كما اعتادت تعمل وتناضل وتتحدي قوي الظلام رحلت في صمت وانجاري ماثاي خيرة نساء القارة الإفريقية مؤسسة جمعية الحزام الأخضر والتي تحدت بصوت عال قوي الاستعمار التي عادت من شباك الاستثمار والعولمة بعد استقلال دول القارة, وكشفت مفاسد الحكام الخونة والعملاء الذين نهبوا ثرواتها, وهزمت عشرات المؤامرات التي قادها الفاسدون للقضاء عليها. خسرت هذا الأسبوع مسز متاي كما اعتادوا أن يطلقوا عليها معركتها الأخيرة مع المرض بعد أيام من احتفالها بعيد ميلادها الحادي والسبعين. ارتبط اسم مارجوري بالدفاع عن البيئة عندما بدأت مشوارها باطلاق صيحتها التي وجهتها الي نساء كينيا بالنضال من أجل تنقية الهواء والماء لحماية صحة أبنائنا وكانت تدفع لهن بضعة قروش لتغرس كل واحدة شجرة, وشاركت نساء وطنها في إقامة حزام أخضر لحماية هواء كينيا من التلوث ولأنه لا كرامة للمرأة في وطن بائس غارق في مستنقعات التخلف, ولا في قارة تحكمها قوي الرجعية والفساد والتمزق, فقد ماتت بعد أن أعطت الكثير لوطنها ولكل نساء القارة السوداء والعالم. كانت متاي التي وصفتها الصحافة الغربية بالمرأة الأكثر احتراما بين نساء إفريقيا متعددة المواهب والثقافات والمناصب, فهي ناشطة في البيئة وفي الدفاع عن حقوق المرأة وسياسية وترأس في بلادها الحملات ضد الفساد والدفاع عن حقوق الإنسان وأسست في عام7791 حركة الحزام الأخضر التي زرعت عضواتها وكلهن من النساء حزاما من الأشجار حول كينيا ليس فقط لحماية البيئة ولكن لايجاد فرص عمل للكينيات. أعيد لنوبل للسلام إحترامها وتقدير العالم لها عندما حصلت علي الجائزة في عام4002 وانجاري ماثاي, بعد أن ساءت سمعة هذه الجائزة وابتذلت عندما تقرر منحها لمناحم بيجين ثم إسحاق رابين, لكنها عادت في رأيي للابتذال والخنوع لضغوط الولاياتالمتحدة عندما حصل عليها منذ عامين باراك أوباما الذي ضحك علي العالم بابتسامته البريئة كما خدع لجنة الجائزة بسماحة وجهه الأسمر. عرضت الناشطة الإفريقية التي عاشت طوال عمرها مهمومة بآلام وأحزان قارتها, رؤيتها للنهوض وتنمية القارة الإفريقية في الجامعات والمؤتمرات العلمية حول العالم, تتحدث بصوت عال عن تراجع الاهتمام بالبيئة وانتشار الفقر وانهيار مستويات الصحة في العالم الثالث, لكنها لم تنس لحظة موطنها الأصلي في كينيا وأحياءها الشعبية الفقيرة وتجولت حول دول القارة تتحدث الي أبنائها وتوجه النصيحة لحكامها. فالتحديات التي تواجه إفريقيا كثيرة ومتشابكة, والقارة في أشد الحاجة الي عقول وسواعد أبنائها, وليس للمستثمرين البيض والصفر, الذين دخلوا القارة من أبواب العولمة الخلفية بعد الاستقلال ليستنزفوا ما تبقي من مواردها ومعادنها فهم أكثر إنتهاكا وتدميرا للقارة من المستعمرين القدامي, والجرائم التي ترتكب بأيدي المستعمرين الجدد لا تقل خطرا عن مذابح المستعمرين القدامي للأرض وللإنسان الإفريقي. المدافعون عن البيئة بحثوا عن وانجاري ماثاي التي ولدت عام0491 بمدينة نييري الصغيرة وسط كينيا, عندما أسست حركة الحزام الأخضر, وقد نجحت من خلال شبكة من نساء الريف في غرس ثلاثين مليون شجرة حول كينيا منذ عام1977, لقد ناضلت مع آلاف النساء الكينيات في صمت علي مدي ثلاثين عاما ومنذ عودتها من بعثتها في الولاياتالمتحدة بعد حصولها علي الدكتوراه في التشريح البيطري, بحثا عن السبل لتحطيم الحواجز التي بناها المستعمرون لحرمان شعوب القارة من ثرواتهم ومن حقوقهم الإنسانية, وطالبت الأفارقة بأن ينهضوا بالبيئة ويرتبطوا بوطنهم وقارتهم ويشاركوا في بنائها ولا ينعزلوا عنها كانت تؤمن بأن إفريقيا جزء من العالم فنحن جميعا نشترك في الأرض, وننتمي للحضارة الإنسانية. في كل أحاديثها وكتاباتها تبدو أحزانها علي إفريقيا التي ذبحها المستعمرون البيض مع سبق الاصرار, وهذا الاهتمام بإفريقيا كان يأتي من داخلها ومن إيمانها بوطنها وخوفها من المؤامرات التي ترتكب في حق القارة من قوي الاستعمار الجديد لم تكن ونجاري متاي اقتصادية أو باحثة اجتماعية, ورفضت كل العروض التي تجذب المثقفين من أبناء القارة للعمل في وكالات المعونات ومنظمات التنمية الدولية, كانت تؤكد باستمرار أنها باحثة بيولوجية عملت لعدة سنوات أستاذة بالجامعة, وانتخبت عضوا بالبرلمان لخمس سنوات ثم نائبا لوزير البيئة والمصادر الطبيعية في حكومة الرئيس مواي كيباكي, لكن نضالها مع نساء كينيا في حركة الحزام الأخضر, كان أكثر ما تعتز به, وهو ما أقنع لجنة نوبل بأحقيتها في الحصول علي جائزة نوبل للسلام. كانت مسز ماثاي تقول إن أكبر الكوارث التي حلت بإفريقيا بعد الاستقلال, هي أن الشعوب الإفريقية أعطت الأمان والثقة لحكامها, لكن قلة من هؤلاء الحكام كانوا جديرين بهذه الثقة, فالتخلف الذي أصاب القارة ولايزال ينهش في جسدها, هو بسبب غياب اخلاقيات ومبادئ القيادات, ولأن الشعوب تتأثر بسلوكيات حكامها فقد انتشر سرطان الفساد في أحشاء القارة إنها تري أن الأنظمة الإفريقية الحاكمة خانت أحلام وطموحات شعوبها, واستخدمت الحصانة في نهب ثروات البلاد, وتعمد الحكام أن يستنزفوا مواطنيهم في حروب أهلية وصراعات محلية. أبعدوها عن منصبها الوزاري عام8002 بسبب معارضتها للحكومة الجديدة وفي إحدي مظاهرات الاحتجاج علي فساد الحاكم والطبقة الحاكمة التي تنهب أراضي وثروات الشعب أطلقت الشرطة القنابل المسيلة للدموع علي الغاضبين وتعرضت مارجوري بعدها لأزمة صحية في الجهاز التنفسي لازمتها حتي وفاتها. لكن حياة وانجاري ماثاي الخاصة لم تكن أيضا سهلة أو سعيدة, فهي مثل ملايين الإفريقيات, وقعت ضحية ظلم الرجل الإفريقي وأخلاقياته وتراثه الاجتماعي المريض, فقد طلقها زوجها موانجي ماثاي, ولم يخجل أن يعلن أنه اضطر لطلاقها بسبب أنها امرأة قوية الشخصية تجبر كل من حولها علي احترامها وعندما انتقدت القاضي الرجل الذي حكم ضدها في قضية الطلاق, ألقي بها في السجن. رحلت هذا الأسبوع السمراء الجميلة التي كانت تملأ حياة مجتمعها بابتسامتها ضحكا وأملا في مستقبل افضل, في وقت تحتاج فيه إفريقيا لقيادات لديهن القدرة علي إعادة رسم خريطتها الاجتماعية والسياسية, ولديهن مناعة طبيعية ضد الفساد.