لا يمكن أن أستسلم إلي اليأس وأنا أري كل هذا الضوء في نهاية النفق المظلم وكلما اشتد الواقع بأسا وسوادا وعفنا وجهلا وتشوها وخبلا وتفاهة كلما تلالأ الضياء وازداد توهجا ونورا علي نور حيث النهاية الحتمية حيث يحيا سنمار منتصرا. سنمار رمز المعرفة ضحية الاستبداد الجاهل, فبعد أن بني سنمار المهندس الآرامي قصر الخورنق في الحيرة جنوب العراق, كشف لملك الحيرة النعمان بن إمرؤ القيس اللخمي الملك الطموح, أن بالقصر( آجرة) أي حجرة أو طوبة كبيرة, إن تم هدمها هدمت القصر كله, ولا أحد غيره يعرف مكانها وسرها, فخشي النعمان علي القصر الذي كان مفخرة القرن ال(4) الميلادي من سنمار خوف النعمان من هذه المعرفة التي كانت له, أن تصبح عليه, أطاح بعقله فأطاح بسنمار من فوق( الخورنق) ليسقط قتيلا, وليحيا رمزا في شعر العرب علي نكران الجميل والجحود الغبي, لأهل العلم والمعرفة, فمن الأسلم للحكام المستبدين أن يضحوا بالمعرفة, فهي بالطبيعة تهدد طغيانهم واستبدادهم, وترهق إمكاناتهم المحدودة فلا يجدون بدا من خوض معركة خاسرة بالضرورة مع المعرفة وأهلها, مادامت توجد لهم بديلا, والموت عندهم دون ذلك, فهذا الداء الاستبدادي توطن في أزمنة غابرة وبيئات صحراوية عنيفة, ومع ذلك هناك من لا يزال يحاول استنساخه في معامل الاستبداد, بالشعارات السطحية وقشور الألفاظ في زمن تطاردنا المعرفة من كل اتجاه! ليس هناك أسوأ من تقزيم وتصغير وتحقير الأمم, إلا تضخيم وتفخيم وتوزيع جنون العظمة المجاني عليها, لإدخالها في معارك مع طواحين الهواء عبثية, أو أخري لا قبل لهم بها, والمعرفة وأهلها هم المعيار السليم العقلاني, القادر علي وزن الأمور, فيعيش الواقع مع الطموحات, ليؤهل الناس وحكامهم لحمل رسالة التاريخ, ويبقي علي سيرتهم ونسلهم داخله لا خارجه, كما حدث مع النعماني الذي مات بلا ذكر إلا بالحجود, بينما بقي قصر الخورنق شاهدا علي عبقرية منشئة, وليشهد محاولة العرب توحيد كلمتهم, لمواجهة نفوذ الدولة الساسانية بإيران في بلادهم, ولكنهم فشلوا بالطبع, مادام كل شيخ قبيلة لا يرضي بخلق نظام بديل لسلطاته الاستبدادية داخل قبيلته, ومازالت مؤتمرات العرب فاشلة في توحيد كلمتهم بل وتحولت إلي مؤتمرات لتقديم القرابين العربية للقوي الكبري التي لا تشبع من شرب دمائنا! العلاج المعرفي فيه شفاء للجميع لبلادنا العربية المبتلاه بحمي الأيديولوجيات الجاهلة, وللعالم الذي لا يكف عن إدانة الإرهاب, ويوكله لأسباب شتي متغاضيا عن دوره المناهض لنهضة بلادنا علي مدار القرنين الماضيين, منذ نهضة مصر علي يد محمد علي باشا, بإفشال كل تراكم معرفي يحافظ علي استقلال وتقدم بلادنا, والأدلة تبدأ بمحمد علي في مصر ولم تنته بالعراق, وهو ما يدركه العارفون بالغرب ويتغاضون عمدا عنه, وفنده الكاتب الألماني المعروف يورجين تودينهوفر لكشف المسكوت عنه, عن مسئولية القوي الكبري في الإرهاب الحديث في كتاب: لماذا تقتل يا زيد! تحالف القادة العظام مع المعرفة وأهلها, مكنهم من حمل رسالة التاريخ, بدفع البلاد نحو البناء والمعاصرة بالإصلاحات النيابية والإدارية والقضائية والعمرانية والتعليمة... إلخ, وكل ما في مانفستو التقدم لبناء مصر الحلوة التي أحببناها, الطريف أن النعماني اعتنق المسيحية في آخر حياته وارتدي المسموح, وهام علي وجهه يبحث عن الحقيقة حتي يمتلكها كقصر الخورنق لكنها مأساة الإنسان الذي يتجاوز. قدراته لامتلاك الحقيقة بينما لا يملك الإنسان إلا محاولات جادة علي طريق المعرفة الممتد! لمزيد من مقالات وفاء محمود