في مواجهة التهديدات التجارية المتصاعدة من إدارة دونالد ترامب، تقود رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مبادرة طموحة لإعادة توجيه البوصلة التجارية الأوروبية نحو الشرق، إذ تسعى هذه الاستراتيجية الجديدة لبناء تحالف قوي مع اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP) التي تضم 12 دولة، في محاولة لتجاوز الجمود في منظمة التجارة العالمية وإعادة تشكيل قواعد التجارة الدولية. التحديات الأمريكية تدفع أوروبا للبحث عن بدائل استراتيجية تصاعدت التوترات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة مع تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية تصل إلى 50% اعتباراً من 9 يوليو في حال فشل المفاوضات التجارية، إذ ان هذه التهديدات الأمريكية أحادية الجانب والتعسفية اختبرت صبر وعزيمة فون دير لاين، وفقاً لما ذكرته صحيفة "بوليتيكو". ومن المفارقات أن الولاياتالمتحدة كانت لديها الفرصة للانضمام إلى مجموعة المحيط الهادئ، المعروفة سابقاً باسم اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، خلال إدارة باراك أوباما. لكن ترامب انسحب منها في عام 2017 بعد توليه الرئاسة للمرة الأولى، قبل أن يتم الانتهاء من الاتفاقية. وعندما سُئلت فون دير لاين يوم الخميس عما إذا كانت الولاياتالمتحدة ستنضم للمبادرة الجديدة، أجابت بوضوح: "حسب فهمي، الأمريكيون غادروا في نقطة معينة"، مضيفة أن الأمر سيكون متروكاً للكتلتين لتقرير ما إذا كانتا تريدان السماح لهم بالدخول. رؤية فون دير لاين في خطابها أمام قادة الاتحاد الأوروبي، حولت فون دير لاين التعليقات السابقة حول التعاون المحتمل مع مجموعة المحيط الهادئ إلى واقع أكثر ملموسية. وأوضحت أن التجمع الجديد سيعيد تصميم قواعد التجارة العالمية، وقد يصل الأمر إلى إصلاح أو حتى استبدال هيئة قواعد التجارة العالمية. وقالت فون دير لاين بعد قمة الاتحاد الأوروبي ليلة الخميس: "هذا سيُظهر للعالم أن التجارة الحرة مع عدد كبير من البلدان ممكنة على أساس قائم على القواعد. هذا مشروع أعتقد أننا يجب أن ننخرط فيه حقاً، لأن مجموعة المحيط الهادئ والاتحاد الأوروبي قوية للغاية". البلدان ال39 في الاتحاد الأوروبي ومجموعة المحيط الهادئ تمثل مجتمعة 30% من التجارة العالمية، وتشمل دولاً متشابهة التفكير مثل اليابان وأستراليا وكندا والمكسيك، وفقاً لتقرير "بوليتيكو". تشكيل تحالف من الراغبين يمكن أن يمثل، كما يجادل المؤيدون، خطوة أولى نحو إعادة تشكيل النظام التجاري الدولي والهروب من الشلل المؤسسي الذي يعاني منه منظمة التجارة العالمية. الخطوات العملية طرح خبراء التجارة المخضرمون تيم غروسر ووزير التجارة النيوزيلندي السابق، وستيف فيرهول كبير المفاوضين التجاريين الكنديين السابق، وجون كلارك كبير مفاوضي التجارة في الاتحاد الأوروبي سابقاً، فكرة عملية في تعليقات حصرية شاركوها مع صحيفة "بوليتيكو". اقترح الخبراء الثلاثة أن تلتزم البلدان ال39 في الاتحاد الأوروبي ومجموعة المحيط الهادئ، كخطوة أولى، ب"اتفاقية الوقف الاختياري" للحفاظ على أسواقها مفتوحة أمام بعضها البعض. وأوضحوا أن "ما ستفعله هو إرسال إشارة ضخمة إلى واشنطن بأن جزءاً كبيراً جداً من الاقتصاد العالمي، بما في ذلك تقريباً جميع الشركاء التقليديين الأقرب للولايات المتحدة، يبقى ملتزماً بالنظام القائم على القواعد". وأضافوا أن "هذا يجب أن يبدأ خارج جنيف مع مجموعة من البلدان التي يمكنها التحرك بشكل أكثر حزماً. على المدى المتوسط، نعتقد أن هذا التجمع يمكن أن يكون نقطة محورية لتطوير قواعد والتزامات جديدة لنظام تجاري يمكنه تحقيق نمو مستمر ورخاء لشعوبهم". فون دير لاين تخطو خطوات عملية بالفعل، حيث أصدرت بياناً مشتركاً مع رئيس الوزراء النيوزيلندي كريستوفر لوكسون بعد اجتماعهما هذا الأسبوع، دعم فيه كلاهما إطلاق حوار بين الاتحاد الأوروبي ومجموعة المحيط الهادئ "في أقرب وقت ممكن". وهذا يردد نداء وزراء مجموعة المحيط الهادئ الذين اجتمعوا في جيجو بكوريا في منتصف مايو. ووفقاً لمسؤول في الاتحاد الأوروبي، فإن اجتماعاً على المستوى الوزاري مخطط له في يوليو.