نحن جياع, نريد طعام.. إلي هذا الحد المأسوي وصل الوضع الاقتصادي المتردي للمواطنين في الأرجنتين عام2001 في أسوأ أزمة مالية وضعت الاقتصاد الأرجنتيني علي حافة الانهيار وفجرت ثورة غضب شعبي استشرت وتأججت في أرجاء الطبقة المتوسطة وكسرت وبددت من هم تحت خط الفقر. وخلال فترة رئاسية واحدة مدتها أربع سنوات استطاع الرئيس الأرجنتيني الراحل نستور كريشنير أن يصعد بالأرجنتين من الهاوية ويحدث انتعاشا اقتصاديا منقطع النظير ليصنع بذلك من التجربة الأرجنتينية نموذجا ملهما في كيفية صناعة النهضة. وكان الاقتصاد الأرجنتيني قد تعرض إلي الانهيار بشكل عنيف في ديسمبر عام.2001 واضطرت الحكومة الأرجنتينية لخفض الإنفاق العام بنسبة20% أي بمقدار10 مليارات دولار من خلال عدد من الإجراءات التقشفية علي رأسها تخفيض أجور العاملين بالحكومة بنسبة13%, وهو ما كان بمثابة الفتيل الذي أشعل ثورة الغضب الشعبي واندلعت مظاهرات احتجاجية زلزلت أرجاء العاصمة بوينس إيرس. وتراجع اقتصاد الأرجنتين إلي حد كبير أمام ارتفاع الديون وتجميد الأرصدة البنكية وتراجع قيمة العملة المحلية بنسبة الثلثين وارتفاع نسبة البطالة إلي02%. ووصل الاقتصاد الأرجنتيني إلي نقطة العجز عن الوفاء بخدمة ديونه الخارجية, ولم يجد من يمد له يد المساعدة بشكل فوري علي غرار ما حدث في الأزمة المكسيكية عام1995, أو في الأزمات المالية في كوريا الجنوبية وتايلاند عامي1998,1997, وأكدت الإحصاءات أن أكثر من40% من السكان يعيشون تحت خط الفقر. وخلال فترة رئاسته استطاع أن ينجو كريشنير ببلادة من براثن الأزمة الخانقة وأجري خطة للإصلاح الشامل في البلاد. فقام بتمويل مشروعات التعليم والخدمات الصحية فضلا عن تنفيذ برنامج وطني استهدف تحسين مستوي المعيشة بنسبة60% من المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر. واستطاع كيرشنير من خلال برنامجة الانتخابي أن يضع حدا لسلسلة المظاهرات التي اجتاحت الأرجنتين لمدة18 شهر وأدت إلي خلع أربع رؤساء خلال أسبوعين فقط. وبالفعل تغلب كيرشنير بعد توليه منصب رئيس الأرجنتين علي الأزمة الاقتصادية عن طريق إعادة جدولة الديون وتطبيق خطة إنقاذ تقشفية, في الوقت الذي وضع فيه متطلبات الفقراء فوق أي اعتبار, حيث خصص حوالي مليار دولار لتحسين الخدمات العامة والتي تشمل إسكان الفقراء وإنشاء الطرق الجديدة, كما خصص حوالي8,2 مليار دولار لخلق فرص عمل لإنعاش الاقتصاد. ودعم كيرشنير تكتلا إقليميا للتجارة الحرة اشتركت فيه الأرجنتين مع البرازيل والأورروجواي وباراجواي, ودعم روابط بلاده مع حكومات أقصي اليسار لكل من فينزويلا وبوليفيا.وسرعان ما فرض كريشنير نفسه كرجل قوي في البلاد بفضل الإنعاش المذهل الذي أحدثه للاقتصاد في وقت وجيز. ووصف خبراء السياسة كيرشنير بأنه' الرجل القوي' الذي استطاع بسياسته الناجحة أن يصعد ببلادة من الهاوية. ويبدو أن المواطن الأرجنتيني قد تعلق بسياسات كيرشنير الناجحة في الحكم للدرجة التي دفعت الناخب الأرجنتيني إلي أن يصوت لزوجته كرستينا فيرنانديز في فترتين متتاليتين من رئاسة الأرجنتين كي تستكمل مسيرة النهوض التي بدأها زوجها, فلم يكن برنامجها الانتخابي وحده هو سبب وصولها للسلطة, فقد ساعدتها الكاريزما السياسية بوصفها زوجة الرئيس الناجح علي الفوز بمقعد الرئاسة. وبعد مرور ما يقرب من عقد من الزمن علي النهضة التي صنعها كريشنير, الأرجنتين الآن تتمتع بازدهار اقتصادي وهي ثالث أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية, وفي عام2012 نما الاقتصاد الأرجنتيني بنسبة9%. وتتمتع الأرجنتين بتصنيف عالي جدا في مؤشر التنمية البشرية, وتحتل المركز الخامس في مستوي الناتج المحلي اللأسمي للفرد الواحد علي مستوي دول أمريكا اللاتينية والأعلي في القدرة الشرائية. وبشكل عام تعتبر الأرجنتين من البلدان الغنية بالموارد الطبيعية وتعتمد في اقتصادها علي قطاع زراعي موجه للتصدير وقاعدة صناعية متنوعة. ويتم التبادل التجاري بشكل رئيسي بين الأرجنتين والبرازيل والولايات المتحدة ودول الاتحاد السوفييتي سابقا وبلدان أوروبا الغربية. وتشكل المنتجات الزراعية اليوم حوالي تسعة أعشار إجمالي الدخل من صادرات البلاد الإجمالية للأرجنتين. ويري المحللون أن الأرجنتين لديها أساس قوي للنمو المستقبلي نظرا لحجم سوقها ومستويات الاستثمار الأجنبي المباشر الاستثمار الأجنبي المباشر فيها ونسبتها من صادرات التكنولوجيا الفائقة وحصتها من الناتج الكلي للسلع المصنعة.