لقد حان وقت تناول سندويتش مربى البلح وحبات من التمر والكنتالوب السيناوى فقد كنت أحتفى على طريقتى بذكرى عودة سيناء إلى الوطن. وجلست أتعرف علي أخبار العالم من حولى.ولاحظت أن الإعلام فى كوريا الجنوبية بل وفى العالم أجمع قد سلط الضوء على حادث دفعت أهميته إلى إحتلال صوره الصفحات الأولى فى العديد من الصحف الكورية الجنوبية بالإضافة إلى العديد من الصحف الدولية ومواقع الإنترنت الرئيسية. فقد ظهرت صورة لبيل جيتس الملياردير الأمريكى الشهير وأغنى رجل فى أمريكا والمنافس الرئيسى على لقب أغنى رجل فى العالم (تقدر ثروته بأكثر من 67مليار دولار)وهو يصافح السيدة بارك جيون هاى الرئيسة الجديدة لجمهورية كوريا الجنوبية وهو يضع يده اليسرى فى جيبه خلال إستقباله فى المقر الرئاسى الكورى المعروف ب"القصر الأزرق"!! وسرعان ما تعرض جيتس للإنتقاد الشديد فى وسائل الإعلام الكورية واصفين تصرفه ب"الفظ"،لأنه صافح رئيسة البلاد بأسلوب غير رسمى لايليق إلا بأصدقاء أو صغار السن. لقد رفض الكوريون التغاضى عن الخطأ فى حق رئيسة بلادهم غير عابئين بإستثمارات جيتس ومبتكراته وأعماله الخيرية التى روج لها فى بلادهم.فالإحترام قابع على قمة أولويات الشعب الكورى وكرامة رئيسةالبلاد من كرامة كل كورى. وعندها تذكرت عبارة قالها الرئيس المصرى الراحل محمد أنور السادات أثناء الخطاب الذى القاه فى مجلس الشعب يوم 16 أكتوبر 1973 وهو الخطاب الشهير ب"خطاب النصر"الذى تحدث فيه إلى الشعب لأول مرة عن نصر أكتوبر،حيث قال:"لقد كنا نطمئن بعطف العالم ونحن الآن نعتز بإحترامه وأقول لكم بصدق وأمانة إننى افضل إحترام العالم ولو بغير عطف على عطف العالم اذا كان بغير إحترام". وكان للسادات كل الحق.فكافة دول العالم وشعوبه تفضل "الإحترام" على "العطف"، ماعدا دولة واحدة وحيدة تحترف إلى يومنا هذا إستجداء تعاطف العالم وتتخذه تبريرا لما ترتكبه من جرائم فى حق الشعوب الأخرى!! فالتاريخ يذكر أن غالبية الحروب الشهيرة التى جرت فى عالمنا كان الحفاظ على "الإحترام"عامل رئيسى من عوامل نشوبها أو على الأقل الحافز الرئيسى لخوضها. فضربة ب"منشة" على وجه سفير فرنسا لدى الجزائر كانت كفيلة لأن تشن فرنسا حربا على الجزائر وتستعمرها منذ عام 1830وحتى عام 1962!وحرب داحس والغبراء ،ومعركة ذى قار، بل وحرب طروادة الأسطورية التى تحدثت عنها أبيات الإلياذة ،كلها كان"الإحترام"هو محركها ودافعها الرئيسى. والطريف أن الرئيس السادات عانى من جلوس المسئولين الأمريكيين أمامه واضعين ساقا على ساق بإعتبار أن ذلك التصرف يعد شكلا من أشكال التكبر والخيلاء وكان الرد الأمريكى أكثر طرافة حيث أخذوا يؤكدون بشكل متكرر على أن هذا التصرف يعد "أمر طبيعى" لديهم!!مع أن أحدا لايملك صورة لرئيس أمريكى يجلس واضعا ساق على ساق فى وجه رئيس صينى أو روسى أو وجه ملكة بريطانيا!!لقد تخطى السادات الموقف حتى تستمر عملية السلام وتعود سيناء بأكملها إلى أرض الوطن. وهكذا فإن سعى الدول لنيل "الإحترام" فى الحاضر والمستقبل يعد هدفا ضحت وتضحى وستضحى الأمم من أجله بالملايين من البشر والأطنان من الذهب على مر الزمان. دارت تلك الأفكار فى ذهنى وأنا أنتهى من تناول قطع الكنتالوب السيناوى فنحيت الطبق جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت.