عن سلسلة الجوائز التي تشرف عليها الكاتبة سهير المصادفة باقتدار لافت للنظر صدرت الطبعة العربية لرواية "البنيلوبية" لواحدة من أعلام الرواية الكندية وهي مارجريت أتوود بترجمة متميزة لعمرو خيري. الرواية فضلا عن أهميتها الأدبية يمكنها مساعدتنا لإعادة النظر في "النصوص" واختبارها، خصوصا النصوص التي يتم تقديسها بسبب اعتمادها رسميا من السلطة. أي سلطة. البنيلوبية رواية علي لسان بنيلوبي زوجة أوديسيوس في أوديسة هوميروس. والتي بحسب هوميروس ظلت علي وفائها لزوجها رغم سنوات اغترابه رافضة الخُطاب الذين تربصوا بها طمعا في ثروتها ومُلكها، حتي تحولت لرمز لوفاء المرأة. بنيلوبي: الراوية حسب المؤلفة لم يُسمح لها بأن تحكي حكايتها بنفسها في الأوديسة ولهذا فإن صوتها يأتينا من عالم الموتي الآن لتُفكك الأسطورة التي صُنعت لها علي غير رغبتها، ومن ثم فإننا ابتداء نكون أمام نص غير رسمي مروي بغرض الاشتباك مع نص رسمي هو نص هوميروس. هذا النص غير الرسمي يشتبك أولا مع منطق العقل الذي صاغ النص الرسمي فتقول بنيلوبي "تزعم الأناشيد أن وصول أوديسيوس وقراري الخاص باختبار القوس والفؤوس تزامنا بالصدفة أو بموجب خطة إلهية، وكانت هذه هي طريقتنا في التعبير عن فكرة الصدفة في زمننا." ويشتبك ثانيا مع خطابية النص فتقول "يقول البعض إن أوديسيوس تشاجر مع السيكلوب العملاق ذي العين الواحدة، فيقول البعض لا، بل هو صاحب الحانة الأعور، وكانت معركة علي دفع الحساب. يقول البعض إن قوما من أكلة لحوم البشر أكلوا بعض الرجال، فيقول البعض لا، بل هو شجار من الشجارات المألوفة، شمل عض الأذن ونزيف الأنف والطعنات وبقر البطون. قال البعض إن أوديسيوس حل ضيفا علي ربة جزيرة مسحورة، وأنها حوّلت الرجال إلي خنازير وهي ليست مهمة صعبة في رأيي ثم حولتهم مرة أخري إلي رجال، لأنها وقعت في هواه وراحت تطعمه من أطايب الطعام الذي بيديها الخالدتين، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر، وأنهما كانا ينامان معا كل ليلة وقد ذهبت اللذة بعقليهما، فيقول البعض لا، بل هو بيت عاهرات محترم وأنه ينام مع المعلمة مجانا." بسبب الموقع المتميز الذي حصلت عليه بنيلوبي بموتها والذي أتاح لها رؤية التاريخ، ومشاهدة المصائر المشتركة وغير المشتركة التي تجمعها والتي لا تجمعها بشخوص الأوديسة، والذين هم أناس من لحم ودم بالنسبة لها.. بسبب هذا الموقع المتميز أمكنها اختبار "النص" بعد أن صار خطابا، اختبار النص بعد اعتماده رسميا من قبل السلطة الأبوية واستخدامه كأداة أيديولوجية للهيمنة علي الآخرين، أو بالأحري علي الأخريات، والهبوط بالأسطورة إلي مستوي الحياة البشرية الفانية لتفكيكها والكشف عن دوافع صانعيها وعن غرض حُراسها. تقول بنيلوبي "ثم ماذا أصبحت بعد أن كسبت الرواية الرسمية المصداقية؟ أسطورة عن التهذيب، عصا تستخدم لضرب النساء الأخريات." فهل يمكننا في قابل الأيام سماع صوت البخاري البشري متجاوزا أسطورته ليحكي روايته بنفسه وهل يمكن لروايته الهبوط بالأسطورة إلي مستوي الحياة الفانية؟ سؤال جدير بالتطلع إليه.