أسعار العملات الأجنبية والعربية أمام الجنيه المصري اليوم الخميس 9 أكتوبر 2025    أسعار الدواجن والبيض اليوم الخميس.. ارتفاع طفيف    بعد ارتفاع الأخضر الأمريكي.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري الخميس 9-10-2025    أسعار الحديد في أسيوط اليوم الخميس 9102025    حماس تدعو ترامب إلى إلزام إسرائيل بتنفيذ استحقاقات الاتفاق كاملة    عائلات الرهائن ترحب باتفاق غزة وتصفه ب«الاختراق التاريخي» وتدعو الحكومة الإسرائيلية للمصادقة الفورية    مساعد وزير الخارجية الإيراني السابق مهدي شريعتمدار ل«المصري اليوم»: الضغط الأمريكي المتزايد لفرض التطبيع أداة لتفكيك المنطقة (الحلقة 44)    شيخ الأزهر يؤدي واجب العزاء في وفاة الدكتور أحمد عمر هاشم..ويواسي أسرته    عاجل - بالصور.. شاهد الوفود الدولية في شرم الشيخ لمفاوضات غزة وسط تفاؤل بخطوة أولى للسلام    حاكم مقاطعة فولجوجراد: الدفاعات الجوية تصد هجوما أوكرانيا مكثفا بالمسيرات    «مقنعة جدًا».. وليد صلاح الدين يكشف ردود سوروب على أسئلة «الأهلي»    عاجل - "اختبار للتكتيك وتعزيز للانسجام" اليوم الخميس.. مصر X المغرب في ودية قبل كأس العرب 2025 - 2026    مشوار الفراعنة إلى المونديال.. خطوات ثابتة قادت مصر للتأهل التاريخي إلى كأس العالم 2026    مصطفى أبو زهرة: هناك دول تتمنى أن تكون لديها "نصف" حسام حسن    طقس مائل للحرارة وأمطار محتملة على بعض المناطق.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس الخميس 9 أكتوبر 2025    شاهيناز تستعد لمفاجأة غنائية تمزج بين الراب والمهرجانات والغناء التقليدي    يعرض قريبًا.. «لينك» ضغطة زر تقلب حياة موظف على المعاش    عروض وأمسيات وورش تشكيلية بالخارجة والفرافرة وموط ضمن احتفالات الثقافة بذكرى النصر    مواقيت الصلاة في أسيوط اليوم الخميس 9102025    سما المصري توجه رسالة ل المستشار مرتضى منصور: «ربنا يقومه بالسلامة بحق صلحه معايا»    "قبل نهاية الاسبوع" غدوة حلوة.. اصنعي أجمل صينية فراخ بالبطاطس لعائلتك    بالطريق الحر.. تصادم دراجتين ناريتين مع نقل أودى بممرض وإصابة آخرين    المعاينة تكشف ملابسات حريق مخزن قطع غيار سيارات بالحرفيين    وزير الرياضة يعلن إجراء تغييرات في الجهاز الفني لمنتخب مصر للشباب    من أدعية الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج    30 دقيقة تأخرًا في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 9 أكتوبر 2025    أ ف ب: واشنطن تحضر نص خطاب يفترض أن يدلي به ترامب لإعلان التوصل لاتفاق بشأن غزة    مقتل شاب على يد شقيقه الأصغر بسبب خلاف على الميراث في الشرقية    انهيار محادثات الاتحاد الأوروبي بشأن الرقابة على الدردشة دون التوصل إلى اتفاق    ممنوع الضرب.. قرار حاسم حول حظر استخدام العصا أو الخرطوم في المدارس ومحاسبة المسؤولين    البابا تواضروس الثاني: المسيح هو الراعي الأمين الذي يقودنا إلى الطمأنينة والأبدية    نائب محافظ القاهرة يستقبل وفدًا كنسيًا من شبرا لبحث سبل التعاون وتعزيز التلاحم الوطني    البطريرك أفرام الثاني يشارك في مؤتمر بإربيل حول "سوريا: بحثًا عن الوحدة في ظلّ التشرذم"    7 آلاف محضر بشأن «تراخيص عمل الأجانب» خلال 27 يومًا    أسعار الفراخ اليوم الخميس 9-10-2025 في بورصة الدواجن.. سعر كيلو الدجاج والكتكوت الأبيض    8 شهداء في غزة خلال الساعات ال24 الماضية جراء الغارات الإسرائيلية    وكيل صحة الفيوم تُتابع أداء المستشفيات في اجتماع إشرافي موسع| صور    رسمياً.. منهج العلوم في امتحانات شهر أكتوبر 2025 للمرحلة الابتدائية (مواصفات الورقة الامتحانية الكاملة)    نجوم الفن يحتفلون بتأهل مصر إلى كأس العالم.. يسرا ل اليوم السابع: بعد تأهل المنتخب وفوز العنانى الفرحة فرحتين.. نادية الجندي: يا رب كتر أفراحنا.. حمادة هلال: والله وعملوها الرجالة لسة عايشة ومتفائل للمنتخب    رسميًا.. موعد صرف معاشات شهر نوفمبر 2025 بعد قرار التأمينات الاجتماعية (تفاصيل)    مصادر بالبترول تنفى زيادة أسعار البنزين والسولار صباح الخميس.. إنفوجراف    سوء تفاهم قد يعكر الأجواء.. برج العقرب اليوم 9 أكتوبر    مصطفى قمر: مبروك لمصر رفعتوا راسنا يا رجالة مستنيين بقى تشرفونا فى كأس العالم    كُتبت فيها ساعة الصفر.. حكاية «كراسة حنان» التي احتوت على خطة حرب أكتوبر    حساب فيفا يحتفى بصعود الفراعنة للمونديال: مصر البهية تُطِل على كأس العالم    « احتفالًا بالتأهل للمونديال».. سعد سمير يطالب بفتح استاد القاهرة مجانًا في مباراة مصر أمام غينيا بيساو    رسمياً.. مواصفات الورقة الامتحانية ل مادة العلوم المتكاملة شهر أكتوبر 2025 للثانوية العامة    إصابة رئيس مباحث شبين القناطر.. ومصرع عنصرين إجراميين في مطاردة أمنية بالقليوبية    منها منتجات الألبان.. 6 أطعمة ممنوعة لمرضى جرثومة المعدة (تفاقم الألم)    أسهل طريقة لعمل البليلة في ساعة.. شرط النقع    السيسي يُعبّر عن خوفه من الثورة والتغيير .. وناشطون: فات الأوان يا عميل    دينا أبو الخير: قذف المحصنات جريمة عظيمة يعاقب عليها الله    إعلان أسماء الفائزين بمسابقة بيت المعمار لشباب المعماريين لإعادة تأهيل مراكز الإبداع    نقيب المحامين: الرئيس أعاد المادة 105 لزيادة ضمانات حقوق المواطن    مدير حملة العناني ل بوابة أخبار اليوم: دعم الرئيس ساهم في الإنجاز التاريخي لمصر    استشاري نفسي: نسبة الطلاق بين الأزواج في مراحل متقدمة من العمر    بعد إصابة منى فاروق.. تعرف على أسباب واعراض شلل المعدة    مواقيت الصلاة فى الشرقية اليوم الأربعاء 8102025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العنوان سرت‏..‏ ولكنها‏:‏"جهنم" .. بداية ونهاية
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 10 - 2011

تبدو للمدن أقدار مثل البشر تماما‏,‏ وربما كان ذلك القدر المحتوم يرتبط إلي حد بعيد بأولئك البشر الذين يسكنون تلك المدن‏.‏ وبفعل ماجنوه من ثمار مرة تجني مدائنهم نفس الثمار علي قدر ذات المرارة وأكثر, وماتلك السنوات التي مرت علي الإنسان مابين الموت والميلاد إلا حقول مزروعة بالأشواك تحيطها الأسلاك الشائكة التي تحول بين الإنسان ومدينته, تماما كما حدث في سرت مسقط رأس العقيد الليبي معمر القذافي الذي ساقه القدر منذ شهور قليلة إلي مسقط رأسه الذي شهدت فصول النهاية الدرامية من نوع الكوميديا السوداء زز42 الأقدار في النهاية حقائق مذهلة علي أرض الواقع الأليم, ولانملك من أمرنا غير الامتثال لإرادتها التي تستمدها- بالطبع- من إرادة الخالق سبحانه وتعالي.
تري هل درات تلك الأفكار وغيرها في رأس العقيد القذافي زعيم ثورة الهلوسة عندما قرر منذ أشهر قليلة اللجوء إلي ملاذ آمن والذهاب إلي سرت قائلا انحدرت نحوها بشوق مسرعا في الخطي قبل مغيب الشمس, أملا في الحصول علي مرقد دافئ في قلبها, أو بدقة أكثر عندما قرر ز س زس عام1942 ومرقده الدافئ الذي لاذ به في نهاية رحلة العمر, وكأن القدر شاء أن يعيش القذافي هذه اللحظات بعد69 عاما ربما كانت في عمر الزمن قليلة لكنه عايش فيها الرعب مرة حين قصف الناتو موكبه, وعاش أكثر لحظات خوفس الثوار, وهو يصيح فيهم خيركم خيركم طلبا للرحمة, وبينما الدم يغطي نصف وجهه يذكرهم أنه مثل والدهم, بالتأكيد لم تكن تلك أجمل ليلة في حياته, كما وصفها في مجموعته القصصية( الأرض الأرض.. القرية القرية) حين قال: تمكنت من النوم في قلب جهنم مرتين ثم خرجت منها, وقبل أن يخرج وصفها بالهدوء التام, بل هي في ثباتها كتلك الجبال التي تحيطها وهي الآن علي ذات السكون العجيب المخيم عليها ويلف جوانبها كما وصفها متشحة بلون الحداد بالقرب من( شعيب الكراعية) في وادي جارف بمنطقة سرت التي نحكي قصتها ونغوص في أعماقها كشاهد عيان علي تحرير ليبيا الجديدة.
مدينة التحدي
وأنت علي أعتاب سرت, والتي كان مقدر لها أن تكون عاصمة الثقافة العربية2011 لكن القدر لم يمهلها أن تعيش تلك الفعاليات الثقافية, لابد أن تلحظ التاريخ هنا يربط الماضي بالحاضر في شكل لوحة ذات خصوصية نادرة فقد نشأت تلك المدينة في حوالي منتصف القرن الثامن الميلادي علي مكان قرية بونيقية عرفت باسم كراكس كما عرفت خلال السيطرة الرومانية باسم أتشينا, واكتسبت سرت أسماء متعددة علي مر العصور والأزمان فهي علي أيام الفينيقيين عرفت باسم إيفورانتا ماكوماديس وأطلق قديما علي المنطقة الممتدة علي البحر الأبيض المتوسط بين أم الغرانيق شرقا وعيون الهيشة غربا, ووقائع التاريخ تقول أنها أستوطنت أثناء وعقب تلك الحقبة لوجود مقابر بها تعود إلي القرن الرابع الميلادي, فيما بعد أسس الفاطميون في القرن الحادي عشر الميلادي مدينة عرفت باسم سرت وهي تقع إلي الشرق من مدينة سرت الحالية وتعرف الآن باسم المدينة وتحتوي علي متحف صغير بالقرب من آثار المدينة الفاطمية يضم بعض اللقي الإسلامية. عرف الرحالة العرب والأجانب مدينة سرت وقدم بعض منهم شيئا عنها وعن سكانها. علي أنقاض المدينة الفينيقية بني الأتراك في سنة1841 القصر الذي نشأت حوله مدينة سرت الحالية وسميت به.
كتب في وصفها عديد من الرحالة العرب, ومنهم سالم العياشي( كتاب ماء الموائد1056-1064 هجرية) والذي وصفها قائلا: إن لسرت ثقل هام لتأمين طرق القوافل لدول جنوب الصحراء وبلاد السودان, وكانت تحت حكم عبد الرحمن الجبالي سيد روحه وقد تمكنت قبائل أولاد سليمان من هزيمة آل الجبالي والذين أتوا نواحي الإبرق والقبة ثم الي الفيوم في مصر بعد ذلك, وقام أحفاده بتأسيس قصر الجبالي الثاني ولقد تمكن أولاد سليمان من السيطرة علي إقليم سرت بمساعدة قبائل المحاميد, وفي تلك الحقبة التاريخية شهدت المدينة التي يطلق عليها ز ز كالقذاذفة والجماعات و العمامرة ضد الولاة الاتراك.
ومن هؤلاء الرحالة والجغرافيين ابن حوقل الذي قال عنها في القرن العاشر الميلادي: ز قبائل من متعددة, ولهم مزارع في نفس البر تقصد نواحيها إذا مطرت وتنتجع مراعيها ولها من وجوه الأموال والغلات والصدقات في سائمة الإبل والغنم ما يزيد علي حال اجدابيه ومالها في وقتنا هذا وبها نخيل تجتني أرطابها وليس بها من القصب والتمر ما تذكر حاله لأن نخيلهم بقدر كفايتهم ولهم أعناب وفواكه وأسعارهم صالحة علي مر الأوقات, والمتلي صدقاتهم وجباياتهم وخراجاتهم وما يجب علي القوافل المجتازة بهم صاحب صلاتهم واليه جميع مجاري أمر البلد والنظر فيه وفيما ورد إليه وصدر في استيفاء ضرائبه ولوازمه واعتبار السجلات والمناشير بمواجب ما علي الأمتعة وتصفحها خوف الحيلة الواقعة دون الأداء عنه بافريقية ودخلها أوفر من دخل اجدابيه لما ذكرت, وهي عن غلوة سهم عن البحر في مستواة من رمل وترد المراكب أيضا عليها بالمتاع وتصدر عنها بشيء منه كالشب السرتي فإنه بها غزير كثير وبالصوف أيضا ولحوم الماعز أغذي فيها من الضأن وأنفع وتقوم لحوم الضأن فيها مقام لحم المعز بغيرها لأنها غير ملائمة لأهلها وللسافرة المجتازين من أجل مراعيها وشرب أهلها من ماء المطر المختزن في المواجل.
أما المؤرخ والجغرافي البكري فقال عنها في سنة1068 م أنها: مدينة كبيرة علي سيف البحر عليها سور من طوب, وبها جامع وحمام وأسواق ولها ثلاثة أبواب, قبلي وجوفي وباب صغير إلي البحر, ليس حولها أرياض, ولهم نحل وبساتين وآبار عذبة وجباب كثيرة, ذبائحهم الماعز, ولحمانها عذبة طيبة, ليس يؤكل بطريق مصر أطيب من لحومها.
وذكر الإدريسي في سنة1068 م في كتابه نزهة المشتاق أن عمرانها ضغف, أما ابن سعيد المغربي فقال عنها في سنة1240 م أنها لم تعد سوي قصر يقيم به بعض العرب, وقد هجر هذا القصر بعد ذلك وأصبحت مدينة سرت أطلالا من غير ساكن.
وتقع آثارها اليوم التي تعرف بالمدينة علي بعد55 كم إلي الشرق من مدينة سرت الحالية, وعلي بعد5 كم من قرية سلطان من الغرب, وتبعد عن ساحل خليج سرت600 متر, وشمال الطريق الساحلي بمسافة800 متر. وتتخذ آثار المدينة الشكل البيضاوي الغير منتظم بقياس يصل إلي500 متر من الشرق إلي الغرب و450 متر من الشمال إلي الجنوب, وهي تغطي مساحة قدرها184 ألف متر مربع, وهي محاطة بسور يبلغ طوله1750 مترا, وقربها متحف صغير يضم بعض القطع الآثرية الإسلامية.
شاهد علي التاريخ
وسرت لها من الرفعة والجاه مقدار كبير لابأس به في شأن المدن علي حد قول مرافقي في رحلة البحث والتأمل المؤرخ الدكتور علي فهمي خشيم رحمه الله والذي يقول: هي شاهد حي علي أحداث تاريخية هامة ووقعت فيها أهم معركة ضد الايطاليين في29 ابريل1915 وهي معركة القرضابية الشهيرة التي هزم فيها الايطاليون بقيادة الجنرال أمياني و فيها عقد أول مؤتمر للوحدة الوطنية في يوم السبت الموافق22 يناير1922 أيام الجهاد ضد الغزو الإيطالي لليبيا, وظلت حاضرة علي أهم الأحداث التاريخية الليبية حتي أواخر التسعينات من القرن العشرين حيث شهدت المدينة أهم حدثين في تاريخها هما إعلان الاتحاد الأفريقي في9 سبتمبر1999 بمجمع قاعات واقادوقو الذي يعد الآن من معالمها الشهيرة وبين جدرانها تم توقيع اتفاق سلام البحيرات العظمي, وتعقد فيها بشكل دوري اجتماعات مؤتمر الشعب العام الليبي, كما تنظم فيها المؤتمرات الدولية ومؤتمرات القمة. وقد رشحت لتستضيف بعض مقار الاتحاد الأفريقي.
هي مسقط رأس السيد أحمد سيف النصر أحد قادة الجهاد الليبي فترة الغزو الايطالي كما يضيف الدكتور خشيم, ويعتبر العقيد معمر القذافي أشهر شخصية تنتمي إلي هذه المدينة, فهي مسقط رأسه حوالي.1942 ومنذ وصوله إلي السلطة في1969 اكتسبت أهمية خاصة, حيث نقلت اليها معظم الوزارات في فترة الثمانيات والتسعينات, كما بني فيها العقيد القذافي مجموعة من المباني الحديثة أهمها قاعة واقادوقو الضخمة للمؤتمرات, والمدينة هي موطن حامية الجيش, وقاعدة هون العسكرية علي مسافة240 كيلومتر جنوبا, وهي ترتبط بسرت عبر طريق بري وآخر جوي, وفي القاعدة الجوية نحو50 حظيرة طائرات من الخرسانة المسلحة التي تستخدم عادة لحماية الطائرات المقاتلة, وفقا لما بينت صور الأقمار الصناعية التي حللتها وكالة رويترز للانباء مؤخرا في ذروة المعارك بين الثوار وكتائب القذافي.
ويلتقي عندها أنبوبا النهر الصناعي العظيم القادم من واحات السرير والكفرة والآخر القادم من جبل الحساونة ليشكلا أطول وأضخم شبكة لنقل المياه في العالم من صنع الإنسان عرفها التاريخ, ويتجمع الماء القادم في بحيرتين صناعيتن معلقتين سعة الاولي اربعة ملايين متر مكعب وسعة الثانية ستة عشر مليون متر مكعب, وكما الحال في سائر المدن الليبية, جعل القذافي له في سرت مجمعا سكنيا ظل يتنقل فيه متخفيا حتي قرب نهايته.
مسقط رأس العقيد
وأقلب صفحات سرت مع الدكتور خشيم ونحن علي أعتاب المدينة ليقول: بدأت سرت كموقع صغير علي الطريق الساحلي, لا صناعة فيها, مع قليل من الزراعة لأرض غالبية سكانها من البدو, وعلي مقربة من هناك في قرية جهنم, ولد القذافي في خيمة, وأرسله أهله البدو إلي المدرسة الابتدائية في مدينة سرت, وأبدي اهتماما بالمدينة بعد استيلائه علي السلطة عام1969, وخلال العقود الأربعة من حكمه نفذ مشروعات البنية التحتية وأنشأ جامعة في المدينة التي ازدهرت بها حركة التعمير وانتشرت المباني الشاهقة في سرت التي تقع علي البحر الابيض المتوسط وتطل علي الخليج الذي عرف باسمها, خليج سرت الذي كان يعرفه التاريخ بإسم خليج السدرة والذي شهد إبان الحرب الباردة مواجهات بين ليبيا وأميركا وقد أطلق علي المدينة اسم الرباط الأمامي بعد هذه المواجهات, وسمي خليجها للسبب ذاته باسم خليج التحدي.
جعل القدر لها خصوصية متميزة يقول المؤرخ الدكتور علي فهمي خشيم- فالمدينة في منتصف الساحل الليبي بين طرابلس وبنغازي, وتبعد عن العاصمة طرابلس450( كلم) شرقا, وتجمع في طقسها بين الاعتدال البحري والطقس الصحراوي, وكانت قديما من كبريات المدن وكانت محطة مهمة علي طريق القوافل بين برقة( مسقط رأس المجاهد الكبير عمر المختار) وطرابلس وبين أفريقيا وأوروبا, وتعتبر المدينة الواقعة علي البحر الأبيض المتوسط رابطا رئيسيا لخطوط المواصلات بين شمال البلاد وجنوبها, فالمدينة الواقعة شمالا في منتصف الساحل الليبي تقريبا يربطها طريقا رئيسيا يمكن الوصول منه إلي آخر نقطة مأهولة في الجنوب.
وتعتبر مدينة سرت من المواقع البالغة الأهمية حيث تحتل موقعا متوسطا يجمع بين الشرق والغرب, وفي نفس الوقت تعتبر البوابة التي يمكن لمن يسيطر عليها النفاذ إلي المناطق الداخلية بفزان, ويمكن اتخاذها قاعدة للإنطلاق إلي الواحات التي تقع إلي الشرق والجنوب, وتبلغ مساحتها(69) ألف كيلو متر مربع, وعدد سكانها وضواحيها في حدود70000 نسمة يعيشون علي العمل في مجال تربية الماشية والإبل في المساحات الشاسعة من الأراضي الرعوية والعشبية بالإضافة إلي بعض الأنشطة الزراعية الأخري وبعض المهن الحرفية, كما يعمل السكان في المجال الصناعي وخاصة بالمواني النفطية برأس لانوف والسدرة بالمجمع الكيميائي العملاق رأس لانوف وفي مجال الخدمات الإدارية والتجارية المختلفة, ويمتهن سكانها تربية الابل والضأن والماعز كأنشطة رئيسية للسكان بالإضافة إلي بعض الانشطة الزراعية الأخري وبعض المهن الحرفية, كما تعد أكبر منطقة ذات كثافة في عدد الماشية,(580 ألف رأس), ومن آثارها القديمة بقايا المسجد الفاطمي, وهي الآن مدينة حديثة تتوافر فيها شبكات الطرق الحديثة والمجمعات السياحية والاستراحات.
تضاريس ومعالم
في رحلتي إليها سرت ومعي مرافقي من أسرة القذاذفة الذين ينحدرون من أصول عربية من الجزيرة العربية- والذي رفض ذكر اسمه- نشتم رائحة التاريخ الممزوج بعبق المكان, وهو يقول في خيلاء وتيه عن مدينته ومسقط رأسه أيضا: تمتاز المناطق الشاطئية في المدينة بطقس متوسطي معتدل معظم فصول السنة, أما المناطق البعيدة عن الساحل فتتميز بأنها شديدة الحرارة صيفا وشديدة البرودة شتاء, ويتراوح المتوسط السنوي لهطول الأمطار ما بين200 ملم عند الشريط الساحلي و50 ملم بالمناطق الشبه صحراوية بعيدا عن الساحل.
لذهب سويا الآن إلي عمق المدينة للتعريف بأبرز معالمها ونقف هنا لحظة لالتقاط الأنفاس بعد رحلة عناء طويلة, نحن الآن علي مشارف مدينة قديمة تقع شرق سرت الحالية,هي مدينة سلطان, التي تأسست علي يد مجموعة من القبائل الوطنية منذ عهود قديمة, واشتهرت في القرن السادس قبل الميلاد واستخدمت لتبادل السلع التجارية مع السكان مرفأ لرسو سفنهم, ومن ذلك الوقت أصبحت ضمن منطقة نفوذهم ونظمهم, وترجع معالمها الأثرية الموجودة حاليا إلي العهد الإسلامي, والتي من أهمها المسجد والبوابات والسور الذي يلف المدينة, ولابأس من زيارة خاطفة تلقي من خلالها نظرة خاصة متأملا في تاريخ المكان المستمد من قدر سرت مدينة التاريخ وأنت تقف علي أطلال ز س من بين أبراج التخوم التي شيدت في مواجهة القبائل الصحراوية.
ولابد لزائر سرت- علي حد قول رفيق الرحلة- من أن تلمح عيناه قرية تسمي وادي قرزة في الجهة الغربية من الشعبية, والذي ترجع شهرته التاريخية إلي الفنيقين عندما كانت قرية صغيرة تعتبر محطة لتجارة القوافل مع مناطق القارة الأفريقية والسواحل الشمالية, ويذكر بأنها كانت مركزا للقبائل الهوارية وأهم معالمها الأثرية الباقية ترجع إلي عهد الرومان, الذين غيروا الكثير منها بعد سيطرتهم عليها ويوجد بها العديد من بقايا الأضرحة والمباني والنقوش والمقابر والمساكن والمنارات التي استخدم في بنائها حجر جيري مستقطع من نفس المنطقة, كما يوجد قربها آثار سدود لحجز المياه, وكانت قرزة من بين مناطق التخوم في زمن الإمبراطور سبتميوس سويرس.
ولابد لزائر سرت من أن يعرج علي قرية عرفت باسم قصور حسان تقع غرب سرت الحالية بحوالي ستين كم, أسسها حسان النعمان القائد الإسلامي الذي تولي قيادة الفتوح في المنطقة المغاربية, وجعلها مقرا لقيادته لمدة خمس سنوات, وانطلقت منها الجيوش الإسلامية لمحاربة الكاهنة, ومواصلة الفتوح, وظهر فيها عدد من العلماء ورجال الفكر.
ويبقي في لوحة سرت المدينة والبشر كثير من الحكايات والأساطير المخفية مابين سطور التاريخ, فقد ساقها القدر بحكم الجغرافيا والتاريخ إلي لعب أدوار مهمة- رغم أنها كانت الملاذ الأخير ومدينة الفرار إلي جهنم القذافي- ربما ندركها في كتاب ليبيا الجديدة التي ولدت يوم20 أكتوبر, فقد حباها المولي سبحانه وتعالي بقدر هائل من التنوع المنسجم ليرسم لوحة جميلة وفريدة, ووضع سرت بين المناطق السياحية المهمة في ليبيا رغم ما لحق بها من دمار حالي علي يد القذافي وكتائبه, فقد ولدت فيها أزهار حرية جديدة من رحم أهازيج صاحب ثورة الهلوسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.