عندما أدرك الغرب صاحب التاريخ الاستعماري الطويل فداحة وتكلفة الغزو العسكري للمنطقة العربية قرر استبدال هذا المنهج بأنظمة ديكتاتورية تدين له بالولاء التام وبالتالي استطاع أن يضبط ايقاع المنطقة طبقا لمصالحه الخاصة ولاشك أن سياسته هذه نجحت بالفعل الي حد بعيد ولكن وبعد عدة عقود ثارت الشعوب خاصة الشباب منهم علي هذه الأنظمة الفاسدة, وقرروا التخلص منها طلبا للحرية والديمقراطية آملين في اللحاق بركب الدول المتقدمة التي باتت أقرب اليهم بفضل تكنولوجيا وثورة الاتصالات, التي جعلت من العالم قرية كونية صغيرة يتابع كل من بداخلها التفاصيل الدقيقة لما يحدث في كل أركانها وبالطبع لم يستسلم الغرب لرغبات الشعوب التي لاتصب في مصالحه في المنطقة فقد استعان بأنظمة ذات أيديولوجية دينية تقوم بنفس الدور الذي كانت تلعبه الأنظمة القمعية الديكتاتورية لعل الشعوب التي تمردت علي الأنظمة السابقة ترضي باللاحقة باعتبار أنها شعوب متدينة بطبعها! تلك هي أصل القضية التي نعاني منها وان حاول البعض طمسها بمساحيق تجميلية كثيفة فليس للغرب مصلحة في أن تتعافي هذه البؤر من العالم من كبوتها حفاظا علي أمن اسرائيل وتأمينا لمصادر الطاقة. فبعد أن بدد النظام الديكتاتوري السابق المدعوم من الغرب مصر بأسرها ماضيا وحاضرا ومستقبلا حتي صارت حطاما قوميا جاء نموذج الاسلام السياسي الذي التصقت به نزعة الاستعلاء الديني وقد أحدث مخاوف كبري في العواصمالغربية واسرائيل وكانت الخشية مبعثها آنذاك محاولات احياء تراث وثروات مصر مع الاحتفاظ بالعلاقات الخارجية المتوازنة والاتفاقات القائمة علي الاحترام المتبادل والسعي نحو المسار الديمقراطي واقرار الحريات وتجلي العدالة الاجتماعية ولكنهم اليوم مطمئنون الي أن مصر لاتسير علي هذا الدرب والسبب في ذلك من وجهة نظرهم هو عشوائية الفكر الذي يميز حقبة الاسلام السياسي التي لاتحقق الاستقرار بل قد تعصف بطموحات القاعدة الشعبية وتطيح بمركزية مصر الثقافية ولاتنتج إلا مستقبلا مريضا كان هو آخر ماكان يمكن توقعه بعد ثورة كان لها طابع متفرد بين الثورات لكن حصدها من لم تكن له فضيلة تحريكها ومن هذا الصدد فانهم يطرحون تساؤلات تلح علي الشباب بصفة عامة وكانت تستوجب الطرح علي الساحة المصرية وهي هل سيقتنع هؤلاء الشباب المنفتح علي العالم بسيادة الطابع الانغلاقي لفكر الاسلام السياسي؟! وأين ذلك المشروع النهضوي لجماعة الاخوان وهل لفكر الجماعة علاقة بمفهوم الوسطية أو النظرة العلمية والرؤية الموضوعية؟ وماذا قدم هذا العقل من روائع الفكر الديني أو نظريات الحوار أو إبداعات الجدل الخلاق؟ فأروع الكتابات حول الاسلام ونبيه الكريم وصحابته الراشدين قد صدرت عن أقلام مفكرين ليبراليين مثل د.محمد حسين هيكل في سيرتيه عن الرسول الكريم والصديق أبو بكر والعقاد صاحب سلسلة العبقريات وطه حسين في رائعته علي هامش السيرة فهذا الفكر الابداعي نهض لدي فضائيات ليبرالية تؤمن بفضيلة الحرية وتعتقد في قيمة الانسان وبالطبع لم ينهض هذا الفكر الابداعي علي قواعد السمع والطاعة! فهل لهذا الفكر أن يستوقف ذاته مستهدفا معرفة ذلك الداء العضال الذي يحاول دون الانطلاق وتغيير الواقع نحو الأفضل والأنسب والأمثل؟ د.عماد اسماعيل