في الأسبوع الماضي استضافت القاهرة واحدا من أهم الاجتماعات الأفريقية. لم يكن اجتماعا مثل باقي الاجتماعات بل كان يمثل تجمعا لأفضل العقول وصفوة الفكر الدولي والأفريقي المهموم بقضايا أفريقيا والتحديات التي تقابلها، وبمنتهي الموضوعية فإنه كان من أفضل الاجتماعات التي حضرتها في السنوات الأخيرة. المبادرة جاءت من وزارة الخارجية المصرية والاتحاد الأفريقي اللذين نظما هذا الملتقي بالتعاون مع مركز القاهرة للتدريب علي حل النزاعات وحفظ السلام في أفريقيا وهو المركز المتميز الذي أنشأته مصر ويقوم بتدريب العسكريين والدبلوماسيين الأفارقة علي عمليات حفظ السلام وحل النزاعات التي تعصف بأجزاء من أفريقيا. وشارك أيضا مركز الحوار الإنساني ومقره جينيف. المشاركون اجتمعوا لبحث دعم السلام والأمن والاستقرار في أفريقيا. لأول مرة يضم الاجتماع المسئولين الكبار والممثلين الشخصيين للاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي والأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة الفرانكفونية الذين كلفتهم منظماتهم بمتابعة ملف معين مثل الصومال أو السودان أو الكونجو . ولأهمية الاجتماع شارك أيضا ممثلون عن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. وتفرغ المشاركون في القاهرة لمدة يومين لبحث أفضل الطرق للتعاون فيما بين منظماتهم والتنسيق بين سياساتها والتشاور المستقبلي بالنسبة لكل قضية وتقييم ما فعلوه حتي الآن. توافق الاجتماع مع قرار الرؤساء الأفارقة باعتبار 2010 هو عام السلام في أفريقيا، وقد ساهمت القاهرة بعدة مبادرات في هذا الصدد فاستضافت اجتماعا لمجموعة الدول الثماني الصناعية الكبري في العالم والشركاء لاستعراض بناء القدرات في عمليات حفظ السلام شاركت فيه أكثر من 60 دولة ومنظمة إقليمية لتوفير الموارد الفنية والمالية لدعم مساهمات حفظ السلام من الدول النامية. وكما ذكر الوزير أحمد أبو الغيط عن حق فإن دور مصر رئيسي في هذا الصدد فهي ستستضيف أيضا الاجتماع التنسيقي الأول للمنظمة الدولية الفرانكفونية في هذا المجال ، إلي جانب الندوة الأولي رفيعة المستوي لحركة عدم الانحياز - باعتبارها رئيسة الحركة حاليا - للمساهمين في عمليات حفظ السلام. وأعاد الوزير تذكير المشاركين الي أن مصر دولة مستقبلة لقوات حفظ السلام ولكن في نفس الوقت تساهم بقوة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وتعد خامس دولة علي مستوي العالم في هذا الصدد حاليا وتشارك في جميع البعثات في القارة الأفريقية ، والاجتماع يتزامن مع الاحتفال بالعيد الخمسين لأول مشاركة مصرية في عمليات حفظ السلام حينما أرسلت قواتها ضمن عملية الأممالمتحدة في الكونجو عام 1960.. وقد صدر عن الاجتماع ما سمي بنداء القاهرة للسلام: لنجعل السلام يعم أفريقيا خلال 2010 وبعده، وأكد بناء علي اقتراح مصر أهمية عقد مثل هذا اللقاء دوريا للتنسيق بين الأممالمتحدة والمنظمات الأقليمية. واتفق علي عقده كل عامين وبالطبع ستشارك مصر بقوة في الاجتماعات القادمة. من الأمور التي ركز عليها اجتماع القاهرة عدم قبول الانقلابات العسكرية في القارة مع العلم بأن الاتحاد الأفريقي أصبح منذ سنوات لا يقبل أي نظام يتم فرضه في أي دولة عن طريق الانقلاب ويجمد عضوية هذه الدولة. وخصصت عدة جلسات لأوضاع السودان علي ضوء قرب الاستفتاء في الجنوب علي تقرير المصير والدعوة في نفس الوقت الي أهمية الوحدة بين الشمال والجنوب وكذلك الأوضاع المأساوية في الصومال حيث تقوم جماعات مسلحة تتلقي دعما بالأسلحة والمال من الخارج بمحاولة تقويض سلطة الحكومة المؤقته التي تعترف بها كل دول العالم وتهاجم قوات الاتحاد الأفريقي المتمركزة في مقديشو إلي جانب المدنيين العزل . كل ذلك الي جانب بحث التوترات والنزاعات في أماكن أخري مثل الكونجو وساحل العاج وغينيا إلخ...وكان هناك توافق علي أن هذه النزاعات لم تعد أمرا داخليا في الدول التي تحدث فيها بل لها تداعيات إقليمية ودولية ، ومن هنا ضرورة التعامل معها في إطار تعاون إقليمي لاقرار السلام فيها. بالمناسبة هناك قرار للأمم المتحدة بأن يكون يوم 21 سبتمبر هو اليوم العالمي للسلام، ولذلك رأت أفريقيا بناء علي اقتراح مصر أن يطبق في القارة بطريقة عملية عن طريق الدعوة الي وقف إطلاق النار في كل النزاعات المسلحة وتدعيم جهود السلام وزيادة المساعدات الانسانية إلي المتضررين من هذه النزاعات والوقوف جميعا دقيقة صمت في العاشرة من صباح هذا اليوم في كل عموم القارة، وهنا أرجو أن تتبني بعض المنظمات المصرية وخاصة الشباب للحث علي مشاركة الشعب المصري في هذه الاحتفالية الرمزية. بل ودعا القادة الأفارقة في قمتهم الأخيرة أن تقوم كل المدارس بالقارة بتدريس حصة عن السلام لطلبتها في هذا اليوم. وكان من المثير في هذا الاجتماع قيام رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي بتوزيع شهادات تقدير علي عدد من الطلبة المصريين الفائزين في مسابقة الرسوم حول السلام في أفريقيا وتقرر بناء علي نجاح هذه الفكره تعميم المسابقة في أفريقيا كلها. وقد تقدمت مصر باقتراح هام سبق أن طرحته في إطار المشاركة الأفريقية الأوروبية بانشاء مركز لإعادة البناء والتنمية في مرحلة ما بعد انتهاء الصراعات حيث لمصر تجربة متراكمة في هذا الصدد حيث استضافت مؤتمر إعادة إعمار دارفور وقبله مؤتمر بناء وتعمير غزة. تجمع الأفارقة في القاهرة خير دليل علي إيمانهم بدور مصر الأفريقي وأهمية الاستفادة من الخبرات المصرية في عمليات حفظ السلام واقتراحها بناء فريق أفريقيا لبناء السلام لخلق مستقبل أفضل لشعوب القارة. كاتب المقال : أمين عام الجمعية الأفريقية