وكأننا نسير بسرعة البرق إلي الهاوية!! وللأسف الشديد.. هاوية من صنع البشر.. من صنع أيدينا لا من صنع القضاء والقدر، أو الطبيعة في حَّدتها وتمردها، وغدرها وجموحها كما تبدي في 'فيكوشيما' اليابان و'كارولينا' أمريكا!! إنها هاوية أشد وأنكي من مثيلتها في الطبيعة، لأنها تستهدف البشر مع سبق الإصرار والترصد.. تستهدف شق الأمة وتوزيع صكوك الإيمان والكفر بين فريقين.. وإلا بماذا نفسر أن يخرج علينا مجموعة من الأصوات يمثلون عقلاء الأمة، وهم يشخِّصون الداء ويحددون الدواء.. لكن للأسف لا أحد يسمع ممن يجلسون في سدة الحكم، لا أحد يصغي أو يستوعب لغة العقل والعقلاء وما يُطرح من أفكار تبغي استنقاذ الوطن والمواطن لأنها بالأساس لصالح الأمة المصرية حتي لا ينفلق نصفين، ولصالح هذا الشعب حتي لا يزداد الاستقطاب ويتحول إلي تحارب وتقاتل وسقوط مزيد من الشهداء كما رأينا في أحداث 'الاتحادية' التي تدمي الضمير الوطني قبل القلب الإنساني.. ثم في الحصار الجهول والعشوائي للمحكمة الدستورية ولمدينة الانتاج الإعلامي ورفع القوائم المطولة من قِبل أصحاب الذقون التي تهدد رموزًا عديدة من الإعلاميين ، والسياسيين، ونشطاء المجتمع المدني.. تتهددهم وتهددهم بالتصفيات الجسدية!! إن الحكماء والعقلاء يشبهون ما نحن فيه بسيارة مندفعة علي منحدر، والسيارة بلا 'فرامل' لكن الذي يستطيع فرملتها هو د.مرسي فهو بمقدوره وحده أن يلغي الاستفتاء علي الدستور الذي يشق الأمة.. أو حتي يوقفه أو يجمده.. وبالتالي يفوِّت الفرصة علي من يلوِّحون بتقسيم المجتمع إلي فسطاطين: فسطاط الإيمان.. وفسطاط الكفر.. وكأننا في أدغال أفغانستان وأحراش باكستان!! إن المعني العام في حوار 'لميس الحديدي' المهددة بالتصفية مع الأستاذ 'محمد حسنين هيكل' بعد لقائه الدكتور مرسي والذي أقبل عليه في حين رفضه جميع الرموز الوطنية المعارضة من جبهة الإنقاذ الوطني.. لا لشيء إلا لكون الرئيس د.مرسي فرض علي هذه الجبهة شروطًا مسبقة علي الحوار معهم!! يتضح في أن الأستاذ 'هيكل' رأي أنه خارج هذه السياقات جميعها.. فلا هو في الحكومة ولا المعارضة ولا ينتوي!! وبالتالي لبي الدعوة كجرنالجي!! ورغم حميمة العلاقة وتعاطف الأستاذ مع الرئيس.. إلا أن 'هيكل' ينذر الناس بالهول العظيم والمخيف إذا ما تم الاستفتاء علي الدستور المزمع يوم 15/12 ولهذا فهو يحذر بملء الصوت بأنها ستكون الفارقة، لأن ما قبله لن يكون أبدًا قائمًا ومستقرًا فيما بعده! إن الأصل في الدعوة.. أن الحكماء يطلقون صيحاتهم ليسمعها الكل في الأمة.. وينبغي أن يكون في المقدمة رأس الدولة.. عله يستنير ويتدبر!! لكن للأسف فإن ما يبدو جليًا للمراقب.. أن الفصيل بعينه من الشعب هو الذي يصغي، وهو الذي يحاول أن يتدبر.. وهو الفصيل الذي ينتمي للتيار المدني بالإضافة إلي فصائل المعارضة الوطنية السياسية علي اختلافها.. بينما يظل الفصيل الآخر الذي يمثل الإخوان المسلمين بالأساس ومعه تيار الإسلام السياسي بأطيافه المتعددة يظل سادرًا في غيه.. لا يسمع ولا يري سوي صيحات الماضي.. وظله الحاضر.. وحلمه الغائر والغامر.. الذي يتملك عليه حواسه مجتمعة ألا وهو إقامة دولة الخلافة الإسلامية.. وما يستتبعها من أسلمة أروقة الدولة المصرية.. لا أجهزتها ومجتمعها فحسب.. وبالتالي تصبح للميليشيات ولاية علي المؤسسات وتنخفض قيمة الوطن أمام هذه الولاية!! والسؤال: لِمَ لا؟ طالما الإخوان يتحكمون فيمن يقود دفة الوطن.. وهم مندفعون به كالسيل المندفع من جبال 'تورابورا' إلي الوادي الفسيح لإقامة الدولة الإسلامية.. وكأن مصر لا سمح الله كانت كافرة طوال قرون.. ومن ثم وجب عليها الدخول في الإسلام في زمن يدَّعون أنه زمنهم وحدهم.. بعد حرمان قرابة 80 عامًا.. أهو حقًا زمن الإخوان المسلمين وحدهم كما يزعمون ويشرِّعون له في الدستور غير الشرعي هذا؟!! إن الفقيه الدستوري المستقل د.محمد نور فرحات يتساءل بمرارة، ويتعجب بسخرية: لماذا قامت ثورة 25 يناير إذن.. ونحن أمام دستور يصوغ الأسس لتحويل مصر إلي دولة دينية، تقهر الحقوق والحريات باسم الحفاظ علي الهوية، دستور لايقوم علي ضمانات حقيقية كافية لحماية الحريات العامة، دستور معيب في أمر ينظم السلطة القضائية، دستور جعل سلطات رئيس الجمهورية سلطات مطلقة.. دون محاسبة أو مساءلة؟.. ونحن نضم أصواتنا لصوت 'د.فرحات' .. إذن لماذا قامت ثورة 25 يناير؟! إن الإجابة تتحدد علي قول الخليفة العادل 'عمر بن عبدالعزيز' لوالي مصر: 'لقد كثر شاكوك، وقلَّ شاكروك، فإما اعتدلت أو اعتزلت'.. إن قوة الحاكم في تماسك نسيج المجتمع، في وحدة الصفوف والفصائل، في الرضا العام، والتوافق علي دستور يمثل الأمة في تنوعها. أما دستور علي هذه الشاكلة، تم تمريره بليل حد أنه سمي دستور منتصف الليل.. فهو يمزق الأمة.. يصنع منها فسطاطين.. وهو يضع أمامنا شريطًا طويلًا من الضحايا التي نالها الإرهاب الديني والاتهامات الباطلة ناهيك عن الشهداء. إن صور علا شهبة الناشطة، لينا مجاهد المحامية، السفير 'يحيي نجم' الذي كيلت له الضربات والسحل لأنه كافر!! وأخيرًا وليس آخرًا الإرهاب الذي ناله المخرج 'خالد يوسف' ولولا عناية الله لكان شهيدًا مثل شهيد الصحافة الحسيني أبوضيف الذي أكد زملاؤه أنه اغتيل مع سبق الإصرار والترصد!! فكيف لنا بعد ذلك أن نواجه هذا الاستفتاء اللعين الذي يشق الأمة في حين يعتبره الرئيس د.مرسي لصالح الأمة ولصالح الديمقراطية؟! إن كلمة 'لا' التي كتبها الشهداء بدمائهم.. تدفع بالغالبية العظمي للشعب المصري العظيم أن يكتبوها بالبنط العريض في هذا الاستفتاء.. لكنها 'لا' التي تقطع أوصال الأمة.. فهل لك يا د.مرسي أن توقف السيارة في اللحظة الأخيرة من الاندفاع علي المنحدر.. أم أن الفرامل ' سابت' وخلاص؟!!