تمثل الخطوة التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتوقيع أمر تنفيذي يمهّد لتصنيف بعض فروع جماعة الإخوان ك«منظمات إرهابية أجنبية»، نقطة تحول حادة في المسار الدولي تجاه الجماعة، وربما الأكثر خطورة على بنيتها وتنظيمها منذ تأسيسها عام 1928. القرار الذي يستهدف بالأساس فروع الجماعة في مصر والأردن ولبنان، يحمل دلالات سياسية وأمنية تتجاوز حدود التصنيف القانوني، ليضع الإخوان في مواجهة مباشرة مع أوسع حملة دولية لتجفيف مصادر تمويلها وتحجيم نفوذها، وهي حملة يمكن اعتبارها بمثابة «رصاصة استراتيجية» في مسار إضعاف التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية. اقرأ أيضا | «بوابة أخبار اليوم» تنشر نص الأمر التنفيذي لتصنيف بعض فروع الإخوان منظمات إرهابية عالمية دعوات صريحة للعنف الأمر التنفيذي لا يقدم فقط توصيفاً اتهامياً لفروع الإخوان، بل يربطها صراحة بعمليات عنف ذات صدى دولي، أبرزها هجمات 7 أكتوبر 2023 في إسرائيل، والتي أشار القرار إلى أن الجناح العسكري للفرع اللبناني للإخوان شارك فيها جنباً إلى جنب مع حماس وحزب الله وفصائل فلسطينية أخرى، هذا الربط لا يشكل مجرد تقييم سياسي، بل يمثل ركيزةاً قانونية يستخدم كدليل مباشر على ممارسة الجماعة للعنف عابراً للحدود. أيضا، يشير القرار إلى دعوات صريحة للعنف صدرت عن قيادات في الفرع المصري خلال أحداث أكتوبر 2023، إضافة إلى الدعم المادي الذي يقدمه الإخوان في الأردن للجناح المسلح لحركة حماس - حسب قرار ترامب - وهو بذلك يضع الجماعة في إطار شبكة إقليمية مترابطة، تستخدم العمل السياسي في دولة، والغطاء الدعوي في أخرى، والتمويل في ثالثة، لخدمة أجنحة مسلحة تعمل خارج الدولة الوطنية. ومن خلال هذا القرار، تبدو واشنطن وكأنها تقترب من الموقف المصري والخليجي، الذي طالما حذر من خطورة تمدد الإخوان، سواء عبر التغلغل في المجتمعات المحلية أو عبر العلاقات النوعية التي تربط الجماعة بفصائل مسلحة، لكن أهمية الخطوة الأمريكية تكمن في أنها تتجاوز خطاب التحذير إلى الإجراءات التنفيذية، التي تُلزم وزارة الخارجية ووزارة الخزانة بتقديم تقرير مشترك يحدد الفروع المستهدفة بالتصنيف خلال 30 يوماً، ثم اتخاذ إجراءات صارمة بحقها خلال 45 يوماً. فضائح "وثيقة المرشد" هذه الآلية الزمنية المنصوص عليها في الأمر التنفيذي، تعني أن الولاياتالمتحدة تتجه نحو تحرك مؤسسي، وليس مجرد موقف سياسي عابر، وهو ما يعيد إلى الأذهان القرارات التي اتخذتها واشنطن سابقاً ضد تنظيمات مثل القاعدة وحزب الله، والتي تحولت تدريجياً إلى حصار مالي دولي استمر سنوات وغير شكل هذه التنظيمات وقدرتها على الحركة. قرار "ترامب" جاء في سياق دولي وإقليمي متغير، يتسم بتصاعد القلق من نفوذ الجماعة داخل أوروبا، ومن شبكات التمويل المرتبطة بها بين الشرق الأوسط وأوروبا، لا سيما بعد فضائح "وثيقة المرشد" و"القضية 404" التي كشفت عن جمع تبرعات باسم غزة وتوجيهها إلى أنشطة سياسية وتنظيمية لا علاقة لها بالمساعدات الإنسانية، مثل هذه القضايا عززت القناعة بأن الإخوان لا يزالون يستخدمون واجهات خيرية لتمويل أنشطة حزبية أو مرتبطة بأجنحة مسلحة. ومع أن القرار الأمريكي يستهدف فروعاً محددة، وليس التنظيم الدولي ككل، إلا أنه يحدث أثراً مضاعفاً على مستوى الصورة العامة للجماعة، إذ يضعها ضمن إطار التنظيمات التي تمارس العنف بشكل مباشر، أو على الأقل توفر غطاء مالي لأنشطة مسلحة، وهو توصيف تسعى الجماعة دائماً إلى نفيه عبر خطاب «السلمية» و«العمل السياسي»، غير أن الاتهامات الأمريكة، مثلما وردت في نص القرار، لا تترك مساحة للتأويل، فهي تربط الجماعة بعمليات صاروخية وبالدعوة لهجمات عنيفة وبتمويل فصائل مسلحة. ولعل ما يزيد من خطورة القرار على الجماعة، هو أنه يأتي في وقت تتجه فيه دول أوروبية، وفي مقدمتها فرنسا، إلى مراجعة علاقتها بالجماعة، على خلفية تقارير أمنية تحذر من تأثير الإخوان على التماسك الوطني، حيث أمر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حكومته بوضع مقترحات للتعامل مع نفوذ الجماعة، وهو ما قد يفضي إلى إجراءات مشابهة في المستقبل الأوروبي، وإذا ما ترافق ذلك مع قرار أمريكي، فإن الجماعة قد تجد نفسها محاصرة بين أكبر قوتين. اقرأ أيضا | البيت الأبيض يُعلن تصنيف بعض فروع جماعة الإخوان كمنظمات إرهابية عالمية رؤية مصر تتحقق مصر صنفت الجماعة «منظمة إرهابية» منذ 2013، والموقف الأردني تشدد خلال السنوات الماضية وصولاً إلى حظر نشاطات الجماعة وإغلاق مقارها في 2024، أما في الخليج، فقد تبنت السعودية والإمارات والبحرين مواقف حازمة ضد التنظيم، معتبرة أنه يشكل خطراً على الأمن الوطني والاستقرار السياسي، ومع انضمام واشنطن لهذا المسار، تبدو الجماعة وكأنها تخسر آخر ما تبقى لها من مراكز النفوذ ذات الطابع الدولي. يعتمد القرار الأمريكي على رؤية ترى أن الإخوان يشكلون «شبكة عابرة للحدود»، تتقاطع مع مصالح خصوم الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران وحماس والجماعات الموالية لها، إلى جانب تعاون الفرع اللبناني مع حزب الله في هجمات ضد إسرائيل تحمل ما هو أكثر من مجرد إدانة، إذ تعني أن الجماعة باتت في نظر واشنطن جزءاً من محور يمتد من غزة إلى بيروت وطهران، وهو محور تقاربه الولاياتالمتحدة مع «التهديدات الأمنية» في المنطقة، وليس مع الحركات الإسلامية السياسية التقليدية. والسؤال الذي يطح نفسه: هل يمثل هذا القرار «الرصاصة الأخيرة» في نعش الجماعة؟ يبدو أن الإجابة تعتمد على كيفية تطبيق القرار وعلى مدى استعداد الإدارة الأمريكية والمؤسسات المرتبطة بها، للمضي قدماً في عملية التصنيف الكامل، حيث واجهت واشنطن تعقيدات في التعامل مع الإخوان بسبب حضورهم السياسي في دول حليفة، مثل الأردن وتونس والمغرب سابقاً، إلى جانب وجود قنوات اتصال استخبارية وسياسية بينهم وبين مؤسسات أمريكية. ترقب داخل التنظيم كما أن قدرات جماعة الإخوان على التكيف، التي طالما اعتبرت من أبرز عناصر قوتهم، تتعرض اليوم لتحديات غير مسبوقة، حيث يتزامن الحصار القانوني، والمالي، والسياسي مع انقسامات داخلية، وتراجع شعبي كبير، وانكماش نفوذ الجماعة في ساحات لطالما اعتبرتها ملاذاً آمناً، مثل تركياوماليزيا والسودان، وفي حال تكاملت الخطوات الأمريكية مع مسار دول الشرق الأوسط وأوروبا، فإن التنظيم سيجد نفسه لأول مرة أمام حصار دولي. وتترقب جماعة الإخوان، ما ستسفر عنه التقارير الأمريكية والإجراءات اللاحقة، يبدو أن التنظيم يقف على أعتاب مرحلة تاريخية مختلفة، تتراجع فيها قدرته على المناورة، في ظل بيئة دولية تقلص إلى الحد الأدنى من فرص استمراره بصورته القديمة، وإذا ما اكتملت الخطوات الأمريكية، بالتعاون مع الدول الإقليمية، فإن الجماعة قد تواجه بالفعل «الطلقات الأخيرة» التي تنهي نفوذها السياسي والتنظيمي.