سيدة تعشق الحكايات، ترتاد مقاهي المشردين والتائهين في صحراء الدنيا، تجمع ما تناثر من رواياتهم وتحاول قدر استطاعتها هدايتهم إلي خيام المضيفين.. حيث الغذاء والدفء والسمر الليلي والحكايات.. سيدة ليست هي التلميذة التي تسند كتبها إلي صدرها لتحميه من نظرات المفترسين المشتهين، ولا هي المرأة التي حين تظلم عليها الدنيا مساءً تكون سريراً لرجل واحد أبداً لا يتغير.. سيدة تفكر دائما في المشردين والتائهين في الصحراء.. منذ تخلفت عن الركب ذات مرة، وصارت وحيدة تشارك ذرات الرمال ضياع الصحراء وعطشها.. يومها، مر فارسها، ركب خلفها أو أركبها أمامه، وأوصلها لشط الأمان، يومها ذهبت سيدة إلي خيمة أبيها.. نَشَرت في الأفق حكايات عنه.. هو النقي، التقي، الورع.. هو الصديق، هو الوفي، هو الكريم، هو الشجاع، هو زير النساء، هو الخصي... تحاول سيدة أن ترسم المتشابه في المختلف، أن توحد بين ذاته وبين حلمها، لكنها تخفي خلف رؤيتها نظرات تطاردها وتطارده، لمزات تحاصره وتحاصرها.. سيدة تكره النظرات، تفهم اللمزات، لذلك استترت في ليلها بالرجال وفي نهارها بالنقاب. سيدة ليست امرأة عادية، ليقول عنها التاريخ إنها كانت هنا ورحلت، فآثار سيدة وبصماتها فوق جسد كل رجل مرت من أمامه، رمت عيونها تجاهه، تركت كلمة أو صوتا أو لونا أو طَعما من فمها علي شفاهه، لذلك فتح لها التاريخ صفحة أبدا لا تنغلق.. ليست هذه هي حكايتها الوحيدة، هي فقط ما استطاع التاريخ أن يضع إصبعه عليه من حكاياتها، لكن لسيدة قصة في الطفولة قبل أن تغادر دار أبيها وتغادرها، تذكر أنها كانت معها عروستها، تُجلسها علي حجرها تهدهدها كطفلها الذي لن تلده أبدا، تُسمعها حكاية من حكايات الرمل .. الدمع الذي يسقط لوأد النساء، فيجمع في البئر ليشربه ناس القبيلة والعابرون، وحوش الصحراء وطيورها.. كانت عروسة سيدة حزينة، لكن ليست مثل سيدة، أتت يومها أمها، أخذتها من يدها، ألبستها ما خلعه عنها آخر لتصير عروسة.. سيدة تترك للتاريخ صفحة مهمة لا تنسي ولا تنغلق ذ منذ ذلك اليوم- هي مثل الدمع يسقط من العين، تتلقفه الأرض ذ الحزينة ذ تتشربه، فيخرج نبت أخضر لتأكله بهائم الأرض دون أن تشعر أن هنا دمعاً وألماً.