قبل أن تصبح النسوية مثارا لسخرية البعض، وقبل أن ترتبط في أذهان الآخرين بفكرة "حقوق المرأة" وحسب، كانت قد أسست لفكرتها الأهم: القدرة علي حكي التاريخ من وجهة نظر الجندر، أو النوع الاجتماعي. كيف يختلف حكيك للتاريخ بحسب كونك ذكرا أو أنثي، ربما يكون هذا هو السؤال الأهم للنسوية. في عام 1995 تم تأسيس مؤسسة "المرأة والذاكرة" كواحدة من أهم الجمعيات التي تدرس مجال النسوية والجندر في مصر. تم تأسيس المؤسسة ومعها مكتبتها الصغيرة، التي توسعت حتي وصلت الآن إلي ثلاثة آلاف كتاب. ومؤسساتها هن أميمة أبو بكر، إيمان بيبرس، رانيا عبد الرحمن، سحر صبحي عبد الحكيم، هالة كمال، هدي السعدي وهدي الصدة. شعار المؤسسة هو "نحو معرفة بديلة"، والكلمة التي تشرح رؤيتها تقول: "تتطلع مؤسسة المرأة والذاكرة إلي مجتمع تتحقق فيه العدالة وتكافؤ الفرص للنساء والرجال، مجتمع حيوي قادرة علي إنتاج معرفة بديلة لإعادة تشكيل علاقات القوي في مختلف البني الاجتماعية." المعرفة البديلة، يبدو أنها كلمة السر.
مكتبة المؤسسة تهتم بالجندر بشكل أساسي، ألمح فيها مجموعات كاملة من مجلات "الفتاة" و"بنت النيل" وغيرها من المجلات التي عنيت بالمرأة من فترات مختلفة من التاريخ. مجلة "الفتاة" حصلت عليها المؤسسة في صدفة تحكيها لي داليا الحمامصي، مسئولة المكتبة. كانت هدي الصدة في جامعة ييل بالولايات المتحدة وعثرت علي نسخ من المجلة التي لم تصدر إلا في عامي 1892 و 1893، قامت بتصويرها وعادت بها إلي "المرأة والذاكرة"، وقامت المؤسسة بإعادة طباعتها مرة أخري. ولكن للمكتبة اهتماما آخر بجانب الجندر:The Gray Literature ، أو الأدب محدود التداول (حرفيا: الأدب الرمادي)، تلك الكتب الصادرة عن الجمعيات الأهلية والتي تنفد بسرعة ولا تتم إعادة طباعتها من جديد، تحاول المؤسسة الحصول علي نسخ من تلك الكتب لتصبح متاحة للاطلاع، وبشكل أساسي، كتب المراكز والجمعيات الأهلية المهتمة بقضايا المرأة والرجل. المكتبة مفتوحة للاطلاع في يومي الإثنين والخميس، علي أن يتغير هذا الأمر لاحقا وتفتح أبوابها في جميع الأيام. أسأل داليا الحمامصي، المسئولة عن المكتبة، عن الجمهور، فتجيب: "هو ليس كبيرا جدا. نحن لسنا مكتبة عامة في النهاية. نحن مكتبة متخصصة وجمهورنا أغلبه من الباحثين والطلبة والأكاديميين. أحيانا ما يأتي شخص للمؤسسة فيتعرف بالمكتبة وتبدأ علاقته بنا." من المقتنيات التي يعتز بها مديرو المؤسسة والمكتبة بشدة مجموعة الأوراق الخاصة بالمناضلة النسائية وداد متري. المجموعة تضم أوراقا شخصية وصورا وكتبا. قبل وفاتها كانت لمتري علاقة قوية بالمؤسسة، وعند وفاتها تبرعت ابنتها بالمقتنيات الشخصية لها. لا تزال "المرأة والذاكرة" تسير يتم العمل علي إدراج هذه الوثائق علي شبكة الإنترنت لتصبح متاحة لاطلاع الجميع. تضم مجموعة وداد متري أيضا أوراقا كتبتها، مذكرات يومية جمعتها في كراسات كانت تكتب فيها في سفرياتها لحضور المؤتمرات المختلفة. "كان لديها كراسات لكل سفرة. أري أنه من المهم جدا العمل علي نشر هذه المذكرات في كتب"، تقول الحمامصي. كذلك أصدرت المؤسسة كتاب كراسات جميلة صبري، وهي من المناضلات اللاتي عملن مع هدي شعراوي. وأهدت صافيناز كاظم مذكراتها للمؤسسة. علي أي أساس يتم اختيار الكتب في المكتبة؟ تشرح لي الحمامصي أنها تقوم بهذا الدور مع لمياء توفيق، تضيف: "إصدارات الجمعيات الأهلية موضوعها واضح، نبدأ بكتب الجمعيات المهتمة بقضايا المرأة، نقنيها كلها، ثم ننتقل إلي باقي الجمعيات فنركز علي أقسم المرأة والجندر فيها. المشكلة هي في كتب سوق النشر، وهذه اختارها مع الدكتورة لمياء، هي تحدد أولويات الشراء وما سيدخل منها علي السيستم الإلكتروني وما ليست له الأولوية. هناك مكتبات، مثلا مكتبة ليلي ومكتبة بدرخان، تبلغنا أولا بأول بالجديد في السوق، وننتقي منه ما يتوافق مع اتجاهاتنا." تضع المؤسسة المكتبات في اعتبارها، تحاول توزيع كتبها فيها، ولكن الموضوع صعب، والمكتبات التي تتعامل معهم هي ، مكتبة ليلي ومكتبة بدرخان أيضا ، بالإضافة إلي ديوان. تخصص المؤسسة في قضايا الجندر يجعل المسألة أكثر صعوبة، كما تشرح داليا. بجانب الكتب، فالمكتبة تقيم فعاليات ذات طابع نسوي كذلك، تم عرض أفلام مثل "أربع نساء من مصر" لتهاني راشد، "سلطة بلدي" لنادية كامل، و"صمت القصور" للتونسية مفيدة تلاتلي. كما تمت مناقشة رواية "أوراق النرجس" لسمية رمضان، و"بطلات وضحايا" لإيمان بيبرس. يضاف إلي هذا ورش الكتابة، كان هذا مشروع الباحثة هالة كمال، ورشة تعمل علي إعادة كتابة الحكايات الشعبية من وجهة نظر نسوية، وكانت تعقد بشكل شهري، عملت في هذا المشروع سمية رمضان وسحر الموجي وهالة كمال نفسها وأخريات. أحيانا ما كانت تنتج عنها نصوص لها علاقة بالنص الأصلي وأحيانا ما لم تكن لها علاقة. - كل من كانوا معكن كن كاتبات. ليس هناك كتاب أبدا؟ - حاولنا. دعونا عدة كتاب. ولكن من استمررن كن الكاتبات للأسف. لم يقتصر موضوع الورشة علي إصدار الكتب، مثل "قالت الراويات. ما لم تقله شهرزاد" إعداد هالة كمال مثلا، وإنما امتد أيضا إلي أمسيات الحكي. عرضت الورشة عروضها في بيت الهراوي وغيره، وذلك تحت لافتة "المرأة والذاكرة، قبل أن تنفصل مجموعة من الكاتبات عن هذا المشروع ويعرضن حكاياتهن في زينب خاتون وغيرها. أميمة أبو بكر المديرة التنفيذية لمؤسسة "المرأة والذاكرة"، تشرح مشكلة المكتبة والمؤسسة بشكل عام، أول مشكلة هي التمويل، فالتمويل دائما ما يأتي من هيئات عالمية مهتمة بفضايا المرأة مثل فورد والمؤسسة الألمانية فريدريش أيبرت، ولكنه تمويل جزئي. بينما تحتاج المؤسسة إلي مبالغ أكبر لإصدار كتب مثلا، بالإضافة إلي أن قطاع رجال وسيدات الأعمال في مصر غير مهتم بمساعدة المؤسسة: "وإلا لم نكن سنضطر للجوء للمؤسسات الأجنبية، وتحمل وصمة التمويل الأجنبي." تبرر هي عدم الاهتمام بأن المؤسسة تعمل علي مجالين، أولا المرأة، وثانيا الثقافة، وهما مجالان أكاديميان وبحثيان لا يعملان بشكل مباشر علي القضايا التنموية الواضحة التي تعمل عليها المراكز الأخري. هناك الشق الآخر، وهو مرتبط بقوانين الجمعيات الأهلية التي تتغير كل عدة سنوات وتصبح أكثر تضييقا علي عمل الجمعيات. وهو ما يتمثل في إشراف وزارة التضامن الاجتماعي علي المؤسسة: "نحن لسنا ضد الإشراف. نحن لا نقوم بخطأ. ولكن التأخير هو ما يعطل عملنا. حتي يتم صرف التمويل لنا يستغرق الأمر عدة أشهر للحصول علي الأوراق المطلوبة. بينما المانح لا يهتم بهذه التفاصيل. هو يريد أن يري العمل مكتملا في الوقت الذي يحدده."
هناك مشروعان قد توقفا بسبب عدم توفر التمويل، وهما مشروعا كتب الأطفال ( قصص للأطفال برؤية نسوية) ومشروع رسم المصطلحات النسوية بالصور: "أتانا دعم فأصدرنا كتابين أو ثلاثة، وتوقف الدعم فتوقفنا"، تقول أبو بكر مبتسمة، وتستدرك قائلة أنهم بصدد البدء من جديد في المشروعين مرة أخري. ولكن الصورة ليست قاتمة تماما، تنهي أبو بكر حديثها بالإشارة إلي مشروع يأخذ كل المجهول والمال الآن في المؤسسة. فقبل نهاية العام، تؤكد، ستصدر "المرأة والذاكرة" ستة كتب، عبارة عن ترجمات لمقالات مؤسسة في مواضيع الجندر، مقالات أكاديمية نشرت منذ الثمانينيات وأسست لتاريخ الدراسات النسوية، هي علي التوالي، الجندر وعلم النفس، الجندر وعلم الاجتماع، والعلوم السياسية، والتاريخ، والنقد الأجبي، والعلوم الدينية. حصلت المؤسسة علي حقوق الملكية الفكرية للمقالات المترجمة والآن هي تعمل علي ترجمتها من الإنجليزية: "أتمني أن يأتي اليوم الذي نصل فيه إلي درجة الرقي التي يتحول عندها الجندر إلي أمر جاد، وليس مجرد موضوع نبدأ بإلقاء النكات حوله وحول الرجال والنساء وعلاقاتهم." في خطوات توثيق امتلاكها لهذه الأوراق. كما