لم تشهد مصر عبر تاريخها حدثا يماثل ثورة يناير2011، حيث كانت المرة الأولى التى تشهد البلاد فيها تحركا شبابيا بهذه القوة تحول إلى ثورة شاملة انضمت لها كافة طوائف وفئات الشعب المصرى. لاشك أن المرحلة التى تمر بها مصر حاليا برغم جميع التحديات ومن بينها الأوضاع فى المنطقة العربية والتطورات الداخلية، ومسار عملية التحول الديمقراطى فترة مضيئة ستظل معلما بارزا فى تاريخ مصر. إن الحكومة المصرية ومجلسها العسكرى يسيران وفق خريطة طريق ستبدأ بإجراء الانتخابات التشريعية مرورا بتشكيل لجنة وضع الدستور انتهاء بانتخاب رئيس جديد للبلاد. أما بشأن الأوضاع الاقتصادية فى البلاد.. أعتقد أنه على الرغم من جميع التحديات الراهنة فإن مؤشرات الاقتصاد المصرى تظل واعدة، وأن ما يجرى من محاكمات للفساد والفاسدين لا يجب أن يقلق المستثمر الخارجى، بل على العكس فإن هذه المحاكمات تثبت جدية الحكومة المصرية فى تهيئة المناخ الصالح لتدفق الاستثمارات الأجنبية دون خشية الفساد أو الابتزاز. المؤكد أن كل مستثمر أجنبى أو مصرى دخل فى التزامات أو تعاقدات بحسن نية ليس لديه ما يخشاه بغض النظر عن أية مخالفات وقعت من جانب أطراف أخرى فى ذات التعاقدات. أننا نتوقع من أصدقاء مصر فى المجتمع الدولى اغتنام الفرصة المتاحة لإثبات صداقتهم لهذا البلد وشعبه من خلال تقديم الدعم للتغلب على الصعوبات الطارئة التى تعترى الاقتصاد المصرى. واتصالا بعلاقات مصر مع الدول المانحة.. استطيع القول أن ما تشهده مصر من إصلاحات يفوق بمراحل ما كانت تلك الدول تطلبه منها خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذى لا يدع مجالا أو ذريعة لاستمرار طرح أية مشروطيات أو مطالب خارجية، خاصة وأن معظم تصريحات المسئولين فى الحكومة الحالية تشير إلى أن مصر منفتحة على الحوار والتعاون، وأيضا تبادل النصائح، لكن الشعب المصرى لن يقبل بأى حال من الأحوال التدخل فى شئونه الداخلية تحت أى مسمى وفقا لما جاء على لسان وزير الخارجية محمد عمرو فى لقائه بسفراء دول الاتحاد الأوروبى مؤخراً. أما فيما يتعلق بسياسة مصر الخارجية.. فإن مصر كانت وستظل دولة تحترم اتفاقياتها الدولية بغض النظر عن النظام الحاكم فى البلاد، وهو احترام نابع من احترام مصر لسيادتها ذاتها التى تمثلت فى إبرام تلك الاتفاقيات. وفى ذات السياق يمكن القول أن تأكيدات وزير الخارجية بشأن الطلب الفلسطينيى للحصول على عضوية الأممالمتحدة عكست موقف مصر التاريخى والثابت من القضية الفلسطينية، باعتبار أن الفلسطينيين لم يعد أمامهم خيارا آخر إثر التعثر التام الذى تمر به عملية السلام بينما تبتلع إسرائيل أرضه قطعة وراء الأخرى من خلال الاستيطان المخالف لكافة المواثيق والعهود الدولية، خاصة فى ظل غياب أسس واضحة للمفاوضات تتمثل فى وقف الاستيطان والتفاوض فى إطار حدود الرابع من يونيو 1967 فإنه لم يعد أمام الفلسطينيين سوى الذهاب إلى مجلس الأمن. بالتأكيد إن مصر ستؤيد مائة بالمائة أى خيار يراه الأشقاء الفلسطينيون فى صالحهم. لاشك أن مشاركة مصر فى اللجنة الوزارية العربية التى توجهت إلى دمشق يوم الأربعاء الماضى بتكليف من وزراء الخارجية العرب لبحث تطورات الأوضاع فى سوريا وسبل التعامل مع الموقف هناك.. يشير إلى أن مصر لم تنشغل بقضاياها الداخلية عن مساندة الشعب السورى الشقيق والشعوب العربية التى تناضل من أجل الحرية والعدالة والكرامة، لوقف آلة العنف التى تمارس ضده من قبل النظم الديكتاتورية، وضرورة إنصياعها لمطالبات الشعوب دون عنف أو إراقة دماء. إن مصر تمر بمرحلة مخاض تدعونا لأن نقول لمن يساورهم القلق على مستقبل هذا البلد.. لا تقلقوا على مصر. المزيد من مقالات محمود النوبى