احتفل الاتحاد الإفريقي, وريث منظمة الوحدة الإفريقية, في25 مايو بمرور خمسين عاما علي إنشاء المنظمة. وأحيت المنظمة القارية هذه المناسبة بعدة فعاليات رسمية وشعبية في مقرها بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا سعدت بالمشاركة في أحدها أخيرا, وهي ندوة جمعت عددا من المفكرين الأفارقة للنقاش حول فكرة ومسيرة الوحدة الإفريقية. وتثير مراجعة سياسة مصر الإفريقية علي مدي خمسين عاما, العديد من القضايا أعرضها للقارئ المصري في هذا المقال أملا في أن تثير نقاشا بين المهتمين بسياسة مصر الخارجية بصفة عامة, وسياستها في القارة الإفريقية بصفة خاصة. وأهم هذه القضايا هي أن مصر, التي كان لها دور محوري في إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية قبل خمسين عاما, والتي صاغت سياستها الإفريقية في ذلك الوقت حول مبادئ مناهضة الاستعمار وتحقيق الاستقلال السياسي لجميع الدول الإفريقية, مدعوة لصياغة سياسة جديدة تتواءم مع الظروف الدولية والإقليمية للقارة. فإفريقيا التي كانت في بداية ستينيات القرن الماضي تحاول استكمال مسيرة الاستقلال والتخلص من التفرقة العنصرية تختلف كثيرا عن أفريقيا, الصاعدة التي تتسابق القوي الاقليمية والدولية علي تدعيم وجودها الاقتصادي والعسكري بها. فقد نجحت الصين في مضاعفة تجارتها مع القارة لتصل إلي أكثر من مائة مليار دولار عام2012 ولتصبح الشريك التجاري الأول للقارة الإفريقية وأحد أكبر المستثمرين فيها, خاصة في مجالي الطاقة والتعدين. وقد حذت القوي الصاعدة الأخري حذو الصين فعززت الهند من استثماراتها وتعاونها الفني مع إفريقيا ووصلت تجارتها مع القارة إلي60 مليار دولار عام.2011 علي جانب اخر تزايدت التدخلات الأجنبية العسكرية في القارة الإفريقية, خاصة في دول التماس العربي الإفريقي. فقد عززت الولاياتالمتحدة وجودها العسكري بإنشاء قواعد للمراقبة في دول الساحل الإفريقي في إطار حربها المزعومة ضد الإرهاب ومشروعها للصحراء الكبري, بينما تدخلت فرنسا عسكريا في مالي في مطلع العام الحالي بدعوي وقف تقدم قوات حركة أنصار الدين, التي سيطرت علي شمال البلاد عقب الانقلاب العسكري في مارس من العام الماضي, إلي العاصمة باماكو. ويحدث ذلك في غياب للتنسيق بين أفريقيا العربية شمال الصحراء ودول الساحل الإفريقي, لتصبح دول الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا( الإيكواس) هي الشريك الأول للقوي الغربية الفاعلة في المنطقة. ليست القوي الإقليمية, وعلي رأسها إيران وإسرائيل وتركيا, ببعيدة عن الساحة الإفريقية. فإيران تبحث لها عن حلفاء في القارة للتخفيف من وطأة الحصار الدولي لها. وقد شهدت القارة الإفريقية زيارات متتالية للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد كان آخرها جولته في غانا وبنين والنيجر الشهر الماضي. وتدخل تركيا في السباق علي الفرص في القارة مستغلة نفوذها الاقتصادي الناجح ونشاط منظماتها الإغاثية. وما زالت الذاكرة تستحضر صور زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لمخيمات الإغاثة في الصومال قبل نحو عامين وبدء الخطوط الجوية التركية لأول رحلاتها للعاصمة الصومالية مقديشيو بعد أشهر قليلة من هذه الزيارة, وهي خطوات سوف يجني ثمارها وفود رجال الأعمال التركية التي تجوب الصومال وغيرها من دول القارة بحثا عن فرص التجارة والاستثمار. و تستمر إسرائيل في دعم علاقاتها الاستراتيجية مع الدول الإفريقية بصفة عامة, ودول حوض النيل بصفة خاصة. السؤال الآن أين مصر من هذا المشهد المعقد؟ لا شك أن الدولة المصرية في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير تحمل تركة ثقيلة من الآثار السلبية التي خلفتها عقود من تهميش القارة الأفريقية في أولويات صانع قرار السياسة الخارجية المصرية, ناهيك عن التحديات الداخلية وتعقيدات الوضع علي الحدود الشرقية التي يمكن أن تشغل مصر عما يحدث خارج حدودها الجنوبية. لذا يبقي التحدي أمام مصر في أن تعيد صياغة سياستها علي نحو يربط تحركها في القارة بتحقيق مصالحها القومية في الداخل والخارج, وايجاد جماعات مجتمعية لها مصالح في دعم علاقات مصر الإفريقية بشكل يضمن الاستمرارية لهذه العلاقات. إن أهم الدروس المستفادة من سياسة مصر الناصرية تجاه إفريقيا هو ضرورة ربط هذه السياسة بمصالح ومؤسسات أكثر من ربطها بأشخاص وقيادات. ويعني ذلك إننا بحاجة إلي تقييم وتدعيم دور المؤسسات المسئولة عن صياغة وتنفيذ سياسة مصر الإفريقية, والتي لعبت بالفعل دورا لا يمكن إغفاله. فلا يمكن إنكار دور الصندوق المصري للتعاون الفني مع إفريقيا بوزارة الخارجية الذي قام منذ إنشائه في أوائل ثمانينيات القرن الماضي بتدريب أكثر من سبعة آلاف أفريقي في مختلف القطاعات, أو دور الأزهر الذي يستقبل سنويا آلاف الطلبة من جميع أرجاء القارة, أو دور المؤسسة العسكرية التي ينتشر أكثر من خمسة آلاف من رجالها في عمليات حفظ السلام في عدة دول أفريقية. كما يعني ذلك أيضا أن المجتمع المصري شريك أساسي في عملية إعادة صياغة سياسة مصر الأفريقية. فاستثمارات الشركات المصرية في الدول الأفريقية لا تقارن بحجم استثمارات الدول الأخري. كما تحتاج منظمات المجتمع المدني من نقابات عمالية وجمعيات حقوقية وحركات ثورية شبابية إلي مد جسور التواصل مع مثيلاتها في الدول الأفريقية التي سبقت مصر في التجربة الديمقراطية, والتي يشهد معظمها حركات نشطة للمطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. مدرس العلوم السياسية بجامعة القاهرة لمزيد من مقالات د. راوية توفيق