في الأساطير اليونانية ملحمة عظيمة هي الأوديسا، وهي الملحمة الثانية لهوميروس بعد الالياذة. الالياذة تحكي قصة الحرب بين اليونان وطروادة التي عرفها الخاصة من القراءة ،والعامة من السينما حيث أخرجت عنها هوليوود أكثر من فيلم رأيت أنا منها اثنين، الأول كان اسمه هيلين الطروادية وكان اسمه التجاري حصان طروادة وعرض في الستينيات والثاني كان اسمه طروادة وعرض منذ ثلاثة أعوام وكان لبراد بيت.وحصان طروادة كما يعرف الجميع من القراءة أو السينما هو الحيلة التي لجأ إليها اليونانيون بعد حصار دام لعشر سنوات لم يستطيعوا فيه اختراق حصون طروادة وكان صاحب هذه الحيلة هو أوليس أو أوديسيوس الذي أشار علي قومه بالانسحاب وترك حصان خشبي ضخم داخله جنود يونانيون فإذا وجده الطرواديون ورأوا اختفاء الأعداء يأخذونه إلي داخل المدينة ويحتفلون بالنصر ويسكرون ويعربدون فيخرج الجنود من الحصان ويفتحوا أبواب الأسوار ليندفع منها اليونانيون الذين لم يكونوا بعيدا. هكذا سقطت طروادة وهكذا انتهت ملحمة الالياذة إلا أن أوديسيوس أو أوليس كان له ملحمة أخري في عودته إلي بيته في ايثاكا فلقد ضل طريقه في البحار والوديان ووضعت أمامه الآلهة اليونانية كل العراقيل لعشرين سنة كانت فيها زوجته بنيلوبي محاصرة بالرجال الذين يريدون الزواج بها وهي تعدهم أنها ستفعل ذلك بعد أن تنتهي من الثوب الذي تنسجه. وكانت بالنهار تنسج في الثوب وبالليل تفك كل ما نسجته إذ كان لديها الأمل دائما في عودة زوجها الذي عاد فعلا وفتك بكل الرجال المحيطين بها. يرحمه الله توفيق الحكيم الذي قدم لمسرحية ايزيس مقدمة جميلة قارن فيها بين وفاء بنيلوبي ووفاء ايزيس المصرية التي جابت البلاد حتي لبنان تجمع اشلاء زوجها اوزوريس الذي قتله أخوه ست من قبل ووزع أشلاءه في كل مكان ثم نفخت فيه من روحها بعد أن جمعت أشلاءه وأنجبت منه حورس الذي انتقم لأبيه وقتل عمه إله الشر ست. طالت المقدمة والله غصبا عني فأنا أحب الاساطير اليونانية اكثر من اي شيء قرأته. المهم أن يوليسيس أو اوديسيوس في عودته وقع هو وبحارته وهما علي البر ذات مرة في يد وحش اسطوري له عين واحدة حبسهم في كهفه الذي ينام فيه وكان يأكل منهم واحدا كل يوم. لكن أوليس أو أوديسيوس ومعناها الرجل كثير الحيل استطاع أن يخدعه اذ صنع له هو وجنوده الخمر من العنب الذي يجمعه الوحش بكثرة ليأكله وأهدي الخمر إليه ووجد الوحش الخمر جميلة فسأله عن اسمه فقال "لا أحد" وبعد أن سكر الوحش فقأ له أوليس عينه وأزاح هو ورجاله الصخرة التي يغلق بها الوحش كهفه وهرب. خرج الوحش وراءهم جاريا يصرخ ويده علي عينه لا يري وخرجت علي صراخه كل الوحوش التي تشبهه وتسكن الغابة وسألوه من فعل بك ذلك؟ فقال "لا أحد". وفي كل مرة يسألونه يقول لا أحد وكان أوليس ورجاله قد وصلوا إلي سفينتهم ورحلوا عن هذه الغابة الملعونة. تذكرت هذه الحكاية الاسطورية والفيلم القديم وكيرك دوجلاس يضحك سعيدا بالفوز وتلمع عيناه بالانتصار والخداع وأنا اتابع ما جري في نجع حمادي من اعتداء علي مواطنين مصريين فقط لأنهم اقباط وتذكرت كل الحوادث التي جرت من قبل وراح ضحيتها الأخوة الأقباط منذ حادثة الزاوية الحمراء في أواسط السبعينيات وفي كل مرة ينتهي الموضوع بلا أحد. وتم اختراع شيء اسمه العرف فيجلس الأقباط مع المسلمين مع السيد المحافظ والسيد مدير الأمن وينتهي المجلس العرفي بالصلح ولا أحد يدفع ثمن الجريمة. المجالس العرفية أمر كان يلجأ اليه الناس في المجتمعات القبلية قبل أن يعرف الناس القانون ونظام الدولة لكنه قفز إلي حياتنا منذ ثلاثين سنة وأكثر ويتصور أهل الحل والعقد أنهم بذلك يئدون الفتنة ومن المؤكد أنهم يقولون في أنفسهم الفتنة نائمة ولعن الله من أيقظها وأنهم بهذه المجالس العرفية صاروا مواطنين صالحين والحقيقة أنهم صاروا متخلفين لم تصل إليهم المدنية بعد أقصي أمانيهم أن يتم التقاط الصور والجميع يبتسمون ولم يلاحظ أحد أبدًا في أي صورة أن ابتسامة الأقباط فيها شيء من الانكسار أو عدم الرضا. والأهم لم يلاحظ أحد أبدًا أن الاعتداء علي الأقباط يعود ويحدث في أشكال أخري منحطة. المهم الصورة والإجابة الدائمة عن المجرم "بلا أحد". في الأسطورة اليونانية كان أوليس كثير الحيل وكان الوحش مفترسا يأكل من جنوده واحدا كل يوم فكانت حيلة أوليس سبيلا للنجاة لكننا هنا في بلد للأقباط فيه مثل ما لنا ، لا أريد أن أقول أكثر، ولا يأكلون واحدا من المسلمين كل يوم بل نحن الذين نأكل للأسف ورغم ذلك ينفذ الجناة كل مرة. ننام علي كارثة ونصحو علي لا أحد. هذه المرة ستختلف ولابد أن تختلف وتكاد تكون الاختبار الأخير لهذه الأمة أن تعود إلي رشدها وتنفض عنها الأفكار الوهابية المتخلفة التي عششت في أذهان العامة ولا بد للحكومة أو الحكم من وقفة مع هؤلاء الذين يروجون لهذا الفكر في كل مناحي الحياة وليس فيما يخص الأقباط فقط ابتداء من تغيير النص الذي وضعه السادات بلا مناسبة في الدستور عن دين الإسلام، لأنه لا دين للدولة ولا أي دولة والدولة توصف بأوصاف سياسية مثل الديمقراطية وغيرها والثواب والعقاب أمر وضعه البشر قبل الأديان بما يتفق مع تطور مجتمعاتهم ولا نستثني من ذلك إلا القواعد الخاصة بالأسرة مثل الميراث والزواج وغيره كم الأمور الشرعية، وأن يكون شعار ثورة 1919" الدين لله والوطن للجميع "هو الدرس الأول في المدارس والمساجد وكل مكان وأن تتسع كتب الأدب والتاريخ إلي الحقبة القبطية أكبر اتساع لأنها كانت من أعظم الحقب المصرية وأغناها. كانت فيها الإسكندرية عاصمة الدنيا ومصر كنزها. وأن توقف الدولة كل القنوات الفضائية المأجورة التي تشيع إسلاما ليس بالإسلام وأن توقف كل من هب ودب عن الفتوي وتصبح الفتوي وقفا علي المفتي وأن يكون المفتي بالانتخاب لتكون الثقة فيه أكبر مقاوم لكل من تسول له نفسه بالفتوي وكذلك يكون منصب شيخ الأزهر بالانتخاب حتي لا يكون موقفه ضعيفا أو مجروحا وأول الطرق إلي ذلك ألا يكون الجاني هذه المرة لا أحد.