دينا عمارة : لقبوها ب إيفيتا الجديدة.. وصفوها بالملكة المتوجة علي عرش الأرجنتين, منحوها ثقتهم الكاملة بالتصويت لها في الإنتخابات لفترتين رئاسيتين متتاليتين هي المدة المسموح بها للرئيس في الدستور, أغدقوها بالحب وتعاطفوا معها في أزمتها الصحية الاخيرة, لكن عند أول تلميح بنيتها تعديل بعض مواد الدستور للسماح لها بالترشح لفترة ولاية ثالثة إنقلبوا عليها وراحوا يجوبون الشوارع تظاهرا للوقوف ضد هذا الإجراء. إنها كرستينا كيرشنر أول سيدة أولي في العالم تتولي زمام السلطة خلفا لزوجها في أعقاب انتخابات رئاسية ديمقراطية كانت الكلمة النهائية فيها لصناديق الاقتراع, والفضل في توليها هذا المنصب يرجع بالطبع إلي زوجها الرئيس الارجنتيني الراحل نستور كيرشنير, فبعد إنتهاء مدة ولايته الأولي رفض الترشح لولاية ثانية وهو في أوج شعبيته بعد أربع سنوات قضاها في السلطة وخرج منها واستطلاعات الرأي تؤكد انه حقق اكثر مما وعد بتحقيقه خلال حملته الانتخابية لا سيما فيما يتعلق باعادة دفع عجلة الاقتصاد المتردية, وآثر بدلا من ذلك دعم حظوظ زوجته وزميلة الدراسة الجامعية في سباقها الانتخابي أمام اثني عشر منافسا لها.. فهل كان محقا في هذا أم أن الأرجنتين اليوم هي من تدفع الثمن؟ لاشك أنه منذ تولي كريستينا السلطة في عام2007 عمدت إلي الإبقاء علي سياسات زوجها الراحل كما هي, وبدا ذلك جليا في تمسكها بنفس فريق عمل ومستشاري زوجها لمواصلة خطة الاصلاح, وإن إتجهت في بعض الأحيان إلي الإهتمام أكثر بالشأن الخارجي وعلاقتها بدول أوروبا وأمريكا, فهي تملك شخصية قوية مفعمة بالحيوية والنشاط, وحيث أنها تهوي الأضواء والشهرة كثيرا علي عكس زوجها الذي كان يحب الإختباء خلف الجدران وتعشق عدسات المصورين فهي لا تتورع عن إنفاق آلاف البيسو( العملة الأرجنتينية) علي شراء الملابس الفاخرة أو علي عمليات التجميل والزينة, رغم أنها تترأس بلدا يغرق في الديون الخارجية ويعاني مصاعب كبيرة من جراء تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية عليه, حيث تبلغ نسبة الفقر حوالي40%. وربما هذا ما دفع بصحيفة الديلي تلجراف البريطانية إلي التهكم علي كريستينا قائلة إن حظ الرئيسة الأرجنتينية جيد لأنها تعيش في بلد لا يرتفع فيها سعر عمليات الجراحة التجميلية, ويعرف عنها أيضا أنها قاسية ومتسلطة, كما أنها مهووسة بالأناقة وتحرص دائما علي إرتداء أفضل الماركات العالمية وتتبع أخر خطوط الموضة في المكياج وتسريحة الشعر التي تخصص لها ساعة كاملة في اليوم للإعتناء به. وعرف عنها عشقها للحقائب التي تحمل توقيع كبار المصممين, كما أنها محبة للسفر وجولاتها الشرائية أثارت الكثير من الجدل. ويعرف عنها ايضا حرصها علي العيش الصحي والرشاقة فهي لا تشرب إلا ماركة معينة من المياه المعدنية. كل هذه الإنتقادات أثرت كثيرا علي شعبيتها إلا أن موت زوجها المفاجئ إثر أزمة قلبية عام2010 جعل الشعب الأرجنتيني يتعاطف معها كثيرا وتحولت من إمرأة متسلطة إلي مرهفة الحس وأقل تفاهة, فإستطاعت خوض الإنتخابات مرة ثانية متخذة من ملابسها السوداء التي ظلت ترتديها عاما كاملا حدادا علي زوجها سلاحا سياسيا خطيرا, وبالفعل نجحت في ذلك وإستطاعت القضاء علي منافسيها بأقل مجهود وبنسبة54%, وأخذت شعبيتها مرة أخري في الإرتفاع خاصة بعد الإشتباه في إصابتها بسرطان الغدة الدرقية توجب معه قيامها بعملية جراحية لإستئصاله, ولكنها سرعان ما عادت مرة أخري تلك المرأة القوية المتمسكة بسياسات خاطئة, الأمر الذي دفع شعبها إلي الإنقلاب عليها خارجين بالآلاف في مظاهرات عارمة غاضبين من طريقة إدارتها الإقتصادية التي أدت إلي إرتفاع معدلات التضخم, بجانب زيادة الجريمة وإنتشار الفساد المستشري علي نطاق واسع في الأرجنتين, في ظل تلميحات بإعادة فتح التحقيق في موضوع التضخم الكبير في ثروة أل كيرشنر رغم تقديم مستندات تفيد بعملهما في مجال العقارات قبل أن يصلا إلي السلطة, وأن إمبراطوريتهما تعتمد علي البناء وبيع وشراء الأراضي والسياحة, وأخيرا نيتها التحايل علي مواد الدستور لتبقي في السلطة أطول فترة ممكنة. لاشك ان المتأمل في مسيرة كريستينا الام لطفلين هما ماكسيمو وفلورنسا والمحامية والنائبة المعارضة والسيدة الاولي ثم الرئيسة يدرك انها تحمل في جرابها مسيرة سياسية لا يستهان بها وانه يحسب لها انها كانت السفيرة المستشارة لدي زوجها وانها كانت وراء خطة اصلاح الاقتصاد وما تحقق له من انعاش في البلاد بعد الازمة الاقتصادية لسنة2001 واستمرار النمو الاقتصادي للبلاد بنسبة8% علي مدي السنوات الاربع الماضية, كما يحسب لها انها من ضرب بعنف علي طاولة مجلس الشيوخ عندما طالبت المحكمة العليا بالغاء العفو العام بحق مسئولين عن جرائم ارتكبت بين1976 و1983 وهو الملف الاول الذي جددت رئيسة الارجنتين التزامها به في اول خطاب لها بعد فوزها بالانتخابات الرئاسية عندما اعلنت أن محاكمة المسئولين عن اكبر حملة ابادة في تاريخ الارجنتين المعاصر والتي تأجلت أكثر من ثلاثة عقود لا يمكن تأجيلها بعد الآن...ولاشك أن المستقبل وحده يبقي كفيلا بتقييم مرحلة حكم كريستينا كيرشنر ثاني إمراة تتولي الرئاسة في امريكا اللاتينية بعد ميشال باشليه السجينة السياسية السابقة في شيلي.. فهل سيكون الحكم في صالحها؟