ما أشبه الليلة بالبارحة.. وكأننا أمام الدورة الخامسة والأخيرة للمهرجان القومى للمسرح قبل الثورة، نفس الوجوه، نفس التصريحات، نفس الترتيبات، نفس المبررات لسيطرة كبار المسرحيين سنا والذين احتلوا المشهد منذ أكثر من أربعة عقود اللهم إلا عدد لا يتعدى أصابع اليد الواحدة للشباب من باب حفظ ماء الوجه. بعد ايام تنطلق فعاليات الدورة السادسة للمهرجان القومى للمسرح والذى يعود بعد توقفه بسبب أحداث ثورة يناير، والحقيقة ان عودة المهرجان شكلا ومضمونا ليست إلا تجسيد واضح وصريح لحالة الارتباك والتخبط التى نحياها كل يوم، في كل مؤسسات الدولة، فما ان تم الاعلان عن عودة المهرجان، حتى بدأت العشوائية والتسرع لاتمام عملية "سلق" المهرجان، وقد حاولت أن ابحث عن سبب وجيه لعودته أصلا فلم أجد، فحتى الآن لم تنتج الثورة زخما مسرحيا حقيقيا يستحق الاحتفاء بها، فطوال العامين الماضيين لم نر سوى كثير من أشباه العروض.. قليل جدا من العروض الراقية، فالراقدون خلف مكاتبهم في وزارة الثقافة لا يدركون أن استعادة ثقة الجمهور في المسرح لا تحتاج لبذخ المهرجانات، فهم حتى لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن وجوه جدد تحمل شعلة المهرجان، بل استلهموا سياسة الاستسهال بإسنادها إلى شيوخ المهنة بحجة فارق الخبرة، وهو ما كان احد أسباب انسحاب مصمم الديكور العالمى حازم شبل من لجنة المشاهدة لما اعتبره من كونها مجرد ترضية، خاصة وأن اللجنة العليا للمهرجان ولجنة التحكيم أيضا خلتا من كل عناصر الشباب، فهم - بحسب تعبير شبل- قرروا احتكار كل شيء حتى الفشل، فلم يمنحوا جيل الشباب –الذي تعدى الأربعين بأعوام بالمناسبة- فرصة التعلم من الخطأ والفشل، وهو تعبير لا أنكر إعجابى الشديد به لما فيه من إصرار على الاستحواذ على كل شيء، والدليل أن كل الخطوات والاستعدادات الجارية حتى الآن من قبل المهرجان برئاسة المخرج أحمد عبدالحليم ومديره ماهر سليم لا يمكن وصفها إلا بالهزل والعبث، فمبدئيا ومن حيث القانون لابد من الإعلان عن إقامة المهرجان في الصحف الرسمية لكى يتسنى للراغبين من الفرق الحرة والمستقلة والخاصة وغيرها التقدم للاشتراك، وهو ما لم يحدث مطلقا، بل فجاة تم اختيار القائمين على الحدث وبدأت لجنة المشاهدة اختيار الأعمال التى مارست أعمالها بناء على منشور مدير عام المهرجان الذي اشترط أن تكون العروض من انتاج الفترة من يناير 2012 وحتى يناير 2013، فتم اختيار 30 عرضا من اجمالى 65 عرضا، والمفاجاة التى اتضحت -حتى الآن- هى اختيار عرض "ساحرات سالم" وهومن انتاج أكتوبر 2011، وكذلك عرض "الحبل" وهو من إنتاج أكتوبر 2011، والبقية تأتى.. أما المفارقة الحقيقية فكانت في اختيار يوم 27 مارس لإقامة المهرجان، وهو نفس يوم الاحتفال بيوم المسرح العالمى، وكأنه ليس لدينا أى خصوصية أو يوم مسرحى نعتز به أو ترك بصمة في حياتنا المسرحية منذ أن ظهر أبو الفنون في مصر أيام يعقوب صنوع ورفاقه، في حين ان اختيار هذا اليوم عالميا جاء باعتباره بداية مهرجان سارة برنار المسرحى في باريس، عام 1961، ليجدد فيه المسرحيون عزمهم على العطاء والإبداع، ولهذا اعتاد هذا المهرجان أن يكتب أحد المسرحيين العظماء رسالة في افتتاحية المهرجان العالمى كل عام، وكان أولهم الفرنسي جان كوكتو، والسؤال: لماذا مثلا لا نختار ذكرى ميلاد أو رحيل زكى طليمات باعتباره مؤسس معهد الفنون المسرحية الذي قام بتخريج مئات الفنانين من كل الدول العربية، أو مثلا اختيار ذكرى يعقوب صنوع أو يوسف وهبى أو بديع خيرى والأسماء كثيرة لا حصر لها، ولكن يبدو أن "عقدة الخواجة" لن تفارقنا أبدا. ومن بين مفارقات إدارة المهرجان الإصرار على متابعة العروض واختيارها من خلال السيديهات، وهو ما يتنافى تماما مع حيوية العرض المسرحى وتفريغه من بيئته الحية باعتبارها أهم عناصر العملية الإبداعية، وهو نفس السبب الذي اعترضنا عليه قبل أسابيع قليلة حينما استبعد مهرجان المسرح العربى في الدوحة العروض المصرية دونية مستواها، واندهاشنا من هذا القرار الذي تم بعد مشاهدة العروض بنفس الطريقة، ألم أقل لكم أن العقول لم تتغير؟! الطريف في الأمر أن السيد ماهر سليم مدير المهرجان قد أعلن أن أغلب عروض المهرجان سيتم عرضها على مسارح دار الأوبرا إلا القليل منها مثل مسرحية "الكوتش"، وذلك بسبب عدم جاهزية مسارح الدولة وانحصارها في وسط البلد، وهو ما يطرح سؤالا جديدا يفجره هذا التصريح المستفز: ألم يكن الاهتمام بأوضاع المسارح وحالتها الأمنية والفنية وتدريب الفنيين والعمال أولى من إقامة مثل هذا المهرجان في هذا التوقيت؟ ألم يكن من الأفضل إعادة النظر في الهدف من إقامته والبحث عن رؤى جديدة وعقول مستنيرة تستطيع النهوض به؟ أم يقام المهرجان وينتهى بلا أى فاعلية كما كان يحدث في السابق؟ لا أتمنى أن يفهم كلامى باعتباره لانكار الجميل للكبار من شيوخ المهنة ولكننا الآن أحوج ما يكون لدماء جديدة تبث افكارها ورؤاها وعلمها في شرايين المسرح، فليس من المنطقى أن يقود رواد المسرح في ستينيات القرن الماضي حركة النهضة المسرحية في القرن الحادى والعشرين، خاصة أمام هذا الزحف التكنولوجى في عناصر العمل المسرحى من ديكور وإضاءة وإخراج، وغيرها، فأرجوكم ارحمونا يا سادة وأفسحوا الطريق لقليل ممن سيفوتهم قطار الشباب.