أسعار الدواجن والبيض مساء الاثنين 21 يوليو 2025 فى الأسواق    نيجيريا تعلن دعم ترشيح الدكتور خالد العنانى لمنصب مدير عام اليونسكو    بيان مشترك ل25 دولة: حرب غزة لابد أن تنتهي الآن.. ومعاناة المدنيين غير مسبوقة    تشكيل بيراميدز في مواجهة باندرما سبور التركي وديا    حسن شحاتة يخضع لجراحة عاجلة بعد أزمة صحية مفاجئة    نتيجة الثانوية العامة 2025 برقم الجلوس.. خطوات ورابط الاستعلام فور اعتمادها    «المسرحجي الفصيح».. ندوة بالمهرجان القومي للمسرح تحتفي ب أحمد عبدالجليل    عماد أبو غازي يتحدث عن السياسات الثقافية في مصر بمعرض مكتبة الإسكندرية للكتاب    أبو يطرح ألبوم «توبة» على طريقة الغناء الشعبى وسط أجواء حقيقية (فيديو)    صحة الدقهلية توضح حقيقة حالة الطفل المصاب إثر سقوط من علو    وزير الصحة يتابع تجهيز المخزن الاستراتيجي لفرع هيئة الرعاية الصحية بالإسماعيلية    أول ولادة لطفل شمعي من الدرجة المتوسطة بمستشفى سنورس المركزي بالفيوم    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا لرئيس الوزراء    لتعويض رحيل محمد إسماعيل ل الزمالك.. زد يطلب التعاقد مع مدافع المحلة    منتخب مصر للسلة يواجه إيران في بطولة بيروت الدولية الودية    تراجع سعر الريال السعودي في ختام تعاملات اليوم 21 يوليو 2025    جريمة أسرية في القليوبية.. والمباحث تكشف اللغز    محافظ المنوفية يتفقد شركة صيانة الآليات بميت خلف لمتابعة منظومة العمل.. صور    وزير التعليم العالي: "كن مستعدا" مبادرة متكاملة لتأهيل مليون شاب لسوق العمل    دارين حداد: "المداح نجح بالتعب مش بالكرامات"    10 انفصالات هزت الوسط الفني في 2025 (تقرير)    برلماني: مصر قطعت الطريق على "حسم" الإخوانية.. والأجهزة الأمنية تسطر نجاحًا جديدًا    الأمم المتحدة: يجب وقف إطلاق النار في غزة وإدخال المساعدات الإنسانية    لقطات حديثة لسد النهضة تكشف ما تخفيه إثيوبيا، البحيرة ممتلئة والأعمال مستمرة لتغطية التسرب    طريقة عمل الشيش طاووق بتتبيلة لا تقاوم    حدث في بنجلاديش .. سقوط 16 قتيلا جراء تحطم طائرة عسكرية سقطت بحرم مدرسة وكلية مايلستون    "الدراسات العليا" بجامعة قناة السويس يفتح باب القبول والتسجيل لبرامجه "دبلوم - ماجستير - دكتوراه"    حزب الجبهة الوطنية يعقد مؤتمرًا حاشدًا بكفر شكر لدعم مرشحه لانتخابات الشيوخ    فريق طبي بمستشفى كفر الشيخ الجامعي ينجح في إنقاذ مريضة تعاني من ورم    وزير الخارجية يؤكد حرص مصر على نقل خبراتها المتراكمة في مكافحة الإرهاب لدعم القدرات النيجيرية    ملتقى التفسير بالجامع الأزهر: حديث القرآن الكريم عن الليل والنهار شامل ودقيق لإظهار التعبير والمعنى المراد    ما الضوابط الشرعية لكفالة طفل من دار الأيتام؟.. الإفتاء توضح    المفتي يوضح حكم كيِّ الماشية بالنار لتمييزها    الزراعة تطلق منافذ متنقلة لبيع منتجاتها للمواطنين بأسعار مخفضة فى الجيزة    النفط والضرائب والسوق السوداء.. ثلاثية الحوثيين لإدارة اقتصاد الظل    وصول الطفل ياسين مع والدته إلى محكمة جنايات دمنهور مرتديا قناع سبايدر مان    المؤبد لطالب وشقيقه بتهمة قتل سيدة بمركز البلينا فى سوهاج    27 شهيدا جراء غارات الاحتلال على قطاع غزة منذ فجر اليوم    السيطرة على حريق في مصنع زجاج بشبرا الخيمة    التنمية المحلية تستعرض أبرز ملامح التجربة المصرية في توظيف نظم المعلومات الجغرافية    الشركة الوطنية للطباعة تعلن بدء إجراءات الطرح فى البورصة المصرية    أسامة الجندي يوضح حكم الأفراح في الشرع الشريف    حسن الصغير رئيسًا لأكاديمية الأزهر لتدريب الأئمة والدعاة    وزير العمل: التأمين الطبي لعمال «الدليفري» من ضمن أشكال السلامة المهنية    سوداني يوجه رسالة شكر للمصريين على متن «قطار العودة»: «لن ننسى وقفتكم معنا» (فيديو)    فات الميعاد.. أحمد مجدي: شخصية مسعد تعبتني.. وبحاول أتخلص منه لحد دلوقتي    الجامعة الألمانية تفتتح نموذجاً مصغراً للمتحف المصري الكبير في برلين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 21-7-2025 في محافظة قنا    ألونسو.. الأمل في استعادة فينيسيوس لتألقه مع ريال مدريد    أوكرانيا: مقتل شخص وإصابة اثنين آخرين في أحدث الهجمات الروسية    زعيم المعارضة الإسرائيلية: نهاجم في الشرق الأوسط حيثما نشاء دون سياسة واضحة    ناقد رياضي يكشف تطورات صفقة وسام أبو علي بعد الأزمة الأخيرة    أحمد غنيم: المتحف المصري الكبير هدية مصر للعالم    تعرف على حالة الطقس اليوم الإثنين فى الإسماعيلية.. فيديو    "صعبة".. وكيل مصطفى شلبي يكشف تفاصيل انتقاله للبنك الأهلي    "شباب النواب" تثمن الضربات الاستباقية لوزارة الداخلية في دحر البؤر الإرهابية    الشناوي يتحدث عن صعوبة المنافسة على الدوري.. وتأثير السوشيال ميديا    أنغام فؤاد ومنيب تتألق في صيف الأوبرا 2025 بحضور جماهيري كبير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خريطة الإنقاذ الوطني وتجاوز فجوة الشك والريبة
جمعية تأسيسية انتقالية تضم الشعب والشوري تنتخب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 12 - 2011

الغاشمة للعنف المفرط علي ساحة الثورة المصرية العظيمة تحتم علي المحبين لأم الدنيا القابضين علي جمر ترابها المقدس أن ترتفع هاماتهم وأفكارهم وسلوكياتهم. بالقدر الذي يمكنهم من اطلاق الشرارة الحقيقية لانقاذ مصر وتحرير ثورتها من أسر القوة الظالمة التي تطبق عليها لكتم أنفاسها حتي تحرمها من الحياة والوجود, ومع التدفق الهادر لشلال نزيف دماء الشهداء وتصاعد جرأة الترويع وجنونه إلي حدود هتك الأعراض وسحل الفتيات وتعريتهن بصورة بالغة الاستفزاز تصب في خانة الاهانة العمدية للمشاعر الدينية والحضارية والانسانية لأم الدنيا وتقلب عليها مواجع عذابات التاريخ وآلامه مما يدفع لإثارة السخط والفوضي والاضطراب ليس فقط بين جموع العقلاء والراشدين بل تمتد نيرانه المدمرة لتحريك وتحريض الغافلين والبلهاء, ويكشف كل ذلك الاصرار الشديد لقوي الثورة المضادة النافذة والمؤثرة علي تنفيذ مخطط واسع النطاق والمدي لاشعال الفتنة السياسية بين المصريين حتي لو استلزم ذلك حرق المجمع العلمي المصري وغيره من شواهد التاريخ الحضاري الأصيل, اضافة لنصب سيرك التخويف إلي درجة الرعب من نتائج تصويت الإرادة الشعبية في انتخابات مجلس الشعب علي الحريات الشخصية ولقمة العيش الضرورية, وهو ما يستعيد كل الخبرات الشيطانية الناجحة لنظرية فرق تسد ويستوجب ذلك من المصريين وقفة حازمة للتجمع والحشد تحت راية الثورة الموحدة من خلال مطالب وطنية مشروعة لا نقاش فيها ولا فصال حولها.
ومع مرور نحو العام علي انطلاق شرارة الثورة المصرية العارمة وما تعرضت له من مواجهات وصدامات في كل الساحات والقضايا فإن قوي الثورة لابد وأن تكون قد حازت حدا أدني من التمييز وحدا أدني من المعرفة والعلم بمخططات الفلول وأذناب التشكيل العصابي الاجرامي للعهد الفاسد البائد واختبرت نياتها الظاهرة والباطنة في معارك فعلية علي أرض الواقع أثبتت شراسة مافيا الطاغوت الأكبر واستماتتها في الدفاع عما نهبته وسرقته وعما كانت تحوزه من سلطة مطلقة واستبداد مروع تسلطت بها العباد وامتهنت كرامتهم, واستباحت أعراضهم وشرفهم, وفي ضوء هذه الخبرات المريرة فإن قوي الثورة وأطيافها المتعددة لابد أن تكون قد وعت الدرس جيدا واستوعبت كل أبعاد المؤامرة وفهمت بوضوح دور الأطراف المباشرة وغير المباشرة المشاركة فيها مما يدفعها بالضرورة للحشد المشترك باعتباره الوسيلة الوحيدة للمواجهة والضمانة الأصيلة لوصول الثورة إلي بر الأمان ويتطلب ذلك بشكل عاجل الترفع الشديد عن المصالح ضيقة النظر والنظرة وترك الخلافات حول التفصيلات والهوامش وترحيلها للمستقبل مع التركيز الشديد علي الأولويات العاجلة التي تضمن انقاذ مصر والثورة وتجاوز حوائط السد المنيعة وهدم خطوط بارليف التي يتحصن في داخلها الأزلام والصبيان يضاف لذلك حتمية التوافق الصارم علي خطوات بناء الدولة الديمقراطية والحكم المدني وتوقيتاتها الدقيقة العاجلة التي تزيل الهواجس والمخاوف المشروعة وتضع أم الدنيا علي أول عتبات طريق البناء والتقدم.
استدعاء النموذج التركي المتخلف وصناعة الفجوة بين الجيش والشعب
وفي ضوء الخبرات المريرة والقاسية علي امتداد ما يقارب العام من عمر الثورة المصرية فإن هناك مجموعة من القضايا المصيرية المتفجرة علي سطح الاحداث التي تستوجب أن يتم التوافق علي مواجهتها وتحديد الحلول الواجبة لها بأعلي درجات الشفافية وبعيدا عن كل صور الغموض والالتباس خاصة أن الحلال بالنسبة للكثير منها قد أصبح بينا والحرام بالنسبة لدقائقها وتفصيلاتها قد كشر عن أنيابه ومخالبه وظهرت نياته الحقيقية واضحة وضوح الشمس في منتصف النهار, مما لا يعطي فرصة للتردد وطلب التمهل ويأتي في مقدمة هذه القضايا المصيرية الملتبسة حتي الآن ما يلي:
(1) ما كشفت عنه الوثيقة الكارثية للسلمي وحكومة عصام شرف البائدة من سعي البعض بحكم تاريخهم الطويل والعريق في تمجيد وتألية السلطة المطلقة باعتبارها الحامي الطبيعي لمفاسدهم وتجاوزاتهم لاستدعاء النموذج التركي القبيح القديم وما كان يتضمنه من وضع خاص للجيش وقيادات المؤسسة العسكرية واعتبارها وفقا لقواعد دستورية وقواعد قانونية وقواعد عرفية متخلفة وديكتاتورية في حكم السلطة الأعلي التي تعلو كل السلطات وتملك القدرة علي غل يدها وتقييدها وتجعل من القيادات العليا للجيش المركز الحقيقي للشرعية والمشروعية في الدولة, وكان ذلك يعني في الحالة التركية الفريدة والنادرة أن سلطات الدولة الثلاث المتعارف عليها في كل دساتير العالم المتقدم والنامي علي السواء, وكذلك المتخلف وهي السلطة التشريعية السلطة القضائية السلطة التنفيذية قد أقامت فلول تركيا كمال اتاتورك سلطة رابعة تفوقها وتعلوها قادرة علي تحويل السلطات الثلاث إلي سلطات عاجزة وكسيحة ومجرد ديكور باهت علي مسرح الحياة السياسية والحياة العامة التي يحتكر الجيش السطوة والسيطرة عليها بكل مفرداتها ويملك حق الاطاحة بالسلطة التنفيذية في أي وقت بالاعلان عن انقلاب عسكري يطيح برجال الاحزاب الكرتونية من خشبة مسرح الأحداث بالرغم من أنهم يأتمرون بأمره وينفذون مشيئته.
(2) أن سعي وثيقة السلمي الكارثية ما كان يقتصر علي فرض مكانة خاصة للمؤسسة العسكرية وما كان يقتصر علي اغتصاب السلطة والنفوذ بما يتجاوز الإرادة الشعبية وحقها الديمقراطي في التعبير عن اختياراتها عن طريق صناديق الاقتراع ولكنه كان يستهدف مخططا شيطانيا متكاملا تم فرضه علي الدولة التركية لفترة تبلغ ثلاثة أرباع القرن من الزمن يهدف للقضاء علي الهوية الاسلامية للدولة, حيث ارتبطت تعاليم ومباديء كمال أتاتورك القائد الأعلي للنموذج الاجرامي بملاحقة من يصلي في مسجد ومن يجرأ علي المجاهرة بارتباطه بدينه وقام بشن حملة منظمة تابعها الذين من بعده لفرض العلمانية علي الوطن التركي وفصله عن تاريخه وتراثه وعقيدته, وبحكم أن كمال أتاتورك تعلم في المدارس اليهودية وعاش ثقافتها وحياتها في ظل والدته اليهودية فإن رفضه للاسلام والهوية الإسلامية كان قويا وصارما, وكان يبلغ مرتبه الهوس الجنوني بحكم تركيبه شخصيته كما أن انحيازه الشديد للثقافة الغربية وتبعية من خلفه في الحكم للمخططات الصهيونية الأمريكية الغربية وعدائه الحاد للعالم العربي والاسلامي والعلاقات الوثيقة والحميمة لتركيا مع الكيان الصهيوني وسطوة اليهود علي الاعلام والاقتصاد والتجارة في تركيا كانت جميعا افرازات لنظام أتاتورك الحاكم لتركيا ومازالت الكثير من اثارها وتأثيرها قويا علي ارض الاحداث تحت ظلال اللهاث التركي الزاعق للحصول علي عضوية الاتحاد الاوروبي المختلف عنها حضاريا ودينيا الذي تملك دولة موروثا تاريخيا اسود تحت حكم الامبراطورية العثمانية. ومحاولة وثيقة السلمي الفجة استدعاء النموذج التركي القبيح والمتخلف المنتمي لظلام القرون الوسطي بوحشيتها ودمويتها تعني درجة عالية من الجهل بوطنية الجيش المصري وولائه التام لهويتها ولشعبها, وحرصه الدائم علي امتداد التاريخ القديم والحديث علي مواجهة المخططات الخارجية بكل الهمة والحسم, كما تعني أيضا عدم ادراك معاني خروج الجيش للثورة علي فساد الملك فاروق وأعوانه وحاشيته ورفضهم للاحتلال البريطاني والرفض القاطع للكيان الصهيوني الغاصب والمخططات الهدامة الصهيونية الأمريكية الغربية.
(3) وقد جاءت وثيقة السلمي الكارثية لتفجير أوضاع الاستقرار الهشة علي أرض مصر وتسلحت في سبيل ذلك بكل الذرائع التي تثير الشك والريبة والفرقة بين الشعب والجيش, وسعت لهدم سد منيع بنته الثورة يؤكد أن الشعب والجيش يد واحدة, وذلك عن طريق افتعال معركة وهمية زائفة بين المجلس الأعلي للقوات المسلحة وبين الإرادة الشعبية وما تفرزه من خلال صناديق الاقتراع, والأكثر خطورة ما أثارته من تساؤلات واعتراضات حول وضع مبادئ فوق دستوريةتحول مواد الدستور إلي حبر علي ورق وتحول استفتاء الشعب لاقرار الدستور إلي فريضة منقوصة التأثير والفاعلية بحكم ما تضمنته الوثيقة التخريبية من مواد تعطي للمؤسسة العسكرية أوضاعا تتسم بالحصانة في مواجهة سلطات الدولة الثلاث وفي مقدمتها عدم خضوع ميزانية القوات المسلحة للعرض علي السلطة التشريعية والنأي بها عن الرقابة والمتابعة وهو الأمر الذي ما كان قائما في دستور1971 وتعديلاته ولافيما قبله من الدساتير وذلك علي الرغم من توافق الجميع في الماضي والحاضر والمستقبل علي خصوصية هذه الميزانية وما يجب احاطة مناقشتها به من ضمانات ومناقشات مغلقة حفاظا علي الأمن القومي المصري بالشكل الدستوري السليم المتعارف عليه عالميا في الديمقراطيات الحديثة المعاصرة.
(4) ولم يقتصر الاعتداء الغاشم علي الإرادة الشعبية وتحقير ما أفرزته من نتائج عن طريق صناديق الاقتراع التي اتسمت بدرجة عالية من النزاهة والشفافية والبعد عن تزوير إرادة الناخبين باعتراف الأطراف المحايدة داخليا وخارجيا بل امتد بصورة فجة لنصب كودية زار سياسية وإعلامية تصدرتها الفضائيات المملوكة للفلول الممولة من الخارج لإثارة فزع الانسان العادي والبسيط وترويعه من النتائج الوخيمة المترتبة علي اختياراته التي أصبحت اختيارات وفقا لمنطقهم الاعوج بمثابة اختيارات غير واعية وغير ناضجة تفتقر للفهم السياسي الصحيح والسليم وتؤثر بالسلب علي مستقبل الوطن والمواطن وهي حملة أثبتت انعدام فعاليتها المطلق مع تأكيد الانتخابات في مرحلتها الثانية علي نفس الاختيارات التي تمت في المرحلة الأولي يضاف لها تراجع الكتلة المصرية رافعة لواء الليبرالية والعلمانية الزائفة والمصطنعة بشكل ملحوظ في ظل لوثة التصريحات القاتلة بالاستقواء بالخارج وطلب التدخل المباشر في الشأن الداخلي والاستهزاء الممجوج بقواعد الشريعة الاسلامية بصورة فجة لا تستند لعلم أو معرفة بحقائق الاسلام, كما صنع نجيب ساويرس مؤسس حزب المصريين الاحرار تحديدا في تصريحاته للفضائية الكندية وكما يصنع بعض المتطرفين الطائفيين حتي لا نظلم كل مرشحو الكتلة بالرغم من تحملهم لوزر ومسئولية عدم رفض الاعتداء علي القيم السماوية الدينية كواجهة انتخابية التصقت بالكتلة وبالذات بحزب المصريين الأحرار.
ولا يمكن أن تقتصر الدعوات الجادة لحماية مصر والثورة علي مجرد تحديد القضايا المصيرية الواجب مواجهتها ورفع الالتباس عن جميع جوانبها حتي لاتسقط الامة فريسة للاوهام الكاذبة والخداع المصطنع بل تمتد لحتميات تحديد خريطة الطريق العاجلة للخروج من النفق المظلم خاصة أن تصريحات أحد اعضاء المجلس العسكري للصحفيين الأجانب قد أكدت علي تعميق المخاوف من القضايا الشائكة في وثيقة السلمي الكارثية وظهر من التصريحات وكأنها رغبة ومشيئة المجلس وخطة طريقه علي الرغم من نفي المجلس العسكري لهذه التصريحات وتبرئة نفسه من المسئولية عنها أو تبنيها, ولكن بعد أن كان الضرر قد تحقق بالفعل وأصيب الضمير الوطني في مقتل الترويع والشك وهو ما يحتم أن تتقدم القوي الوطنية بخريطة الانقاذ الوطني وأن يقوم المجلس الأعلي للقوات المسلحة بوصفه المكلف من الشعب بإدارة المرحلة الانتقالية باعلانها في صورة قرارات تنفيذية بالشكل القانوني اللازم, علي أن تتضمن التوقيتات العاجلة للتنفيذ, يضاف إلي ذلك إجراء التعديلات الواجبة علي الإعلان الدستوري بما يتوافق مع خريطة الانقاذ الوطني.
النموذج التونسي الناجح وقيام الدولة المدنية العاجل
ومع كل ما يقال علي أرض الواقع من نجاح النموذج التونسي لقيادة الثورة إلي شاطئ النجاة, وفشل النموذج المصري حتي الآن في تحقيق نجاح مماثل, ومسئوليته عن العنف المفرط والقمع المروع لطموحات الوطن وأمنه فإن المنطق البسيط يستوجب استدعاء النموذج التونسي بما يتوافق مع الظروف المصرية الراهنة, وبما يضمن الحفاظ علي تدعيم الخطوة الديمقراطية الحيوية المرتبطة بقرب انتهاء انتخابات مجلس الشعب بمراحلها الثلاث بحيث تصب في خانة الاسراع في تحويل السلطة الي سلطة مدنية منتخبة عن طريق الإرادة الشعبية, وهو ما يجب أن يتضمن بالدرجة الأولي والأساس احترام الإرادة الشعبية وتأكيد قبول خياراتها واختياراتها, والحرص علي توسيع نطاق دور الإرادة الشعبية عن طريق صناديق الاقتراع وذلك بالتركيز علي استكمال انتخابات مجلس الشوري التي تنتهي مع شهر ابريل القادم.
وحتي لا تتعجل مصر معركة انتخابات رئيس للجمهورية وحتي لا تتضارب هذه الانتخابات أو تتناقض مع اعداد الدستور الجديد واجراء الاستفتاء الشعبي عليه فإن اجراء تعديلات جوهرية علي التعديلات الدستورية الصادرة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة باعتباره سلطة سياسية تتضمن تحويل مجلسي الشعب والشوري الي جمعية تأسيسية ترسي قواعد الدولة المدنية للمرحلة الانتقالية يصبح هو الحل الأمثل والأسلم بحيث تعطي الجمعية التأسيسية بما تضمه من اعضاء منتخبين مباشرة من الشعب المسئولية المباشرة الكاملة لترتيب اوراق نقل الحلم للمدنيين والانهاء العاجل لشبهات عسكرة الدولة, بحكم انهم يعبروا عن الإرادة الشعبية الحرة وأن تصبح مسئوليتهم الاولي امتلاك سلطة انتخاب رئيس جمهورية مؤقت لمدة عامين علي أقصي تقدير من بين اعضائها أو من خارجها توسيعا لنطاق البحث عن الأصلح والأكفأ يضاف لذلك حق الجمعية التأسيسية في اختيار رئيس الوزراء وتكليفه بتشكيل الحكومة المسئولة أمامها وذلك بعد أن تقوم بانتخاب رئيس لها من بين اعضائها يتولي ادارة الجمعية التأسيسية واعمالها علي أن تتولي بتشكيلها الموسع اختيار اللجنة المختصة بوضع الدستور بالصورة التي تسهم في تعميق التوافق الوطني والرضا والقبول بين كل فئات الشعب وطوائفه علي اختلافها وتعددها وتنوعها ويتطلب ذلك ان يكون يوم اداء رئيس الجمهورية المنتخب لقسم الولاء للشعب هو يوم تسليم سلطة الحكم كاملة للشعب. وباعتباره الرئيس للدولة المصرية المدنية.
ويحقق تبني فكرة المرحلة الانتقالية المؤقتة علي امتداد عامين علي الأكثر الكثير من الرضا والقبول بين القوي السياسية المختلفة وفي مقدمتها قوي الثورة وائتلافاتها المتعددة كما يتيح درجة عالية من الثقة والاطمئنان للارادة الشعبية ويرفع درجة تحفزها لمتابعة ورصد من اختارتهم وتحديد قدرتهم علي الانجاز والنجاح يضاف لذلك أنه يتيح الفرصة الفعلية للعمل السياسي الهادئ والمنتظم لفترة زمنية معقولة بين الجماهير, تتيح فرصة الرصد والفرز المتأني للافكار والمواقف خاصة أن هذه الفترة لابد وأن تشهد حوارا مجتمعيا حيا وناضجا حول الدستور ومبادئه, يرتبط بشكل الدولة ونظامها وحدود سلطات المؤسسات المختلفة وسلطة رئيس الدولة اضافة للضمانات الواجبة للفصل بين السلطات وحقوق المواطن والحريات العامة والخاصة, وما يجب أن يحيطها من سياج دستوري وقانوني يحميها من التعسف والاستبداد ويحرسها من كل صور التعدي والانقضاض وما يرتبط بكل ذلك من أحاديث مهمة عن دور الشرطة والأمن, وعن تطهير الجهاز الحكومي والمؤسسات العامة ومعايير اختيار القيادات, ويأتي قبل كل ذلك وليس بعده هموم المواطن وشواغله في توفير فرصة العمل والتعليم الجيد والعلاج الصحي وتحسين المرافق والخدمات العامة واعادة الاحترام لآدمية المواطن وحقه في الحياة الكريمة اللائقة.
يعيش العالم في زمن لا يعرف بديلا عن احترام الإرادة الشعبية والنزول علي قراراتها واحترام مشيئتها وإرادتها تحت مسمي الديمقراطية والحرية والكرامة الانسانية, وتحت مسمي المشاركة السياسية وتفعيلها إلي أوسع مدي ونطاق باعتبارها الضمانة الأكيدة لملاحقة الفساد والفاسدين, وباعتبارها حائط السد المنيع في مواجهة اضغاث احلام الطغيان والاستبداد والديكتاتورية, وهو ما يحتم إلا يقع الشعب في فخ وهم صناعة الزعيم والزعماء أو يستريح لتفويض سلطاته وإرادته إلي القائد البطل والزعيم المفدي وهو ما يستلزم بأن يترسخ في أذهان الجميع أن الحكم مسئولية والسلطة أمانة وأن حكم القانون وسلطانه هو الفيصل في تعامل الحاكمين مع المحكومين وأن الجميع أمام القانون والقضاء سواء.
ويقدم الحكم الذي أصدرته محكمة باريس في الأسبوع الماضي في حق الرئيس السابق جاك شيراك والحكم عليه بالسجن سنتين بتهمة عدم الحفاظ علي المال العام لمجرد أنه وافق علي تعيين عدد من أعضاء حزبه في بلدية باريس عندما كان يشغل منصب العمدة نموذجا علي السلوك الحضاري الذي يجب أن يسلكه الجميع للبعد عن الشبهات, وما يثير القلاقل والفوضي بحديث البعض عن حصانة يملكها البعض لمجرد أنهم في الماضي كانوا ينتمون للمؤسسة العسكرية, وأن القضاء المدني الطبيعي لا يحاسبهم حتي بعد خروجهم من الخدمة, وكأن القاعدة القانونية الواجبة الاحترام يمكن أن تتلاشي في مواجهة أحاديث عن مزايا خاصة, وعن أوضاع متميزة لفئة محدودة من المصريين دون غيرهم.
لقد انتهي العصر والزمن الذي كان يتيح للبعض أن يفرض سلطته وسطوته من خلال استخدام القوة المفرطة والقمع المسلح لتصفية المناوئين فلم يعد من الممكن علي الاطلاق مثلا أن تتم اعادة تجربة محمد علي في أوائل القرن التاسع عشر بقتل جميع باكوات المماليك وتصفيتهم بعد دعوتهم للعشاء في قصره بالقلعة حتي ينفرد وحده بالسلطة والنفوذ كما لم يعد مقبولا أو ممكنا أن يعيد أحد تجربة نابليون بونابرت في الانقضاض علي الثورة الفرنسية وتنصيب نفسه امبراطورا بعد أن كان مجرد قائد للجيوش الفرنسية التي تدك حصون الدول الأخري الأوروبية والشرقية لرفع شعارات الثورة عن الحرية والمساواة والاخاء, خاصة بعد أن أصبح كل العالم قرية صغيرة بفضل الانترنت وادوات الاتصال الحديثة وقدرتها علي كشف الفضائح والتلاعب والمؤامرات وفضح القوة الظالمة المفرطة لحظة وقوعها علي مرأي ومسمع من كل العالم؟!
المزيد من مقالات أسامة غيث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.