمة, وستلعننا الأرض والسماء. رئيس الدولة بادر الاثنين الماضي بالدعوة إلي المصالحة في مواجهة الخطر الخارجي, برغم اعتراض بعض من مؤيديه. الصدود والتسفيه والسباب لا يزال ديدن بعض الفصائل العنفية السوداء حتي ساعة كتابة هذه السطور. الإعلاميون أصحاب الرواتب الفلكية تفوقوا كالعادة في تأجيج الخلافات بمجرد إعلان الرئيس هذه الدعوة. تري هل بقي في المحروسة, حكما ومعارضة, من يتداركونها قبل المزيد من الفسططة والتشظي والصدامات؟ لمزيد من مقالات حازم غراب