فى قلب العواصمالغربية، حيث تُرفع شعارات الديمقراطية وحرية التعبير، تنشط مراكز بحثية وأكاديميات مرموقة لا تتردد فى مد جسور الدعم والترويج لجماعة الإخوان المسلمين، متجاهلة تاريخها الدموى وسجلها الحافل بالتطرف هذه المؤسسات لا تكتفى برفض تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، بل تذهب أبعد من ذلك حين تُضفى على أنشطتها مسحة من «السلمية» وتُقدّم قادتها باعتبارهم رموزًا للفكر المستنير والإصلاح. وبينما تكشف الحقائق عن ارتباط الجماعة بالعنف والإرهاب فى المنطقة، يواصل هؤلاء الباحثون والأكاديميون حملات تلميع الصورة وتزييف الوعى، مانحين الإخوان شرعية زائفة تسعى الجماعة لاستثمارها فى الداخل والخارج. اقرأ أيضًا | محمد الباز يكشف مفاجآت عن علاقة الإخوان مع إسرائيل إنها لعبة ناعمة تُدار من خلف جدران المراكز البحثية لتجميل وجه الإرهاب تحت ستار العلم والمعرفة.. «الأخبار» فى السطور القادمة تزيح الستار عن هذه المراكز والأكاديميات البحثية التى تدعم الإرهاب الإخوانى لفضحها أمام العالم أجمع. هبة القدسى الباحثة السابقة بمعهد وودرو ويلسون :بروكينجز تلقت 15مليون دولار لتنظيم مؤتمرات دعائية قالت الإعلامية والباحثة السياسية السابقة فى معهد وودرو ويلسون بواشنطن هبة القدسى ، إن هناك الكثير من مراكز الأبحاث الأمريكية والمواقع والمنظمات المدعومة من بعض الدول الشرق أوسطية والتى تمول هذه الكيانات الإرهابية بالمساعدات المالية، واستضافة القادة، والترويج الإعلامى، أو مناصرة السياسات، إلا أن العديد من الجهات تنفى وجود روابط مباشرة أو انتماءات إرهابية. وأكدت القدسى أن عددًا من مراكز الأبحاث الداعمة لقضايا الإخوان المسلمين تقدم أبحاثًا تُقلل من شأن عناصرها المتطرفة، أو تستضيف علماء تابعين للإخوان المسلمين، أو تتلقى تمويلًا من دول صديقة للتنظيم. وغالبًا ما تُصدر هذه المؤسسات تقارير تُعارض تصنيف الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية أو تُصوّرهم كقوة معتدلة. وتابعت بقولها: «من هذه المراكز الأمريكية مؤسسة بروكينجز التى تعرّضت لانتقادات بسبب علاقاتها مع إحدى الدول العربية . وتشير تقارير إلى أن المؤسسة تلقت منها ما يقرب من 15 مليون دولار لتمويل فعاليات مثل: المنتدى السنوى للولايات المتحدة والعالم الإسلامى، الذى يضم شخصيات مُقربة من الإخوان المسلمين مثل يوسف القرضاوى قبل وفاته. وسبق أن نشرت مؤسسة بروكينجز مقالات تُعارض تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية، وتصفهم فقط ب (المنظمة الإسلامية المتشددة). وتنفى المؤسسة أى تأثير للمانحين على آراء علمائها». وأشارت القدسى إلى أن هناك أيضًا معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم (ISPU، ومقره الولاياتالمتحدة) الذى يُجرى أبحاثًا حول المسلمين الأمريكيين، وغالبًا ما يُعارض تصنيف الإخوان كإرهابيين، ويُشجع على الحوار. وقد جادل بأن تصنيف الإخوان كإرهابيين قد يُؤدى إلى نتائج عكسية، مشيرًا إلى أن القيام بهذه الخطوة قد يُنفر المسلمين المعتدلين. وتابعت: «مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى (مقرها الولاياتالمتحدة) نشرت تحليلات تُحذّر من أن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين إرهابية قد يأتى بنتائج عكسية، مُصوّرةً إياها كحركة متنوعة ذات فروع سلمية. كما استضافت المؤسسة مناقشات حول دور الإخوان المسلمين فى سياسات ما بعد الربيع العربى، مُصوّرةً التنظيم فى كثير من الأحيان كجهة فاعلة شرعية». وأضافت: «أما المجلس الأطلسى (مقره الولاياتالمتحدة) فهو مُتّهم بتلقى تمويل من إحدى الدول العربية. ويُنظر إلى دعم هذه الدولة العربية لمراكز أبحاث مثل المجلس الأطلسى كجزء من حملة نفوذ أوسع نطاقًا لتعزيز الخطاب المؤيد للإخوان المسلمين فى دوائر السياسة الغربية». وأضافت القدسى أن مركز بيو للأبحاث (مقره الولاياتالمتحدة) أصدر تقارير عن الجماعات التابعة للإخوان المسلمين فى أوروبا، واصفًا إياها بأنها تُقدّم خدمات اجتماعية وتدافع عن قضايا المسلمين دون التشديد على صلاتها بالإرهاب. مايكل مورجان الباحث السياسى: جهود إسرائيل منعت تصنيف الجماعة إرهابية فى أمريكا قال الباحث السياسى مايكل مورجان إن الإخوان متغلغلون فى المراكز البحثية بأمريكا وعدد من الدول الغربية. وأضاف مورجان أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تُصنّف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية لعدة أسباب، موضحًا أنه كان يتوقع منذ ثمانية أعوام، وتحديدًا خلال الولاية الأولى للرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، أن يتم هذا التصنيف، خاصة بعد أن تقدم السيناتور تيد كروز بمقترح للكونجرس الأمريكى لتصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، غير أن التصويت لم يحصد الأغلبية المطلوبة. وأضاف مورجان: أن سياسة الولاياتالمتحدة تقوم على «مدّ الجسور للتعامل مع الجميع»، حيث ترى الإدارة الأمريكية أن هذا التصنيف قد يعرقل كثيرًا من العلاقات والملفات المستقبلية. وأشار إلى أن إدارة ترامب خلال الفترة الماضية تحدثت بشكل مباشر مع حركة حماس، التى تُعتبر الذراع المسلحة لجماعة الإخوان المسلمين، معتبرًا أن التلويح بهذا التصنيف لم يكن سوى وسيلة للضغط على حماس من أجل قبول شروط إسرائيل لوقف إطلاق النار. ولفت مورجان إلى أن تعامل ترامب لم يقتصر على هذا، بل امتد إلى إدارات بعض الدول التى دعمت الإرهاب بشكل مباشر، مشيرًا إلى أن «الرئيس السورى أحمد الشرع» - الذى كان مطلوبًا فى الولاياتالمتحدة ورُصدت مكافأة للقبض عليه - حصل على شرعية واسعة بعد ذلك . وأوضح الباحث السياسى: أن واشنطن كانت تسعى منذ وقت بعيد إلى إدراج الإخوان على قائمة الإرهاب، لأن هذا القرار كان سيسهم فى تجفيف منابع تمويلهم ويُحدث تأثيرًا كبيرًا على خريطة التوازنات فى المنطقة. غير أن التحالفات الجديدة، ورغبة إسرائيل بالدرجة الأولى فى استمرار هذه المعادلة، حالت دون اتخاذ هذه الخطوة. وأكد مورجان قناعته بأن هذه الجماعات الإرهابية تخدم الأجندة الإسرائيلية بشكل غير مباشر . د. رفعت سيد أحمد مدير مركز يافا للدراسات: الإخوان يمتلكون 60 منظمة داخل بريطانيا قال الدكتور رفعت سيد أحمد، مدير مركز يافا للدراسات والبحوث، إن دراسة جديدة صادرة عن المركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، حددت خريطة واضحة للمنظمات الإخوانية داخل الدول الأوروبية. وأضاف سيد أحمد أن الدراسة كشفت عن أن جماعة الإخوان تمتلك نحو 60 منظمة داخل بريطانيا، من بينها: مؤسسات فكرية وقنوات تليفزيونية وجمعيات .. ولا تزال الجماعة تفتتح مقراتٍ جديدة لها فى بريطانيا، مثل: افتتاح مكتبها فى حى كريكلوود شمالى لندن. وأوضح أن من أبرز هذه المنظمات «الرابطة الإسلامية فى بريطانيا» التى أسسها كمال الهلباوى عام 1997، وترأستها رغد التكريتى ذات الأصول العراقية، وكذلك «المجلس الإسلامى البريطانى» الذى أكدت تقارير حكومية فى بريطانيا أن له صلات غير مُعلنة بجماعة الإخوان، ويُعد أكبر منظمة إسلامية فى المملكة المتحدة. وتابع مدير مركز يافا أن الدراسة لفتت أيضًا إلى نشاط الإخوان فى النمسا، حيث تُعد «الهيئة الدينية الإسلامية» من أبرز المنظمات التى تعمل تحت غطاء إسلامى هناك، ويُعد أنس الشقفة أحد أبرز قياداتها بعدما انتُخب رئيسًا للهيئة الدينية الإسلامية الجهوية فى فيينا. المحامية والسياسية الأمريكية جينجر تشابمان: تعاون مباشر مع البنتاجون.. وبوش وهيلارى كلينتون تلقيا تبرعات من التنظيم المحامية والناشطة السياسية جينجر تشابمان قالت فى تصريحات ل«الأخبار»: إن وجود جماعة الإخوان المسلمين فى الولاياتالمتحدة يثير جدلًا واسعًا يعكس تناقضات السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. فبين رغبتنا فى السيطرة على موارد الطاقة الهائلة فى المنطقة، وعجزنا عن توجيه الأحداث بما يخدم مصالحنا، اتسم الموقف الأمريكى بنهج مُرتبك تجاه الحلفاء والخصوم على حد سواء. وحتى قبل ثورة مصر عام 2011، كان السياسيون الأمريكيون ينظرون إلى الجماعة بريبة: كيف يمكن توظيفها لخدمة مصالح أمريكا، وفى الوقت نفسه الخوف من نفوذها وقوتها فى منطقة نسعى إلى التحكم فيها. وقد كان للجماعة حضور وتأثير ملموس داخل المجتمع الأمريكى، سواء فى أوساط الجالية المسلمة الأمريكية أو فى أروقة صناع القرار فى واشنطن. وأضافت تشابمان قائلة: مؤخرًا، اقترح وزير الخارجية ماركو روبيو فرض حظر على جماعة الإخوان، معتبرًا إياها «مصدر قلق خطير»، وهو موقف يتماشى مع دول مثل: مصر وروسيا والسعودية والإمارات، ومؤخرًا الأردن. ورغم أن الرئيس ترامب نفسه كان قد فكر عام 2019 فى حظر الجماعة، فإن خططه لم تكتمل وسرعان ما تراجعت. لكن مؤخرًا، أصبح لترامب حليف وشريك مهم فى المنطقة العربية. إذ تربط أسرة ترامب ومساعديه، مثل المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، علاقات تجارية قوية مع دول عربية داعمة للجماعة . كما تعاونت أمريكا مع تلك الدول فى إنشاء مشروعات نفطية ضخمة، فضلًا عن شراكات أخرى فى مشاريع طاقة. وتابعت تشابمان: أن «الإخوان المسلمون» يعدون حليفًا أساسيًا لشركاء عرب لأمريكا فى مساعيها لبسط النفوذ والتفاوض عبر المنطقة بالنيابة عن أمريكا. حتى وزارة الدفاع الأمريكية عملت بشكل وثيق مع الجماعة لتلبية احتياجات المجتمعات المسلمة فى الولاياتالمتحدة، إضافة إلى مشروعات سياسية أخرى. واستطردت تشابمان : هناك سياسيون مثل: الرئيس بوش والسيناتور هيلارى كلينتون قبلوا تبرعات من الجماعة وتعاملوا معها فى قضايا مهمة تخص سياستنا الخارجية وكذلك قضايا محلية. لكن مؤخرًا، وتحت ضغط من جماعات سياسية ، قام كل من السيناتورين كروز وكورنين من تكساس، مع مجموعة صغيرة من الجمهوريين، برعاية «قانون تصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية». هذا القانون يطالب الوزير روبيو بتصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، ورفع تقارير سنوية عن فروعها كافة، وفرض عقوبات صارمة عليها، إضافة إلى قيود على تأشيرات الأعضاء المعروفين فيها. وقد أقر كورنين بأن هذه خطوة رمزية قد لا يكون لها تأثير فعلى على السياسة الأمريكية. كما أقر روبيو بأن الأمر سيكون صعبًا، لأن الجماعة لديها فروع متعددة تؤدى وظائف متنوعة، بدءًا من الدعم الخيرى والاجتماعى إلى التعليم والرعاية والنشاط المدنى. وأوضح أن كل فرع على حدة يحتاج إلى تقييم وتصنيف منفصل. وأضافت تشابمان: أن الإدارات الأمريكية السابقة، سواء الجمهورية أو الديمقراطية، واجهت هذه المعضلة ولم تنجح فى تصنيف فروع الجماعة كمنظمات إرهابية. بل على العكس، جميع الإدارات واصلت التعامل مع الإخوان فى قضايا وأهداف مشتركة داخليًا وخارجيًا. وهكذا، فإن أى خطوة من ترامب أو الكونجرس ضد الإخوان قد تكون سلاحًا ذا حدين: فهى قد تُرضى قلة من النافذين فى امريكا، لكنها فى المقابل قد تُعتبر هجومًا على الحركة المتنامية المؤيدة للفلسطينيين فى أمريكا، والتى تنتقد النفوذ الصهيونى على سياسة ترامب الخارجية، وتدين الحروب العدوانية والتوسع الإقليمى والتواطؤ فى الإبادة الجماعية، إضافة إلى المزيد من زعزعة استقرار الشرق الأوسط. وأشارت تشابمان إلى أن تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية، قد تكسب دعم بعض الأمريكيين لفترة قصيرة عبر استغلال خطاب «الإسلاموفوبيا». لكن على المدى الطويل، ستؤدى إلى إبعاد قاعدة ترامب الأساسية من أنصار حركة «اجعلوا أمريكا عظيمة» و»أمريكا أولًا»، الذين أصبحوا يعارضون بشدة سيطرة الصهاينة على السياسة الأمريكية، ورفضوا التضحية بدماء وأموال أمريكا فى حروب الشرق الأوسط التى لا تنتهى، والتى تقتل الأبرياء، وتزعزع استقرار الطاقة والاقتصاد العالمى، وتضر بمصالح أمريكا وسمعتها، وتعزلها عن العالم. الأمريكيون باتوا يدركون أن إسرائيل نفسها لن تستفيد من أن تصبح دولة عسكرية دائمة الحرب مع جيرانها، فذلك المسار يقود إلى تدمير شامل للمنطقة، يشمل إسرائيل نفسها. واختتمت جينجان حديثها قائلة إن الصراع الحالى حول جماعة الإخوان المسلمين يعكس الحرب الأوسع داخل أمريكا للسيطرة على الحكومة واستعادة المبادئ التى جعلتنا أمة عظيمة، أمة تسعى إلى السلام والازدهار والتجارة العادلة والعلاقات الجيدة داخليًا وخارجيًا. على الرئيس ترامب أن يسير بحذر لتجنب الوقوع فى فخ العقوبات الرمزية التى تستهدف شركاء عملنا، ولتفادى إثارة غضب مؤيديه من مختلف فئات الشعب الأمريكى. عليه أن يكون رئيسًا لكل الأمريكيين، وأن يتجنب مخاطر الحرب المتسعة، وأن يحافظ على مبادئ أمريكا كمنارة مضيئة لنا وللشعوب الأخرى.