افتتاح المعرض الفني لطلاب كلية التربية النوعية ب«جامعة أسيوط»    اختتام فعاليات المؤتمر العاشر لمنظمة المرأة العربية بإعلان القاهرة    الأمطار تخلق مجتمعات جديدة فى سيناء    «الخارجية» تصدر بيانا بشأن السفينة التي تقل بحارة مصريين قبالة السواحل الإماراتية    محافظ كفر الشيخ يفتتح محطة رفع صرف صحي قرية الشهابية    الوزير: تطوير الصناعات الوطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتى    باحث: الحوثي الورقة الأخيرة لإيران.. وإسرائيل تسعى لإنهاء وكلاء طهران    الرئيس السيسي يهنئ «فريدريش ميرز» لانتخابه مستشارًا لألمانيا    روسيا تشيد بالديناميكية العالية للاتصالات بين إيران وأمريكا    هل تحاول إدارة ترامب إعادة تشكيل الجيش الأمريكي ليخدم أجندتها السياسية؟    خاص| محمود حلمي: قرعة بطولة العالم لتنس الطاولة صعبة وفخور بتحقيق فضية شمال إفريقيا    مارتينيز يمنح الإنتر هدف التقدم أمام برشلونة    الزمالك يخطط لإيقاف قيد الأهلي بسبب زيزو    طقس الأربعاء.. شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 34    قضية حبيبة الشماع.. قرار من النقض في طعن سائق "أوبر"    وزير الزراعة: تطوير محطة الزهراء لتكون مركزًا عالميًا للخيول العربية    بدون مكياج.. نيللي كريم تتألق في أحدث ظهور لها    نجوم الفن وصناع السينما في افتتاح سمبوزيوم "المرأة والحياة" بأسوان    طلاب جامعة طنطا يحصدون 7 مراكز متقدمة في المجالات الفنية والثقافية بمهرجان إبداع    هل يجب على المسلمين غير العرب تعلم اللغة العربية؟.. علي جمعة يُجيب    ما يجب على الحاج فعله في يوم النحر    محافظ الإسماعيلية يستقبل السبكي خلال زيارته لمنشآت هيئة الرعاية الصحية    تزامنًا مع اليوم العالمي للربو 2025.. «الصحة» توضح 8 عوامل تزيد من المخاطر    بدون الحرمان من الملح.. فواكه وخضروات لخفض ضغط الدم    البنك الإسلامي للتنمية والبنك الآسيوي للتنمية يتعهدان بتقديم ملياري دولار لمشاريع التنمية المشتركة    "ثقافة الفيوم" تشارك في فعاليات مشروع "صقر 149" بمعسكر إيواء المحافظة    جولة تفقدية لوكيل مديرية التعليم بالقاهرة لمتابعة سير الدراسة بالزاوية والشرابية    من منتدى «اسمع واتكلم».. ضياء رشوان: فلسطين قضية الأمة والانتماء العربى لها حقيقى لا يُنكر    «النهارده كام هجري؟».. تعرف على تاريخ اليوم في التقويم الهجري والميلادي    أمين الفتوى: الزواج قد يكون «حرامًا» لبعض الرجال أو النساء    وفد البنك الدولى ومنظمة الصحة العالمية في زيارة لمنشآت صحية بأسيوط    "قومي المرأة" يشارك في تكريم المؤسسات الأهلية الفائزة في مسابقة "أهل الخير 2025"    ظافر العابدين ينضم لأبطال فيلم السلم والثعبان 2    بعد اغتصاب مراهق لكلب.. عالم أزهري يوضح حكم إتيان البهيمة    البابا تواضروس الثاني يزور البرلمان الصربي: "نحن نبني جسور المحبة بين الشعوب"    النائب العام يشارك في فعاليات قمة حوكمة التقنيات الناشئة بالإمارات    السعودية.. مجلس الوزراء يجدد التأكيد لحشد الدعم الدولي لوقف العنف في غزة    تأجيل محاكمة 7 متهمين في خلية "مدينة نصر" الإرهابية ل 16 يونيو    رئيس "شباب النواب": استضافة مصر لبطولة الفروسية تعكس مكانة مصر كوجهة رياضية عالمية    رئيس شركة فيزا يعرض مقترحًا لزيادة تدفق العملات الأجنبية لمصر -تفاصيل    منها إنشاء مراكز بيع outlet.. «مدبولي» يستعرض إجراءات تيسير دخول الماركات العالمية إلى الأسواق المصرية    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 في مصر والدول العربية    تأجيل محاكمة نقاش قتل زوجته فى العمرانية بسبب 120 جنيها لجلسة 2 يونيو    بعد رحيله عن الأهلي.. تقارير: عرض إماراتي يغازل مارسيل كولر    نائب وزير الصحة: تحسين الخصائص السكانية ركيزة أساسية في الخطة العاجلة لتحقيق التنمية الشاملة    كريم رمزي: الأهلي سيخاطب اتحاد الكرة بشأن علي معلول لتواجده في قائمة كأس العالم للأندية    جامعة كفر الشيخ تنظّم ندوة للتوعية بخطورة التنمر وأثره على الفرد والمجتمع    ضبط محل يبيع أجهزة ريسيفر غير مصرح بتداولها في الشرقية    الجيش الإسرائيلي يصدر إنذارا بإخلاء منطقة مطار صنعاء الدولي بشكل فوري    جزاءات رادعة للعاملين بمستشفى أبوكبير المركزي    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    عقب التوتر مع باكستان.. حكومة الهند تأمر الولايات بتدريبات دفاع مدني    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    "هذه أحكام كرة القدم".. لاعب الزمالك يوجه رسالة مؤثرة للجماهير    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    الزمالك يستقر على رحيل بيسيرو    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 6 مايو في مصر    للمرة الثالثة.. مليشيات الدعم السريع تقصف منشآت حيوية في بورتسودان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة الثانية وأشباح الدموية واستخدام القوة المفرطة
بناء الدولة المدنية العصرية‏..‏ وتفرغ الجيش لحماية الوطن
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 11 - 2011

علي الرغم من كل الشواهد التي تثبت انفلات غضب الشارع المصري مع تصاعد المخاوف الحقيقية من انحراف ثورة‏25‏ يناير عن مسارها الصحيح تحت الضغوط الرهيبة لفلول النظام البائد وتشكيله العصابي الاجرامي الفاعل بحرية علي امتداد الأرض المصرية‏. وصولا الي الحقائق الراهنة علي أرض الواقع القائلة بانطلاق شرارة الثورة الثانية في مواجهة العنف المفرط التي تتعرض لها الثورة السلمية من قوي الأمن لتعيد الي الأذهان اعتي صور البطش والاستبداد والطغيان, إلا أن ذلك بالرغم من كل هوله ومأساويته يجب ألا ينسينا أن الثورة الأولي قد نجحت تحت شعار الجيش والشعب يد واحد ويحتم التأكيد علي أن نجاح الثورة الثانية لن يتم إلا بدرجة عالية من الوعي والادراك تمنع تماما الصدام بين الجيش والشعب وهي مسئولية تاريخية لا يتحملها فقط المجلس الأعلي للقوات المسلحة بل يشاركه في تحملها كل القوي السياسية الوطنية وفي مقدمتها ائتلافات الثورة وجموع الشباب والمواطنين الذين لاينتمون للأحزاب الكرتونية الوهمية ولايعترفون بغوغائية النخب الانتهازية ويرفضون رفضا قاطعا عقلية القطيع والأذناب والعملاء التي تدار بها العديد من الكيانات السياسية المشوهة الطافية بالزور البهتان علي سطح الحياة السياسية المصرية وهي في حقيقة الأمر تشارك بكل الهمة والنشاط في سرقة الثورة وتزييف وعيها وإرادتها.
وقد يكون الاصرار والتوافق العاجل علي الفهم الصحيح لأساليب الحفاظ علي كرامة المؤسسة العسكرية المصرية وصيانة قدرها ومكانتها وعدم السماح بتعريضها للادعاءات والأباطيل الكاذبة بحكم أنها الحامية لأمن الوطن وسلامته وبحكم أنها درعه القوية التي تتكسر عليها نصال التحديات المروعة للأمن القومي المصري هو ما يشكل المدخل الصحيح الوحيد لانطلاق الحوار الايجابي بين القوي الوطنية بما يضن الحفاظ الكامل في نفس الوقت واللحظة علي كرامة الثورة وشرف الثوار ونفاذ الطموحات المشروعة لبناء المستقبل وهو ما يستوجب درجة عالية من النزاهة والحفاظ علي الكرامة والمصلحة الوطنية بكل معانيها وبكل جوانبها وفي ظل ما ذكره المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة في بيانه الأخير للأمة من الضغوط غير المحتملة وغير المقبولة الي يعاني منها المجلس في ادارته السياسية لشئون مصر, فإن الحل العاجل البديهي يجب أن يرتبط بتخلي المجلس عن المسئوليات السياسية التي تعرض المؤسسة العسكرية للدخول رغما عنها في دوامة الصراع السياسي المنفلت وهو ما لايقبله أي مصري نزيه بحكم المخاطر الجمة الي تتعرض لها الدولة المصرية وما تستوجبه من تفرع الجيش بالكامل للمهمة المقدسة المرتبطة بحماية أمن مصر وسلامتها وعدم الوقوع في مصيدة الانشغال بما يخالف هذه المهمة الجسيمة خاصة وأن المجلس العسكري قد أكد منذ اللحظة الأولي لتولية المسئولية أنه ليس بديلا عن الارادة الشعبية وانه لايرغب في الاستمرار في السلطة ولايرضي بالسطوة عليها كما أكد أنه مؤتمن علي إدارة مرحلة انتقالية بخارطة طريق تضمن اقامة المؤسسات الديمقراطية وبناء مؤسسات الدولة التي تعبر عن الارادة الشعبية وتعكس طموحات الثورة في الحرية والعدل الاجتماعي والقضاء علي الفساد ورموزه.
الأداء الهزيل لحكومة شرف والأهمال المتعمد للمطالب المشروعة
ومع ضرورات لا نقاش حولها تحتم التوافق الوطني والالتزام بالاستماع لصوت الثورة حتي لاتغرق مصر في الفوضي والاضطراب وتتكسر عظامها تحت ضربات قوي الداخل والخارج الفاسدة ومخططاتها الفاعلة التي يحذر منها دوما المجلس الأعلي للقوات المسلحة, فإن الاستماع المرهف للصوت الحقيقي للانسان المصري الذي يشكل دائما الأغلبية الصامته الحارسة للثورة ومسارها لابد وأن يكون في مقدمة أولويات المجلس وعلي رأس أولوياته واذا كانت هناك قوي مختلفة قد شككت في نوايا المجلس الحقيقية وتوجهاته الفعلية ونشرت حديثا مفصلا عن رغبته في الاستئثار بالسلطة والبقاء علي قمة هرمها فإن الافعال الجازمة والحاسمة لابد وأن تكون هي الرسالة القاطعة الصادرة عن المجلس بحكم أن اشاعة الطمأنينة في العقول وفي الوجدان المصري لدي القاعدة العريضة من الشعب تصبح مطلبا رئيسيا لحماية الدولة وضمان مصالحها وتجنبها الوقوع في فخ الفوضي والاضطراب الذي تخطط له وتحرص عليه القوي الرافضة للثورة والرافضة في نفس الوقت واللحظة أن تستعيد الدولة مكانتها وقدرها وأن يستعيد الشعب كرامته وشرفه واحترامه لنفسه وفرض هذا الاحترام علي الآخرين من خلال امتلاك عناصر القوة الكاملة بمفهومها الشامل التي يأتي علي رأس من يتحدثون بها ويؤكد عليها الخبراء العسكريون لادراكهم الواسع لأهمية وحتمية المنظور الاستراتيجي الشامل في بناء قوة الدول والشعوب
وبالرغم من التسليم والادراك الواعي بالمخططات النشيطة لهدم وتقزيم مصر من بوابة الانقضاض علي الثورة حتي يستعيد النظام البائد العميل الفاسد السطوة والسيطرة علي كامل مقاليد الأمور, إلا أن ذلك لاينفي علي الاطلاق أن هناك مؤشرات شديدة السلبية علي أرض الواقع أدت الي تصاعد حدة الغضب والرفض لدي قطاعات عريضة من الشعب وأسهمت في صناعة مشاعر ومخاوف حقيقية من سرقة الثورة واغتيال طموحاتها وايقاف مسيرتها بشكل متعمد وممنهج وارتبط ذلك بالدرجة الأولي بالأداء الهزيل لحكومة الدكتور عصام شرف والعجز شبه الكامل عن مواجهة التحديات الرئيسية التي تزعج المواطن وتخيفه وتدفع به للسخط والغضب الشديد وفي مقدمة شواهد الأداء الهزيل وانعدام الكفاءة الي درجة انعدام الرغبة في تحمل المسئولية كل ما يحيط بالمجتمع والمواطنين من مظاهر متصاعدة للانفلات الأمني وما يدور ويتردد عن مشاركة جزء من جهاز الشرطة في المسئولية المباشرة عنه أو علي الأقل التقاعس الشديد في مواجهته وتقليم اظافرة حتي بعد مرور شهور من الثورة.
ولا يقل تأثيرا عن الفراغ الأمني ما يرصده المواطن العادي البسيط من استمرار سلوكيات النظام الإجرامي البائد والواضح في تعاملات جزء من معاملات جهاز الشرطة مع المواطن, وعمليات العنف غير المبررة في التعامل مع الطلبات العادية للمواطنين أو علي الأقل القدر الكبير من السلبية والتجاهل, وهو الحال الذي لم يقتصر علي جهاز الأمن, بل امتد بشكل كبير لكل الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن في حياته اليومية, كضروريات مثل غياب النظافة والتقاعس في أعمالها, ومثل عدم توافر سلع حيوية مثل البنزين وأنبوبة البوتاجاز وسط تصريحات مستفزة تؤكد أن الأزمات مفتعلة, وأن المتاح للاستهلاك يزيد عن المعدلات اللازمة والمطلوبة مما أعطي أنطباعا أكيدا لدي جموع المواطنين بأن منظومة الاستنطاع والاستهبال بالإدارة الحكومية التنفيذية مازالت, كما هي دون أي قدر من التغيير فيما يخص الاستهانة بالمطالب الضرورية المشروعة اللازمة لحياة المواطن الإنسان.
وقد تصاعدت الفجوة في ظل بقاء الأوضاع الاقتصادية والمالية علي ما هي عليه بالعجز عن وضع حد اقصي للاجور والمنع الفوري للاجور الفاجرة للقلة القليلة والاصرار علي ترك الاحتكارات الإجرامية تنهش في لحم المواطن البسيط وتحرمه بالارتفاعات المجنونة في الاسعار من المقدرة علي توفير ضرورات الحياة اليومية وارتفعت حدة الترويع الاقتصادي باستمرار سياسات الانفاق في الموازنة العامة للدولة وسياسات تجميع الايرادات للخزانة العامة, كما هي بغير تعديل تحابي الأغنياء وتقتر علي الفقراء والأقل دخلا بشكل فج ومستفز فقد تحولت مطالب العدالة والاجتماعية وحقوق المهمشين إلي مطالب فئوية لا يمكن تدبير تكاليفها في حين أن عشرات المليارات الموجهة لدعم الأغنياء, وفي مقدمتها دعم الطاقة للمصانع كثيفة الاستخدام للطاقة التي لا يستفيد منها بشكل فعلي جموع المواطنين, ومجمل النشاط الاقتصادي بقيت كما هو, وكذلك الأمر بالنسبة لفرض ضرائب تصاعدية علي الأكثر دخلا وثروة وما يمكن ان يحققه من إيرادات جديدة غير قليلة لمواجهة النفقات الضرورية ولمواجهة العجز المرتفع بالميزانية فقد بقيت الأمور ايضا علي ما هي عليه حتي مع تولي الدكتور حازم الببلاوي منصب نائب رئيس الوزراء ووزير المالية, حيث أعلن مع اللحظات الأولي لتوليه المسئولية أن الميزانية لن تتغير, وكأنه يعلن للشعب حرصه علي وصية الحزب الوطني المنحل وفكرة الجديد الأصولي النابع من اعماق الرأسمالية المتوحشة.
إنعدام كفاءة حكومة شرف وتأخر تدخل العسكري للإصلاح
وقد تواصلت حلقات الهجوم الممنهج والمخطط من حكومة الدكتور عصام شرف علي كل الطموحات المشروعة للثورة بدرجة صنعت يقينا بأن هناك رضا وقبولا من المجلس العسكري, لما يتم أو علي الأقل أثارت تساؤلات عن صمت المجلس عن مواجهتها وردعها بشكل حازم تفعيلا لمسئولياته باعتباره الممثل للسلطة الأعلي في الدولة وصاحب قرار التعيين, وقرار العزل والأقالة لرئيس الوزراء, وكل الوزراء بحكومته, خاصة وأن المجلس يتحمل مسئوليات ضخمة علي عاتقة, فهو ليس المسئول عن رأس الدولة التنفيذية, بل هو أيضا يمارس سلطة التشريع في غياب البرلمان, وبالتالي, فهو مسئول عن سلطة الرقابة, وما تعنيه من حتمية المسئولية عن ضمان مسئولية جودة وكفاءة التنفيذ للحكومة باعتباره واجهة السلطة التنفيذية وتضخمت المخاوف مع التقاعس الشديد في تطهير المؤسسات الرئيسية من رموز النظام الاستبدادي المرتبطين بالفساد والمعاناة الشديدة للدولة والمجتمع والمواطن وتصاعد الاستفزاز إلي درجة المواجهة المباشرة مع حرص الحكومة علي استدعاء الفلول الثابت عليهم المشاركة المباشرة والفعالة في الفساد ومع المفسدين لتولي المناصب العليا والمؤثرة في ظل تعمد واضح لتأخير صدور قانون العزل السياسي والتطهير مما عمق مخاوف فساد الانتخابات التشريعية وعودة رموز الحزب الوطني المنحل ورموز الانحراف السياسي والاقتصادي للسطوة والسيطرة علي مقدرات مصر, وبلغ الحال حدود الشك في المسئولية المباشرة عن خيانة الثورة بالسعي لإصدار تشريعات تعفي رموز الفساد المالي والاقتصادي من المسئولية الجنائية بحجج واهية عن تأمين مناخ الاستثمار وطمأنه المستثمرين, وكأن حماية اللصوص هو المدخل السليم لذلك, وكأن تأمين أصحاب الثروات الحرام هو اهتمام الحكومة الأول وطلقتها الأخيرة.
وثيقة السلمي الكارثية وصناعة مخاوف عسكرة الدولة
ولم تتوان الحكومة للحظة واحدة عن إثارة الفزع السياسي بين جموع المواطنين بما كان يعلنه الدكتور يحيي الجمل نائب رئيس الوزراء السابق, وما يروج له من تشريعات, وما يطرحه من مقترحات لتمكين الاستبداد وسطوته, وتأمين الفساد ورموزه وإشاعة الفوضي والاضطراب في الدولة والمجتمع وتصفية الحسابات مع الخصوم, وممن يختلفون معه في الرأي والرؤية, وجاء الدكتور علي السلمي نائب رئيس الوزراء للتنمية السياسية ووزير قطاع الأعمال ليعيد الروح الشريرة بالأمر المباشر لوثيقة المباديء الدستورية الكارثية, ويهدم بها الاستقرار المجتمعي الهش, ويسهم في صناعة فوضي غير مسبوقة لأن الوثيقة التي طرحها قد أكدت صحة كل المخاوف التي هي في الصدور, حيث تضمنت موادها تحديدا صريحا يضمن البقاء الأبدي للحكم العسكري للدولة المصرية مع التهميش الكامل لدور مؤسسات المجتمع التشريعية في القيام بمسئوليتها الأصيلة في الرقابة علي انفاق أموال الشعب, وهو ما يعني بشكل صريح منح المؤسسة العسكرية حصانة تعلو بها فوق السلطات, وتتحكم من خلالها في كل السلطات بحكم ما تضمنته الوثيقة من تأكيد عن مسئوليتها عن حماية الإرادة الشعبية وما تعنيه من احلالها بديلا عن هذه الإرادة بخلاف ما تضمنته الوثيقة من أمور معيبة تقيد حرية الصحافة والاعلام.
وقد نتج عن هذه الوثيقة الكارثية دخول قوي المجتمع الوطنية في خانة المواجهة قهرا وغصبا لانها تعني النهاية لقيم ثورية أصيلة ترتبط بمدنية الدولة وديمقراطيتها وترتبط بأن الشعب هو المصدر الرئيسي للسلطات كما تنص جميع الدساتير المصرية بالرغم من كل ما يشوبها من وعوار ونقص وما تعرضت له من اعتداءات سافره بالتعديل والتشويه من السلطات المستبدة وكان من الممكن بالاعلان عن وفاة تلك الوثيقة الكارثية وترك المسار الديمقراطي ليحدد الاختيارات والخيارات في ظل رقابة الارادة الثورية للشعب اللصيقة والدائمة أن ينزع جانبا مهما من فتيل الازمة القائمة حاليا وأن يعيد الكثير من جسور الثقة المهدمة والمفقودة وكل ذلك يرتبط ارتباطا وثيقا بالاعلان عن عدم استمرار الدكتور علي السلمي المسئول عن اثارة الهواجس السياسية عن عدم استمرار الدكتور حازم الببلاوي المسئول عن اثارة الهواجس الاقتصادية وكذلك عدم استمرار اللواء منصور عيسوي وزير الداخلية المسئول عن اثارة الهواجس الأمنية والمتهم بالمسئولية عن قتل الثوار, وضرورة التزام الدكتور كمال الجنزوي المكلف بتشكيل حكومة جديدة باستبعاد كافة رموز الفتنة ومسارعته بالاعلان عن الرفض القاطع لما صدر عن الحكومة المقالة عن الحكومة من تأييد لما صنعته قوات الأمن من مذابح واستخدام للقوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين الذي وصل في الأيام الماضية الي اتهامات مباشرة باستخدام غاز الخردل المحرم دوليا في الحروب ضد المواطنين المصريين العزل.
خارطة طريق جديدة لانقاذ مصر بالنموذج التونسي
ومادام أن هم انقاذ مصر من الكارثة يسبق غيره من الهموم ومادام أن التأكيد علي حسن النية والالتزام بالمطالب المشروعة للثورة يأتي في مقدمة العوامل الدافعة لضمان الانقاذ العاجل والسريع فإن التوافق علي خارطة طريق جديدة تماما لضمان البناء الديمقراطي المنضبط والعاجل وإزالة جميع المخاوف المتصاعدة خلال الفترة الماضية يصبح هو المطلب الواقعي الذي يفرض نفسه علي القوي الوطنية الفاعلة بعيدا عن الأهواء وخارج سياق المصالح وأحاديث الانتهازية السياسية ويفيد في ذلك بالقطع النموذج التونسي الذي أوصل السفينة إلي بر الأمان الديمقراطي بشكل قاطع تمكنت من خلاله الارادة السياسية الشعبية للثورة أن تفرض حكما مدنيا شاملا بطاقة واحدة ليتم انتخاب رئيسا للجمهورية ورئيسا للوزراء ورئيسا للمجلس التأسيسي الذي هو السلطة التشريعية المؤقتة المنوط بها وضع الدستور بأسلوب ديمقراطي يعبر عن الاختياز الشعبي الديمقراطي.
ويحتاج إزالة الالتباس في الشأن المصري وهو التباس ما كان قائما في الوضع التونسي بحكم أن المؤسسة العسكرية خرجت بالرضا والتراضي من سياق السلطة والتناحر السياسي والمعارك بين القوي السياسية المتصارعة منذ اللحظة الأولي وبقيت في موقعها شاهدة علي الثورة وحارسه للوطن وتطلعاته المشروعة أن تتحول الانتخابات المصرية عن وجهتها الراهنة بإعلان دستوري مختصر جديد يدعو خلال شهرين لانتخاب جمعية تأسيسية بعيدا عن شروط العمال والفلاحين وغيرها من الشروط المحبطة تتولي حال انتخابها القيام بانتخاب رئيس جمهورية مؤقت واختيار رئيس للوزراء وانتخاب رئيس للسلطة التشريعية الانتقالية والبدء في الاعداد الفوري للدستور وهو ما يعني الانتقال العاجل والمأمون للسلطة ويعني ازالة جميع تشابكات الالتباس والغموض.
ويضمن تطبيق النموذج التونسي, نزع فتيل التوتر والاشتعال حتي تطمئن جميع الاطراف الي قيام الدولة المدنية الحديثة كما يضمن فض الاشتباك بين المؤسسة العسكرية وبين ساحة الاقتتال السياسي الصاخبة بكل ما يحيطها من صراعات ومهاترات يجب أن ينأي الجيش بنفسه عن الخوض فيها والتعرض لنيرانها الصديقة أو المعادية بحكم ما للجيش من كيان خاص يجب أن يحرص الجميع علي صيانته ومن بين أساليبه ضمان الدرجة الملائمة والمعقول من السرية لميزانيته ونفقاته وأعماله بالتوازي مع ضمان الرقابة الشعبية علي أمواله وثرواته تحقيقا للشفافية ورفعا للحرج عن جميع الأطراف وتأكيدا علي قيم الانضباط والنزاهة التي تتصدر أعمال القوات المسلحة في الدول المتقدمة علي امتداد خريطة العالم.
وحتي يتم ضمان نزاهة وصلاحية الانتخابات المقبلة للمجلس التأسيسي حالة التوافق عليه لا بديل عن صدور تشريع في سطور قليلة يتم بمقتضاه حرمان قيادات الحزب الوطني المنحل من الحقوق السياسية لمدة خمس سنوات لكل المرشحين لمجلسي الشعب والشوري من اعضاء الحزب المنحل علي امتداد حكم النظام البائد الفاسد وكل من تولي المنصب الوزاري ومنصب المحافظ ورئاسة المؤسسات والهيئات العامة والمسئولين عن التعذيب وجهاز أمن الدولة واعضاء رئاسة المجلس الأعلي للسياسات بالحزب المنحل والأمانة العامة وقيادات المحافظات ومكاتبها التنفيذية وأعضاء المجالس المحلية للمحافظات وهو عدد لن يتجاوز الخمسة آلاف ويحقق تنفيذه درجة معقولة من الرضا والقبول بنزاهة العملية الانتخابية الديمقراطية خاصة اذا أضيف لهم العزل السياسي لرموز رجال الأعمال الذين تربحوا بشكل فاحش من نهب الثروة المصرية والاستيلاء عليها بالتعدي علي القانون ومن ساعدهم في ذلك من جميع المواقع وسهل لهم عمليات النصب والاحتيال والسرقة ولن يزيد عددهم أيضا عن خمسة آلاف آخرين وبذك يرتاح ضمير مصر ويتم تأمين مسار الثورة وضمان الثقة والطمأنينة في تحقيقها لجميع الطموحات المشروعة وازالة كافة صور واشكال الالتباس والشك التي تم صناعتها في ظل التركيز علي صرف الاهتمام العام وشغله بقضايا الحواشي والذيول؟!
المزيد من مقالات أسامة غيث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.