ليست مصادفة أن أشارك أهلينا في سيناء ومصر كلها احتفالات تحرير سيناء التي تحل كل عام في الخامس والعشرين من أبريل. فانطلاقا من حرصي علي متابعة مشروعات التنمية كافة التي تعيشها مصر اليوم, كان من المهم أن يكون ثمة وجود فعلي علي أرض الفيروز للوقوف علي ما تحقق من منجزات وما أهدر من طاقات وما ضاع من فرص ومغانم في وقت ما زالت مصر تترنح مكانتها بين حضارة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ, وحاضر مليء بالمشكلات والصراعات والانقسامات, ومستقبل مليء بضبابه وغامض بتوجهاته. فقد شاركت مع لجنة الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس الشوري في زيارة سريعة إلي سيناء تنقلنا خلالها بين بعض مدنها ومراكزها السياحية, وعقدنا العديد من اللقاءات مع المسئولين التنفيذيين والشعبيين, وجمعتنا جلسات مع شيوخ القبائل والسائحين والعاملين بمختلف أجهزة الدولة والمشروعات التنموية المقامة فيها. والحقيقة التي يجب ألا يخفيها أحد أن سيناء بقيمتها الدينية ومكانتها التاريخية وموقعها الجغرافي تمثل نقطة تحول مهمة في مستقبل مصر ونهضتها. فإذا كان صحيحا أن سيناء البوابة الشرقية لمصر هي مصدر كل الاخطار والمخاطر المهددة لأمنها القومي, إلا أنه من الصحيح أيضا أن هذه البوابة إذا ما بقيت مفتوحة ومهملة من جانب أصحابها, فلا يلام الآخر إذا ولج منها إلي عمق الدولة وأركانها محاولا تفتيت وحدتها وهدم بنائها وتقويض أسسها بنشر الفوضي وتعميم الفتنة وإيجاد الأزمات وصناعة المؤامرات, أما إذا ما أحسن أهلها سيطرتهم عليها وإحكام قبضتهم علي مفاتيحها فلن يجرؤ أحد علي الاقتراب منها أو تهديدها. وإذ تمثل لحظة الاحتفال بالعيد الحادي والثلاثين لتحرير سيناء لحظة نشوة وانتصار, فإنها تمثل في الوقت ذاته لحظة تساؤل واستفهام عما آلت اليه احوال سيناء ما بعد التحرير, هل اتجهت الي البناء والتنمية والنهوض بأوضاعها واستغلال ثرواتها ومكنوناتها والارتقاء بأحوال مواطنيها وساكنيها؟ أم شهدت تراجعا ملحوظا وتدهورا مستمرا وإهمالا مقصودا علي مدار العهد البائد, فتحول التحرير إلي تخريب, والاستقلال إلي إهمال, والعودة إلي حضن الوطن إلي اغتراب وانفصام؟ وفي خضم الاجابة علي هذا التساؤل, وجب تسجيل ملاحظتين مهمتين تكشفان مآلات الوضع في شبة جزيرة سيناء, وذلك علي النحو التالي: أولا تشغل سيناء ما يقرب من3/1 مساحة مصر الجغرافية, وتمتلك ثروات هائلة متنوعة طبيعية ومعدنية وبترولية وتاريخية. ويعني ذلك أن الاحتفال بتحرير سيناء لا يكون بالتغني وتنظيم الاحتفالات والمهرجانات واللقاءات دون أن يكون لذلك مردود علي أرض الواقع هذا من ناحية. ومن ناحية أخري, من غير المقبول أن يظل المنظور التنموي لسيناء مقصورا علي الجانب السياحي وكأن تنمية سيناء تقتصر علي استغلالها سياحيا, فصحيح أن السياحة من الأعمدة الأساسية للاقتصاد الوطني لما تمثله من أهمية في توفير العملات الصعبة من جانب, والمساهمة في حل مشكلة البطالة كونها صناعة كثيفة العمالة من جانب آخر, ولكن من الصحيح أيضا أن فائض الثروات المعدنية والنفطية والطبيعية والأثرية يجعل منظور التنمية منظورا شاملا ومتنوعا, وهو ما يجب أن يسود في رؤية الدولة التنموية لشبة جزيرة سيناء. بما يجعل من مطالبات البعض حتي ما قبل ثورة25 يناير بأن تكون هناك وزارة مستقلة لتنمية سيناء تتولي طرح الرؤي ووضع الخطط ومتابعة التنفيذ ورفع التقارير عن الصعوبات والمعوقات مطلبا ملحا الآن, وإلا ظلت مشروعات تنمية سيناء متفرقة بين أجهزة الدولة المختلفة تعاني من بيروقراطية متحجرة ورؤي متكلسة وأفكار بالية وتخوفات نمطية. ثانيا في اطار المشهد السياسي المعقد والمرتبك الذي تعيشه مصر اليوم بسبب الاصطفافات والانقسامات بين الجميع, يمكن أن يمثل مشروع تنمية سيناء مشروعا قوميا يؤسس لمصالحة كبري تستثمر في بناء بنية تحتية لتوافق مجتمعي يسهم في بناء وطن واحد يشترك الجميع فيه حكما ومعارضة بعيدا عن المزايدات والمراهنات وعلو الأصوات وبيع الكلمات والخطب الرنانة, فيتحول جهد الطرفين إلي عمل وطني يستجيب إلي مطالب المواطنين في غد يتناسب مع واحدة من أروع الثورات التي سجلها التاريخ المعاصر. خلاصة القول, يظل تحرير سيناء ذكري يحتفل المصريون بها من خلال الاغاني والمهرجانات واللقاءات والحوارات والمطالبات, طالما ظل موقف طرفي المشهد السياسي الحكم والمعارضة تربصا خفيا وتخوينا متبادلا واقصاء مستمرا, وهو ما يمثل نزيفا لوطن لم يبق به المزيد من الدماء, بل يناضل في نزعه الأخير, فهل يضيع الجميع فرصة ربما لن تأتي مرة ثانية؟ لمزيد من مقالات عماد المهدى