حملة المداهمات التي باغتت بها النيابة العامة واجهزة الرقابة منظمات المجتمع المدني في روسيا اثارت الكثير من مخاوف الاوساط الاجتماعية والسياسية في الداخل والخارج, ما دفع الرئيس السوفييتي السابق ميخائيل جورباتشوف الي المطالبة ب بيريسترويكا جديدة. في نفس الوقت الذي حذرت فيه الدوائر الغربية من مغبة تمادي الكرملين في ملاحقة مناوئيه, وهو ما اعتبره آخرون بمثابة الحق الذي يراد به باطل. كشفت مصادر الاتحاد الاوروبي في بروكسل عن ان ما قامت به موسكو تجاه مداهمة بعض مقار منظمات المجتمع المدني في روسيا ومنها منظمة الشفافية الدولية يمكن ان يؤثر علي ما يجري بينها بين الاتحاد الاوروبي من مباحثات حول موضوع تسهيلات نظام التأشيرات بما في ذلك حاملو جوازات السفر الرسمية. ومن ذات المنظور طالب الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل جورباتشوف الرئيس فلاديمير بوتين بانتهاج سياسة بيريسترويكا جديدة, مشيرا الي ضرورة ان يعي بوتين ان العودة الي اساليب السيطرة الشمولية القديمة لا تتسق مع ظروف العصر, وهو ما رد عليه دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين بقوله ان لا حاجة لروسيا بما يطرحه جورباتشوف من اقتراحات. وكان ممثلو النيابة العامة الروسية ووزارة العدل وهيئات الضرائب قاموا بمداهمة مقار عدد من الهيئات والمنظمات غير الحكومية بما في ذلك مؤسسة كونراد اديناور الالمانية, هيومن رايتس ووتش و الشفافية الدولية الأمريكية, وكذلك ميموريال الروسية, وهو ما قال الرئيس فلاديمير بوتين في حديثه الي التليفزيون والاذاعة الالمانية(ARD) منذ ايام انه يجري علي نحو مماثل في الولاياتالمتحدة بمقتضي القوانين الصادرة هناك منذ عام1936, وقد شهدت الفترة القليلة الماضية تصاعد المواجهة وحملات التلاسن بين وزارتي الخارجية الامريكية والروسية حول هذا الشأن حيث ردت وزارة الخارجية الروسية علي ما قالته المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الامريكية فيكتوريا نولاند بصدد اصرار الولاياتالمتحدة علي الاستمرار في تمويل هذه المؤسسات عبر اطراف ثالثة, بان ذلك يعتبر تدخلا سافرا في الشئون الداخلية الروسية. وقال الكسندر لوكاشيفيتش الناطق الرسمي باسم الخارجية الروسية ان ما قالته نولاند يعتبر من الناحية العملية تحريضا مباشرا علي انتهاك القواعد والقوانين المعمول بها في روسيا في شأن المنظمات غير الحكومية. علي ان انتقاد ما فعلته المؤسسات الروسية مع منظمات المجتمع المدني لم يقتصر علي الخارجية الأمريكية وتعداها الي مثيلاتها في العديد من البلدان الأوروبية, حيث أعرب غفيدو فيسترفيلله وزير الخارجية الألمانية عن قلقه تجاه ما فعلته مؤسسات الضرائب الروسية مع المنظمات الألمانية, فيما اشار الناطق الرسمي باسم الخارجية الألمانية إلي ان عرقلة نشاط المؤسسات الغربية في روسيا يمكن أن يلحق الكثير من الضرر بالعلاقات الثنائية بين البلدين, وهو ما اشارت المؤسسات الرسمية الالمانية اليه في مخاطباتها مع نظيراتها الروسية, الامر الذي قد يضفي الكثير من الغيوم علي لقاء بوتين مع المستشارة الألمانية إنجيلينا ميركل علي هامش افتتاحهما لمعرض هانوفر الصناعي الدولي2013, ومن جانبها استدعت وزارة الخارجية الفرنسية ممثل السفارة الروسية في باريس لمطالبته بتفسير لما جري من مداهمات للمنظمات والمؤسسات الأجنبية بما فيها الفرنسية في روسيا, وكان بوتين أشار في معرض لقائه مع فلاديمير لوكين مفوض حقوق الانسان في روسيا إلي تفهمه لما اتخذته النيابة العامة من اجراءات, مشيرا الي انها تستهدف مراجعة مشروعية نشاط هذه المؤسسات وإن اعرب عن امله في ان تكون النيابة التزمت بكل القواعد والقوانين الخاصة بهذه المراجعات والا تكون قد بالغت في تصرفاتها تجاه هذه المنظمات التي قال بوتين في حديثه الاخير ان عددها يبلغ654 منظمة وتلقت ما يقرب من مليار دولار من مصادر غربية. علي ان الكرملين ورغما عن كل تبرمه وضيقه بنشاط العديد من منظمات المجتمع المدني الأكثر تأثيرا والأوسع شهرة, لايزال يعول علي بعضها ممن تعهد بتمويل نشاطها ومنها منظمات معهد قضايا المجتمع المدني, والاتحاد الروسي للشباب, وجمعية المعرفة وعصبة صحة الأمة وكلها منظمات لا تحظي بشهرة مثيلاتها الاكثر ارتباطا بالدوائر العالمية للدفاع عن حقوق الإنسان.وكان الكرملين اعلن عن مسابقة لتحديد اسماء منظمات المجتمع المدني التي يمكن ان تفوز بحق التمتع بتمويل نشاطها من جانب الدولة وهو ما كشفت بعض المنظمات ذات المرجعية الدولية بعزمها علي المشاركة فيها ومنها مجموعة هلسنكي, وميموريال وحركة حقوق الانسان ما يضع الكرملين امام امتحان لمصداقيته بشأن الاهتمام بالدفاع عن حقوق الانسان. وفي هذا الصدد يطرح الكثيرون العديد من التساؤلات حول مدي احتمالات تراجع مؤسسات النيابة العامة ووزارة العدل عن حملات ملاحقة نشطاء منظمات المجتمع المدني ومحاسبتهم بموجب القوانين الصادرة عن مجلس الدوما بشأن اعتبار بعض منظمات المجتمع المدني منظمات اجنبية والتمسك باعتبار المنتمين اليها عملاء أجانب وهو ما أشرنا اليه علي صفحات الأهرام في أكثر من تقرير من موسكو في اواخر العام الماضي, في نفس الوقت الذي يجب التوقف فيه عند مدي جدية حملات الكرملين تجاه العديد من ممثلي الحزب الحاكم وكبار موظفي الدولة ممن يمتلكون العقارات والحسابات والأوراق المالية في الخارج في إطار تشديد حملته ضد الفساد.