منذ جيء بالدكتور يحيى الجمل نائبا لشفيق وهو يحاول الالتفاف على نتائج الاستفتاء وفرض الوصاية على المجلسين التشريعيين وجمعيتهما التأسيسية المنتخبة القادمة بوثيقة "المبادئ الأساسية لدستور الدولة المصرية الحديثة"، وذهب الدكتور الجمل وجاء الدكتور علي السلمي فإذا بالملف يفتح مرة أخرى وقد ضم إليه ما هو أخطر تحت عنوان "معايير تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد للبلاد"!!! وقد أعلن الدكتور علي السلمي الوثيقتين في اجتماع حضره بعض رؤساء الأحزاب وغلب عليه حضور الكثير من أعضاء ورموز الحزب الوطني المنحل. ومتن وثيقة المبادئ الدستورية يعصف بمقدمتها التي تتحدث عن "الحرية والعدل والمساواة وما قدمناه للحضارة الإنسانية،وبناء وتحصين دولة القانون بمقوماتها المدنية الديمقراطية الحديثة، وأن الشعب هو مصدر السلطات، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال المصادرة على إرادته بوضع مبادئ فوق دستورية لا تتغير،ودونما الحاجة إلى إعلان دستوري بشأنها أو غيره، حيث تكفى إرادة الشعب. وضماناً لتحقيق أهداف الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير 2011 في الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، واستلهاما لروح هذه الثورة التي توحد حولها المصريون بأطيافهم المتنوعة، واحتراماً ووفاء لأرواح شهدائها وتضحيات ونضال شعبنا العظيم في ثوراته المتعاقبة". مقدمة تتحدث عن قيم نبيلة يعصف بها في متن الوثيقة وكأنه طبق من السم مغطى بالعسل. وإزاء الرفض الشعبي للوثيقتين يحاول المجلس العسكري وحكومته التراجع بتعديل بعض المواد، ولكن القضية ليست مادة هنا أو هناك، بل هي مسألة مبدأ، هل يجوز إصدار مثل هذه الوثيقة وفرض الوصاية على الشعب وعلى المجلسين أم لا؟.فإذا لم يكن هذا جائزا أفلا يستوجب ذلك سحب تلك الوثيقة الفتنة وعدم فتحها مرة أخرى؟ وإذا رفض المجلس العسكري وحكومة الدكتور شرف سحب الوثيقة أفلا يستوجب ذلك انسحابهما وتسليم السلطة لسلطة مدنية منتخبة؟ ***** هل نحن جادون أم لا؟، إذا كنا جادين فإن ممارسات المجلس العسكري وحكومته ونائب رئيس حكومته هي هزل في موقف الجد. نحن بصدد انتخابات مجالس مصر التشريعية، فإذا بالمجلس العسكري وحكومته ونائب رئيس حكومته ينزعون من تلك المجالس صلاحياتها قبل أن تبدأ بما يمثل عملا غير جاد وفي توقيت غير مناسب يحدث فتنة يصعب مواجهتها في ظل انفلات ووضع أمني متردي نحاول ترميمه قبل الانتخابات. لقد نصت التعديلات الدستورية والإعلان الدستوري في مارس الماضي على "ينتخب أغلبية أعضاء المجلسين غير المعينين في اجتماع مشترك جمعية تأسيسية من مائة عضو تتولى إعداد مشروع الدستور" وهو الدستور الذي يؤسس لمستقبل مصر، فإذا بالمجلس العسكري بوثيقة السلمي يقلص العدد إلى عشرين ويفرض على المجلسين ثمانين من خارجهم وفقا لمعايير تمكن لفلول الحزب الوطني الأغلبية المطلقة للجمعية التأسيسية!!!!!!!!!!. إن هذه الوثيقة تسحب صلاحيات مجلسي الشعب والشورى في انتخاب اللجنة التأسيسية فهي تعد افتئاتا على التعديلات الدستورية والإعلان الدستوري لفرض 80 عضوا في اللجنة من خارج مجلسي الشعب والشورى وتحديد 20 مقعد فقط لأعضاء المجلسين. وتعطي الوثيقة المجلس العسكري - المجلس الأعلى للقوات المسلحة - الحق في الاعتراض على بعض مواد الدستور المقترحة - بحجة تعارضها مع المقومات الأساسية للدولة - وتفرض مدة زمنية أسبوعين على الأقل للاستجابة لطلبات المجلس العسكري فإذا لم توافق الجمعية التأسيسية يتم الاحتكام إلى المحكمة الدستورية العليا، لتصدر قرارها خلال أسبوع وإذا تكرر هذا الموقف خلال الستة شهور - وهو متوقع - يحق للمجلس العسكري - بما له من سلطات رئيس الجمهورية - الاعتراض ليستنفد وقت الجمعية التأسيسية، وإذا لم تنته الجمعية من إعداد الدستور خلال الستة شهور المحددة يقوم المجلس العسكري - بما له من سلطات رئيس الجمهورية - إلغاء الجمعية التأسيسية وتشكيل جمعية جديدة لصياغة الدستور - وفقا لنفس المعايير - متناسيا تعطيله للجمعية التأسيسية باعتراضاته المتكررة، وهذا افتئات على الديمقراطية وعلى مكتسبات 25 يناير وإصرار من المجلس العسكري على ممارسة الصلاحيات غير المحدودة لرئيس الجمهورية حتى الرمق الأخير - والذي لا يعرف أحد متى سيكون؟. ***** إذا تركنا وثيقة "معايير التشكيل" وانتقلنا إلى وثيقة " المبادئ الأساسية للدستور" نجد أن المادتين الأخطر هما المادتين ( 9 - 10 ) الخاصتان بعلاقة القوات المسلحة بالدولة وباقي مؤسساتها. تنص المادة(180) من دستور 1971 على أن "الدولة وحدها هي التي تنشئ القوات المسلحة, وهي ملك للشعب, مهمتها حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها, ولا يجوز لأية هيئة أو جماعة إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية" فإذا بوثيقة الجمل المعدلة بوثيقة السلمي وبمباركة المجلس العسكري تضيف في مادتها التاسعة لمهام القوات المسلحة مهمتين لم تكونا موجودتين في دستور 1971 "الحفاظ على وحدتها وحماية الشرعية الدستورية" كما تضيف لمهام المجلس الأعلى للقوات المسلحة ثلاث مهام جديدة لم يكن منصوصا عليها من قبل "ويختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره بالنظر في كل ما يتعلق بالشئون الخاصة بالقوات المسلحة - ومناقشة بنود ميزانيتها على أن يتم إدراجها رقماً واحداً في موازنة الدولة - كما يختص دون غيره بالموافقة على أي تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل إصداره". وفي هذا عزل للمؤسسة العسكرية بالكامل عن مؤسسات الدولة وغياب للشفافية وتقليص لدور مجلس الشعب في مناقشة ميزانية القوات المسلحة وهذا تقنين أو شئنا الدقة "دسترة" للممارسات الخاطئة للرئيس المخلوع طوال ثلاثين عاما بمنع مجلس الشعب من مناقشة اتفاقيات استيراد السلاح بما فتح أبوابا واسعة للفساد، وإذا كانت هناك بنود تتسم بالسرية، فلا مانع من مناقشتها في سرية داخل لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب، وفي الوقت التي تعزل فيه الوثيقة المؤسسة العسكرية عن باقي مؤسسات الدولة فإنها تعطيها حق التدخل والهيمنة والتسلط وضرب الديمقراطية بحجة حماية الشرعية الدستورية، وهو وضع غير موجود في أي من دول العالم باستثناء تركيا التي وجد فيها هذا الوضع في سياق تاريخي معين وهو وضع شاذ في طريقه للزوال. لا يمكننا بالقطع إلا أن نعطي للقوات المسلحة دورها وقدرها ولكنها لا يمكن أن تأخذ وضعا استثنائيا مخاصما للشفافية والديمقراطية أو أن تكون فوق القانون أو دولة عسكرية مستقلة ذات سيادة داخل دولة تحكمها سلطة مدنية منتخبة، وفي الوقت الذي نسعى فيه للحد من صلاحيات رئيس الجمهورية فإنه لا يمكن استبدال ذلك بسلطات واختصاصات واسعة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، كما لا نقبل بتحويل الثورة إلى مجرد انقلاب عسكري يمنح المجلس العسكري حصانة تمنع مجلس شعب منتخب من مراقبة أدائهم ومناقشة ميزانية القوات المسلحة بدعوى حماية الأمن القومي. وتنص المادة(150) من دستور 1971 على أن "رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو الذي يعلن الحرب بعد موافقة مجلس الشعب" وتشترط وثيقة السلمي طرفا جديدا للموافقة على إعلان الحرب هو المجلس العسكري وهو تعديل محمود ولكن بعد أن يتم الموافقة عليه من الجمعية التأسيسية وبعد موافقة الشعب على مشروع الدستور الجديد في استفتاء عام. ثم تعطي الوثيقة نفس الحق الذي أعطته للمجلس الأعلى للقوات المسلحة للمجالس العليا للهيئات القضائية "نظر كل ما يتعلق بشئونها ويجب موافقتها على مشروعات القوانين المتعلقة بها قبل إصدارها" فإذا نحن قد أعطينا وضعا استثنائيا للقوات المسلحة ووضعا استثنائيا للقضاة فستطالب باقي الفئات "أساتذة جامعات وشرطة وأطباء ومحامين .... الخ" بأوضاع استثنائية مشابهة وتصبح مصر كعكة يقتطع منها كل من يشاء قطعة لنفسه، ألم نقل أنها وثيقة فتنة؟ وتعزف الوثيقة على نفس الوتر الذي كل من العزف عليه - وتر الدولة المدنية - في إصرار غريب على علمنة مصر بالمخالفة للمادة الثانية من دستور 1971 ، ولا ندري لماذا الإصرار على استخدام هذا اللفظ الملتبس خاصة وأن النص المقترح نص شارح " دولة مدنية ديمقراطية تقوم على المواطنة وسيادة القانون، وتحترم التعددية، وتكفل الحرية والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون أي تمييز أو تفرقة" وتحمل الوثيقة إشارات قوية بأنهم يريدون إصدار هذه الوثيقة من خلال إعلان دستوري فإذا كانت هذه الإعلانات تتضمن الآن ما يقترب من المائة مادة تسمي بالمواد الحاكمة أو المواد فوق الدستورية، فماذا تركت هذه الإعلانات الدستورية للجمعية التأسيسية؟ ونعيد التأكيد هنا على أنه لا توجد مواد فوق الدستور أو مواد على رأسها ريشه فكل مواد الدستور دستورية يجب احترامها ويجب ألا نفرض وصاية على الشعب والمجالس التشريعية المنتخبة وفي جميع الأحوال فمناقشتنا هذه غير ملزمة فصاحب الحق الوحيد في ذلك هو الجمعية التأسيسية المنتخبة وصاحب الحق الأصيل في الموافقة هو الشعب، أليست هذه هي الديمقراطية ومبادئ الدولة المدنية الحديثة التي تغنت بها الوثيقة في مقدمتها؟. إن هذه الممارسات تدعو كل القوي السياسية للعودة مرة أخري لميدان التحرير للحفاظ علي مكتسبات الثورة. د. مجدي قرقر الأمين العام لحزب العمل [email protected] المقالات الكاملة للدكتور مجدى قرقر: http://www.el-3amal.com/news/page.php?t=2&i=8