تشير حملة اشتري المصري التي تبنتها قطاعات شعبية متعددة خلال الأيام الماضية, الي وجود منافع جمة مجتمعية اقتصادية واجتماعية بل وسياسية, علي محاور التشغيل والبطالة وسعر الصرف والاحتياطي من النقد الأجنبي وتشجيع الاستثمار المحلي ومواجهة الركود الحالي. فشراء المنتجات المصرية سواء الزراعية أو الصناعية أو الخدمية, يعني استمرار تصريف منتجات تلك القطاعات, وبالتالي الحفاظ علي العمالة الموجودة بتلك القطاعات, وبالتالي استطاعة هؤلاء الإنفاق علي أسرهم بما يكفل استمرار نفس المستوي المعيشي الذي يعيشونه, وعلي الجانب الآخر وجود حركة تجارية بالأسواق ولدي الحرفيين ومقدمي الخدمات الصحية والتعليمية وغيرهم. وعندما تصل قيمة الواردات المصرية خلال العام المالي الماضي51 مليار دولار, فإن قيمة الصادرات المصرية خلال نفس العام بلغت27 مليار دولار فقط, وبالتالي فقد بلغت قيمة العجز بالميزان التجاري24 مليار دولار. وهذا العجز التجاري يتم تعويض جانب منه من خلال الفائض الذي تحققه الموارد الخدمية, مثل السياحة وخدمات النقل وقناة السويس وتحويلات المصريين العاملين بالخارج, لكنه مع نقص الاستثمار الأجنبي الوارد يظل ميزان المدفوعات المصري الكلي مصابا بعجز بلغ نحو عشرة مليارات من الدولارات. ومن الطبيعي أن يتم تعويض ذلك العجز من أرصدة الإحتياطيات من العملات الأجنبية الموجوده بالبنك المركزي, والتي تراجعت من36 مليار دولار الي20 مليارا في نوفمبر الماضي, الأمر الذي يؤثر في الضغط علي سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار. وكلما زاد سعر صرف الدولار فإن ذلك يعني هبوط قيمة الجنيه, وبالتالي زيادة تكلفة استيراد السلع. فإذا كان هناك سلعة مستوردة قيمتها عشرة دولارات قبل عام, فإن المستورد المصري كان يدفع لاستيرادها53 جنيها عندما كان سعر الصرف530 قرشا للدولار, لكنه مع بلوغ سعر الصرف ست جنيهات للدولار, فإن هذا المستورد عليه أن يدفع ستين جنيها لاستيراد نفس السلعة التي لم يتغير ثمنها بالدولار. وهذه الزيادة في قيمة الاستيراد بسبب تغير سعر الصرف سيتحملها المستهلك, فما بالنا بحدوث زيادة في سعر تلك المستوردة أصلا بسبب التضخم في بلد المنشأ, وكذلك زيادة تكلفة استيرادها بسبب ارتفاع قيمة التأمين علي السفن الناقلة لها لمصر, وارتفاع تكلفة نقلها نتيجة ارتفاع أسعار البترول, الأمر الذي ينعكس علي ارتفاع معدل التضخم محليا. ومما سبق يتضح أن شراء المنتجات المصرية سيؤدي الي خفض قيمة الاستيراد, وبالتالي تخفيف الضغط علي سعر الصرف وتقليل معدل التضخم. لأن التضخم معناه تآكل قيمة العملة المحلية بنفس معدل التضخم, ولعل التجربة الياباية خير شاهد علي تفضيل اليابانيين لشراء المنتجات المحلية, مما حقق لها فائضا تجاريا مع غالب دول العالم. وعندما تصل قيمة واردات الملابس الجاهزة خلال العام المالي الماضي789 مليون دولار, بخلاف544 مليون دولار لواردات المنسوجات القطنية, فإن القيمة الحقيقية لواردات الملابس الجاهزة والمنسوجات أكثر من ذلك, نتيجة ما يرد في حقائب العائدين من الخارج وهي الكميات التي لا يتم احتسابها ضمن احصاءات الواردات التي يعلنها البنك المركزي. ودعوة شراء المصري لا تقتصر علي المستهلكين فقط, وإنما تمتد الي المنتجين حيث يقوم بعض المنتجين في مناطق صناعية بشراء خامات أو سلع وسيطة يتم انتاجها في مناطق صناعية أخري, الأمر الذي يتطلب مزيدا من المعلومات لدي جمعيات المستثمرين ورجال الأعمال بما تنتجه كل منطقة. كذلك يحتاج الأمر الي المزيد من الثقافة الاستهلاكية للمصريين بالداخل والخارج, حيث يقوم الكثيرون بشراء منتجات مستوردة لها بديل محلي قد يكون أكثر جودة دون أن يعرفوا ذلك, أذكر أنني طلبت مشورة سيدة مصرية في مول تجاري أمام الحرم المكي عن مدي جودة سلعة معمرة منزلية ذات منشأ اندونيسي, فكانت إجابتها أن لدينا في مصر سلعة مماثلة لها أفضل جودة وأقل سعرا. ويجب التنبه الي أن تفضيل شراء السلع المستوردة يؤدي الي كساد مبيعات الشركات المصرية المنتجة لنفس السلع, وبالتالي تخلصها من جانب من عمالتها, وقد يصل الأمر الي اغلاق أبوابها, مثلما حدث مع الغزو الصيني وقتل صناعات عديدة, الي جانب القضاء علي فرص التصنيع المحلي. ولو أدركت ربة الأسرة عندما تقوم بشراء المنتجات الأجنبية البسيطة بداية من الصابون أو حتي المصنوعات البلاستيكية, أنها بذلك تطيل فترة بقاء ابنها العاطل في المنزل, أو تسهم في فقد زوجها لعمله بالمصنع الذي يعمل به, وتقلل من دخل شقيقها الطبيب, وابن شقيقتها الحرفي, فإنها من المؤكد ستحرص علي شراء المنتج المحلي, حتي ولو كان نسبيا أقل جودة أو أعلي سعرا. المزيد من مقالات ممدوح الولى