قد يكون هذا العنوان غريبا لمن لا يعرف السيرة الهلالية أو من لا يعرف الإلياذة ولا شك أن هناك اختلافاً كبيراً بينهما وهناك أيضا علاقات متشابهة وكثيرة وحين نحاول تحديد العلاقات المتشابهة بينهما يبرز سؤال واضح من أين أتت هذه التشابهات؟ وهل هذه التشابهات نتيجة وحدة العقل الإنساني حين يخلق دراما تبني علي الصراع بين أبطال لهم هدف واحد هو مواجهة أعدائهم والانتصار عليهم وإبراز نشوة النصر التي تمنح الخلود لأصحابها أم أن هناك علاقات وثيقة بين النصين أدت الي هذا التشابه؟ لكن الغريب أن أوجه الاختلاف تقرب بينهما إلي حد كبير فهذا الخلاف يمثل التناقض بين الاشياء المتشابهة، أما الاختلاف الذي نسعي للتدليل عليه في هذا البحث فهو يجعلنا نتساءل هل حدث اتصال واضح بين صناع الهلالية من الرواة وبين الإلياذة؟ إنه من الواضح أن أحداً من الأميين الذين رووا السيرة ليست له علاقة مباشرة بالإلياذة بأي شكل من الأشكال غير أنه لو أمعنا النظر لجذور الثقافة المصرية لوجدنا أن هناك اتصالاً قويا بالثقافة اليونانية.لقد قامت الإسكندرية وجامعتها بدور كبير في دراسة الإلياذة وتقديمها وكانت قيادة الحكم في مصر الإغريقية تهتم بهذه الثقافة التي أصبحت جزءا مهما من ثقافة مصر في العالم القديم. لم تنقطع هذه الثقافة بدخول الرومان مصر ولا أظن أن ملحمتي الإلياذة والأوديسة قد توقفت معرفتهما بين جمهور المثقفين والعامة، صحيح أنهما قد تكسرتا واصبحتا حكايات خرجت من الحكايات والأساطير اليونانية ودخلتها كثير من المعتقدات الشعبية الخاصة بالمسيحيين والمسلمين من العامة ومع الزمن بعدت هذه القصص عن أصلها وتداخلت مع أقاصيص العامة. ضبط المصطلح و لكي نحدد أوجه التشابه يحسن ان نتعرف علي السيرة فهي في المصطلح النقدي "ترجمة حياة فرد " وفي التراث الشعبي "ترجمة حياة فرد أو حياة جماعة " والسيرة الهلالية تنقسم الي أربعة اقسام كل منها يمثل وحدة خاصة بها : القسم الأول :و هو المواليد وهذا الجزء يتحدث عن مولد أبطال السيرة ونموهم وتكونهم أبطالا حتي زواجهم وتتجه فيه قبائل الهلالية بأحلافها لتصبح كلا موحداً يمكن تسميته التجمع الهلالي. و القسم الثاني هو "الريادة" : وفيه يخرج أبو زيد الهلالي مع أبناء أخته الثلاثة ليرودوا تونس و يعرفوا أخبارها ومسالكها ونقط ضعفها وطرقها ومعرفة قدرتهم علي غزوها. القسم الثالث هو "التغريبة" : وهي هجرة التجمع الهلالي لغزو تونس ووقفتهم أمام أسوارها لمدة أربعة عشر عاماً. والقسم الرابع هو فصل "الأيتام": ويتم بعد سقوط تونس وانقسام التجمع الهلالي وقيام الحروب بينهما. والقسم الذي يمكن أن نقوم بدراسته لمعرفة بعض أوجه التشابه بين السيرة الهلالية وملحمة الإلياذة هو الجزء الخاص "بالتغريبة". مصطلح ملحمة أصلاً دخيل علي مصطلح النقد العربي إذ إن المثقفين يسمون السير الشعبية ملاحم بينما ليس لدينا ملاحم فالملحمة جزء من كل أو هي جزء من سيرة وعندنا اكثر من سيرة كاملة وعند النظر الي ملحمتي الإلياذة والأوديسة نجد أن كلاً منهما تمثل جزءاً من سيرة بني اليونان فهي متقطعة من كل ولم تتقطع السيرة عندنا ليصبح كل جزء منها عملاً فنيا متكاملا فهي مازالت مرتبطة ببعضها ارتباطا وثيقا فالسيرة العربية إما أنها استمرت تروي كاملة مثل السيرة الهلالية أو انقطعت روايتها مثل كل السير الشعبية العربية. وجميع السير العربية تروي بالنثر المختلط بالشعر إلا سيرة بني هلال التي تروي شعراً و هي بذلك تلتقي مع ملاحم هوميروس. بين الإلياذة والتغريبة ويمكن أن نقف عند الإلياذة وعالمها والتغريبة وعالمها لنري أوجه التشابه بينهما فالحدث في الإلياذة مبني علي غضبة "أخيل" وقد سبق هذه الغضبة وقفة تحدثت عنها الإلياذة دون تفصيل في إشارات سريعة داخل النص وعن أسباب تجمع الإغريق لحرب طروادة ولقد كانت "هيلين" الجميلة زوجة أمير أسبرطة "منيلاوس" هي سبب هذه الحرب فقد ذهب الأمير "باريس" ابن الملك "بريام" ملك طروادة في مهمة إلي بلاد اليونان وبدلا من ان يقوم بالمهمة اختطف أميرتهم "هيلين" الجميلة وذهب بها إلي طروادة مما حرك غضب ملوك اليونان وتجمعهم والخروج لغزو طروادة دفاعاً عن شرفهم الذي أساء إليه فرار "هيلين" الجميلة مع الأمير "باريس". وإذا كان غزو طروادة تم بسبب امرأة فإن سبب غزو تونس كان أيضا بسبب امرأة هي "عزيزة" الجميلة كانت "عزيزة" هي أجمل بنات تونس يتغني الرواة بجمالها ويشدون انتباه جمهورهم بهذا الوصف فهي الصورة الكاملة للمرأة الجميلة فقد أحبها والدها ورفض تزويجها ورويت قصص كثيرة عن حب هذا الاب لابنته، كانت تعيش في قصرها سجينة وجاريتها "مي" تخدمها التي كانت جارية في بيت سلطان بني هلال "سرحان" والد "يونس" الذي فاق جميع فتيان عصره جمالاً أعطي السلطان "مي" هدية لشاعر جوال أخذها في سفراته وباعها في تونس لسلطانها "معبد" السلطان الذي أعطاها هدية لابنته كانت "مي" تنظر الي "عزيزة" وتقول لها إن هذا الجمال لا يصلح إلا لجمال "يونس" وكانت تصف لها جمالها حتي وقعت في هواه علي السماع. كانت تعلم أن رؤيتها له من الأمور المستحيلة فإنه لن يأتي إلي "تونس" وهي لن تذهب إلي موطنه "نجد" ولكنها لم تعدم الوسيلة، أرسلت رسالة إلي حاكم تونس السابق " جبر القريشي " الذي احتل والدها مكانه في انقلاب قاده "الزناتي خليفة " تدفعه في الرسالة للاستنجاد ببني هلال ليعيدوا له ملك تونس فيذهب الي نجد ويقابل أميرها السلطان "حسن بن سرحان" ويغريه بالذهاب إلي تونس المرية وتبدأ رحلة جديدة هي رحلة "أبي زيد" مع أبناء أخته الثلاثة ليرودوا الغرب ويقضي سبع سنوات في الرحلة يعود بعدها إلي نجد وحيدا فقد أخذت "عزيزة " "يونس" وأقفلت عليه باب بيتها وتضاربت الأقوال حول أخويه "يحيي" و"مرعي". فكانت بذلك مختلفة عن هيلين التي خطفها "باريس" فهي التي خطفت يونس وما كان من "أبي زيد" إلا أن دفع قومه إلي الخروج إلي تونس للانتقام ممن أساءوا إليه وإلي أبناء أخته لتبدأ التغريبة. وبداية التغريبة تلتقي مع بداية الإلياذة فقد كانت البداية هي غضبة "أخيل" واعتزاله الحرب وعاني اليونانيون عشر سنوات في الحرب دونه ليتدخل في النهاية تدخلا حاسما في آخر هذه السنوات ولقد غاب أيضا "دياب" بطل التجمع الهلالي واعتزل الحرب وكانت غضبته بسبب محاولة تهميشه وقد نصحت "الجاز" المرأة التي لعبت دورا مهما في السيرة الهلالية أن يبقوه بعيدا عن المعركة إلي أن تاتي اللحظة المناسبة التي كتب فيها "القدر" أن يكون هو قاتل " الزناتي خليفة " ومنهيا معركة "تونس". لقد أراد "أبو زيد" ان يرتب حركة الجيش الهلالي المتجه الي تونس فجعل "ديابا" قائداً للمسيرة مع رجاله ولكن السلطان "حسن" رفض ذلك لأنه يري انه أحق بذلك فهو السلطان، حاول "أبو زيد" أن يجعله يدرك أن المقدمة تتحمل الأعباء القاسية الأولي وليجعل "ديابا " المتحمل للمسئولية لم يقتنع السلطان" حسن " فتأخر موقع " دياب" حتي وصلوا الي وادي غلامس غرب ليبيا وطلبوا منه أن يمكث فيه ليحمي ثروات الهلالية من الإبل والأغنام فمكث دياب غاضبا وقد قرر ألا يشترك معهم في حرب تونس. ذهب الهلالية إلي تونس ليواجهوا "الزناتي خليفة " طالت المعركة فقد كان بطلا لا يقاوم قتل أبطالا كثيرين من أبطال بني هلال واستمرت المعركة أربعة عشر عاما والبطل العجوز " الزناتي خليفة "صامد لا يقهر وتدخلت قوة كونية جديدة مرتبطة بالحلم وبقراءة تخت الرمل بأن نهاية الزناتي قد قربت وأنها ستكون علي يد "دياب " إنهم يعلمون ذلك لكن بدا أن الوقت قد حان لينفذ "القدر" وعليهم أن يعيدوا "دياباً" الي المعركة ليضع نهاية للحرب وينقذهم من "الزناتي خليفة " وكما ارسلت الرسل الي أخيل ليعود إلي الحرب ارسلت الرسل إلي دياب وكما رفض أخيل العودة إلي الحرب رفض "دياب". و كان أهم رسول ذهب إلي "أخيل" ليجعله يعود إلي الحرب هو صديقه الحميم " بتروكلوس " طلب منه أن ينسي الإهانات التي لحقت به علي يد الإغريق فيرفض غير أنه إعزاز منه له يسمح له أن يخرج علي رأس قواته ويعيره حلته العسكرية واسلحته فيخرج صديقه للحرب ويصيب الطرواديين بالفزع ويطاردهم حتي أسوار مدينتهم ولكن الآلهة تقف ضده، ف"أبولو"يقف ضده ويصيبه أحد الآلهة من الخلف فيجهز عليه "هكتور" ويقتله وتتغير مسيرة الحرب فنبأ مقتله يهز مشاعر "أخيل" إذ ليس هناك مفر من أن يخرج لينتقم لصديقه ويحارب الطرواديين وقائدهم "هكتور" ويتغير ميزان المعركة تماماً. الآلهة والجاز وقد حدث شيء شبيه بذلك في التغريبة طبيعي ليس هناك آلهة لتتدخل ولكن هناك عقولا بشرية تفكر وتدبر وتتحرك وصاحب العقل البشري القوي الذي لعب دورا قويا لا يقل عن دور الإلهة أثينا في المعركة هي "الجاز" أخت السلطان "حسن" فقد سقط أبطال بني هلال علي يد بطل تونس وهو يدافع عن أسوارها قتل تسعين من أبطالهم في وقت صغير في مبارزات فردية وأصبح موقف بني هلال صعبا فالهزيمة بالنسبة إليهم مدمرة فهم غرباء عن الوطن ولا مكان لهم يمكن ان يلجئوا إليه فتقترح " الجاز " علي زوجات الأبطال الأرامل أن يقصوا شعورهن وأن يرسلوا بها إلي "دياب" ووعده بني هلال أن تكون له تونس إن جاء وأنقذهم من " الزناتي " إنهم يعلمون جيدا أن أحدا لن ينقذهم من الزناتي سوي "دياب " لقد قال الرمل ذلك وفي قولته تحدد "القدر" ولا خلاص من ذلك ولكن "دياب" يرفض دخول المعركة وترك وادي غلامس ولم تجد حكيمة الجماعة "الجاز"سوي أن تدفع ب"عامر الخفاجي" ليدخل المعركة مبارزاً للزناتي خليفة وقد كان "عامر الخفاجي" صديق "دياب " قد دخل معه في حلف وأصبح بذلك مسئولا عنه و هي تعلم ان "عامر " لن يصمد أمام "الزناتي خليفة" وان موته هو الذي سيعيد "ديابا" إلي المعركة فلن يقبل "دياب" أن يقتل صديقه دون ان يأخذ بثأره. حين وقعت عليه القرعة ليدخل الحرب ضد الزناتي خليفة رفضت "الجاز" بحجة انها لا تريد ان تؤذيه ف"الزناتي خليفة" بطل لا يقف في وجهه أحد فتحمس "عامر الخفاجي" لدخول المعركة لمبارزة الزناتي وتتم المبارزة فيتراجع الزناتي الي أسوار تونس وكان ذلك خطة منه فقد اندفع "الخفاجي" وراء الزناتي نحو أسوار تونس وهو نفس ما صنعه "بتروكلوس" في توجهه نحو أسوار طروادة وإذا كان "أبولو" قد طعن "بتروكلوس" من الخلف ثم أجهز عليه هكتور فإن أحد أبناء عم الزناتي قد طعن "الخفاجي" من الخلف ثم أجهز عليه "الزناتي خليفة" بعد ذلك ورجع الفرس بلا فارسه لتبدأ لحظة مأساوية في السيرة ويعيد الهلالية جسد "الخفاجي" وهو في الرمق الأخير فيأخذ في رثاء نفسه بمرثية من أهم القصائد الغنائية في السيرة. لقد كان مقتل "عامر الخفاجي" محققا للأحلام التي كان يحلمها "الزناتي خليفة" وتحلمها ابنته وكان محققاً للنبوءات التي كان تخت الرمل يخبر بها كما كانت وفاة "بتروكلوس"نذيرا بنهاية "هكتور" فلقد استغلت "الجاز" سيدة التجمع الهلالي وفاة "عامر الخفاجي "و أرسلت إلي دياب تخبره بمقتله وهي تعلم أنه لابد قادم ليثأر له. نفس الموقف يلتقي مع أحداث الإلياذة ف"أخيل" يقدم بعد مقتل "بتروكلوس" ليثأر له فيشد من أزر اليونانيين ويحار الطرواديون ويقتل فيهم مقتلة عظيمة ويملأ بجثثهم النهر حتي غضب النهر من ذلك ويلتقي مع "هكتور" بطل طروادة وسيدها وحاميها والمفترض أن يرث ملكها بعد وفاة والده الذي يفضله علي كل أبنائه لصفاته الحميدة. لقد تمكن الطرواديون وهم يتقهقرون أن يحتموا بأسوار طروادة ولكن "هكتور" ظل خارج أسوارها يحارب اليونانيين بضراوة وهنا يقابله "أخيل" فيهرب منه ثلاث مرات حول أسوار طروادة فتعرقل الإلهة "أثينا" هروب "هكتور" فيلحق "أخيل" به ويتوسل إليه "هكتور" أن يعيد جثته إلي أهله وقد أدرك أنه ميت لا محالة إنه يعرف قدره وإنه سيموت بعد موت "بتروكلوس" ويتمكن "أخيل" من قتله ولكن موت "هكتور" لم يشف غليله علي قتله لصديقه "بتروكليس" لقد كان حزنه عليه شديدا وعميقا وإمعانا في حقده عليه يجر جثمانه وهو مشدود إلي العربة ثلاث مرات حول قبر صديقه لقد مثل "أخيل" ب"هكتور" تمثيلا غير لائق بصنيع بطل وقد رفضت الآلهة حتي أمه حورية البحر "ثيتيس" هذا الفعل وذهبت إليه وطلبت منه إعادة جثة "هكتور" إلي والده فيهدأ "أخيل" قليلا حتي يحضر الملك "بريام" الذي تعذب لما حدث لابنه الحبيب فيذهب إليه ويقدم إليه الهدايا متذللا راجيا أن يسمح له بأخذ ولده ويعود "بريام" إلي طروادة ليقيم محرقة ضخمة لابنه ويكون هذا الحدث هو نهاية الإلياذة يتكرر هذا الحدث بشكل آخر في التغريبة حيث كان "الزناتي خليفة" بطل المغارب شيخا كبيرا وربما كان أكبر سنا من "بريام" وعندما حان اليوم المحدد لوفاته كان يبلغ من العمر حوالي أربعة وتسعين عاما وقيل إنه تجاوز المائة وبنيت حوله أسطورة فريدة تلتقي مع أو تقارب أسطورة "أخيل" ابن حورية البحر "ثيتيس" فقد قيل في إحدي الروايات أن أمه جنية و إن كان "أخيل" لا تؤذيه الرماح أو السهام أو السيوف إلا في الجزء الضعيف من جسده وهو كعبه فإن "الزناتي خليفة" فيه شيء مختلف عن البشر فإنه بضلع واحدة كما اللوح وان جراحه تطيب علي الندي، ومع هذا التشابه فهو لا يقف موازيا "أخيل" وإنما يقف في التغريبة موازيا ل"لهكتور" البطل المدافع عن قومه، فالهلالية معتدون أما هو فحامي العرض والأرض المدافع عن تونس، ومع أن وجود "الزناتي خليفة" مركب تركيبة أسطورية تدخلت فيها القوة الكونية وهو رجل عقلاني لا يؤمن بالنبوءات أو علي الأقل يرفضها والأحلام تتنبأ بموته والرمل يحدد لحظة الموت وهو لا يريد أن يصدق ذلك. لقد جاء "الزناتي خليفة" إلي الميدان بعد أن جمع رجاله واستعد استعداد من يستهين ببيع عمره فكانت المفاجأة: لقد وجد عرب الزغابي المنتمين الي التجمع الهلالي وقائدهم "دياب" قد سبقوه إلي الميدان فتعجب من ذلك فهو طوال أربع عشرة سنة لم يسبقه إلي الميدان فارس فيخبره "دياب" أن هذه لحظته التي أخبر عنها الرمل فيرد عليه الزناتي بأن الإيمان بالرمل هو نسيان لأمر الله وأنه ليس بيد أحد ادلة علي صدق الرمل ويتفقان علي أن "ديابا" لن يدخل المعركة إلا إذا ناداه "الزناتي خليفة" باسمه ووافق خليفة علي ذلك ولقد أراد أن يعزل "ديابا" عن أهله وأخذ يقاتل بني هلال ويضربهم ضرب جسور ويلقي بهم كأنهم خرق ممزقة لقد بدا وكأنه سكر بلا شراب حتي قتل منهم ألفي قتيل وانتشي بفعله ولم يجد لذة في هذا القتل السهل فأراد رئيسهم "ديابا" فنادي عليه باسمه وإذا ب"دياب" يرد عليه "لبيك ياللي تنادي..... أنا الزغبي أديني..... تعالي مرحبا بك. ....". مقتل الزناتي وهكتور هناك روايتان لقتل "الزناتي" إحداها تجعل حصان "الزناتي" يطمع في "الخضرة" فرس "دياب" مما جعل "دياب" يستغل الموقف فيلقي بحربته ذات المنشار لتخترق عين "الزناتي" وتقول الرواية إن "أبا زيد الهلالي سلامة" أدرك أنه يجب الإسرع بقتل "الزناتي خليفة" لأن جرحه يطيب علي الندي ولا داعي للانتظار حتي يسقط الندي فتعود "للزناتي" قوته فيضع السم في جرحه. و الرواية الثانية تذكر أن "دياب" ركز الحربة في عين "الزناتي" ودار حوله يمينا ويسارا وهو ملقي علي الثري ثم أخذ يجره بالحربة جرا حتي أدخله خيم أهله الزغابة لقد التقي هذا الموقف القاسي مع قسوة "أخيل" حين قتل "هكتور". كان "دياب" حزينا علي مقتل صديقه "عامر الخفاجي" ولكن التمثيل بالجثث يعد مخالفا للشريعة الإسلامية ويعد هذا خروجا عليها وطبيعي أن هذا الشيخ الكبير البطل المحارب لم يجد له أبا يدافع عنه كما دافع "بريام" عن ابنه ولكن السيرة استبدلت به "أبا زيد الهلالي سلامة "فإنه لم يعجب بما فعله "دياب "فهو رجل تصفه الرواية بأنه حافظ للقوانين وللشريعة والأعراف وهو لا يقبل أن يمثل بميت وجاء مسرعا هو والسلطان "حسن بن سرحان" وصرخ " أبو زيد" هذا لا يرضي الرحمن وجرد زانته في مواجهة "دياب " يهدده بها ويطالبه أن يخلع الحربة عن عين "الزناتي" فليس من المعقول أن يعامل "الزناتي" عند هزيمته هذه المعاملة ف"الزناتي" كان كفئا لكل أعدائه أن يقتل "الزناتي" في معركة. هذه إرادة الله ولكن التمثيل بالقتيل عار عليهم جميعا ومع أن العداوة كانت شديدة بين "الزناتي خليفة" و"أبي زيد الهلالي سلامة" إلا أن كلا منهما كان يحب الآخر ويحترمه، كان "الزناتي" يتمني أن يكون "أبو زيد" ابنا له أو أخا، و"أبو زيد" كان يتمني ان يكون له الزناتي أبا لقد كرم "أبو زيد" "الزناتي" بالصلاة عليه ودفنه وأخذ العزاء فيه كما فعل "بريام" لابنه فعل "أبو زيد" ل"الزناتي خليفة" فعل الابن لأبيه. وكما انتهت الإلياذة بقتل "هكتور" ودفنه انتهت التغريبة بموت "الزناتي" ودفنه، لقد التقت التغريبة بالإلياذة واختلفت فلا شك في أن إبداع العملين تم في بيئتين عقليتين مختلفتين ثقافيا واجتماعيا ودينيا وهذا يمكن أن يفسر الاتفاق والاختلاف بينهما.