دعم حرية المعلومات.. رؤية تنويرية أطلقها الرئيس السيسي لتطوير الإعلام    موعد المولد النبوي الشريف في مصر 2025.. إجازة 3 أيام وأجواء روحانية مميزة    رئيس «الأعلى للإعلام» يوجه بعقد ورشة لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي على أكثر من يوم    20 جنيهاً ارتفاعاً في أسعار الذهب محلياً.. والأوقية تقفز 35 دولاراً خلال أسبوع    "الجلاد ستيل" يضخ 3 مليارات للتوسع في الإنتاج وزيادة حصته التصديرية    موعد صرف معاشات سبتمبر 2025.. اعرف الجدول والأماكن    بين المزايا والتحديات.. كل ما تريد معرفته عن السيارات الكهربائية    نتنياهو: شروط حماس للتوصل إلى اتفاق هي شروط استسلام ولن نقبل بها    زلزال تركيا | تسجيل 3 هزات ارتدادية.. والمواطنون يتوجهون للحدائق    هزة أرضية على بعد 877 كيلو مترا شمال مطروح بقوة 6.2 ريختر    منتخب ناشئات السلة يفوز على الجزائر في افتتاح مشواره بالبطولة العربية    انطلاق مباراة فاركو وإنبي في الدوري    من تغريدة الاتحاد الأوروبي إلى رد الجيش الإسرائيلي.. قصة تضامن صلاح مع "بيليه فلسطين"    داروين يسجل في أول ظهور له مع الهلال.. وتواجد لاعب منتخب مصر    خوسيه ريبيرو يبلغ محمد يوسف رسالة هامة بشأن لاعبي الأهلي    المشدد 7 سنوات لعاطلين تسببا في مقتل شخصين بحادث على الطريق الصحراوي    التضامن الاجتماعي تنفذ 6 قوافل طبية توعوية لخدمة سكان مشروعات السكن البديل    68 غرزة فى وجه الأشقاء.. مشاجرة عنيفة وتمزيق جسد ثلاثة بالبساتين    كل ما تريد معرفته عن ChatGPT-5.. كيف تستفيد منه في عملك؟    «فلاش باك» الحلقة 2 | رسائل من الموتى.. صوت مألوف وزمن مختلف    رنا رئيس تنضم ل أبطال فيلم سفاح التجمع بطولة أحمد الفيشاوي    ليست كل المشاعر تُروى بالكلمات.. 5 أبراج يفضلون لغة التواصل الجسدي    «فاطمة المعدول» الحائزة على تقديرية الأدب: أحلم بإنشاء مركز لإبداع الأطفال    "فلاش باك" يتصدر نسب المشاهدة على منصة Watch It بعد عرض الحلقة الأولى    "ملف اليوم" يكشف روايات الاحتلال المضللة لتبرئة نفسه من جرائم غزة    صاحبه الفرح الأسطوري ومهرها ب60 مليون.. 20 صور ومعلومات عن يمنى خوري    أمين الفتوى يوضح: المال الموهوب من الأب في حياته لا يدخل في الميراث    أمين الفتوى: لا يجوز كتابة كل ما يملك الإنسان لبناته لأنه بذلك يعطل أحكام الميراث    طريقة عمل الحجازية فى البيت بمكونات بسيطة    وزير الصحة يوجه بتسريع الاستجابة لاحتياجات المرضى ومتابعة نظام التقييم الدوري للعاملين    سعر مواد البناء مساء اليوم 10 أغسطس 2025    حجز متهم بإتلاف سيارة لتشاجره مع مالكها بالبساتين    وظائف خالية اليوم الأربعاء.. فرص عمل بمختلف المحافظات    حكم الدردشة مع صحابي بالموبايل في الحمام؟.. أمينة الفتوى تجيب    أين هم الآن «معتصمو رابعة والنهضة» ؟    هل يجوز إجبار الزوجة على الإنفاق في منزل الزوجية؟.. أمينة الفتوى تجيب    اتحاد عمال الجيزة يضع خطته للتأهيل والتدريب المهني    «الصحة» تنظم زيارة لمستشار الرئيس الكولومبي لتفقد منشآت طبية    بعد توجيه السيسي بحل مشكله معاشات ماسبيرو.. "المسلماني": نشكر الرئيس    تأجيل محاكمة 29 متهما بالهيكل الإداري للإخوان    بروتوكول تعاون بين البنك الأهلي المصري وشركة "بيرنس كوميونتي"    تسجيل منتجي ومالكي العلامات التجارية حسب «الرقابة على الصادرات والواردات»    محافظ بورسعيد يستقبل الطفلة فرح ويعد بفتح حساب التضامن فى اسرع وقت    شاهد.. لحظة تحرك شاحنات المساعدات من مصر إلى قطاع غزة    الإمارات ترحب بإعلان التوصل إلى اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا    العراق يرحب باتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان    تحرير 125 مخالفة عدم الالتزام بغلق المحلات خلال 24 ساعة    بيلد: النصر يتوصل لاتفاق مع كينجسلي كومان.. وعرض جديد لبايرن    لتقصيرهم في العمل.. إحالة عاملين بالمركز التكنولوجي بأبوحماد بالشرقية للتحقيق    ضبط 5488 قضية بمجال الأمن الاقتصادي خلال 24 ساعة    الأزهر يعلن جدول امتحانات الدور الثاني للثانوية الأزهرية 2025 للقسمين العلمي والأدبي    جيش الاحتلال يعلن اعتقال 70 فلسطينيا في الضفة الغربية    فران جارسيا يربح رهان ألونسو ويثبت أقدامه في ريال مدريد    «الصحة» تنظم 146 دورة تدريبية وورشة عمل لتطوير الكوادر التمريضية خلال 2025    مقتل 6 جنود لبنانيين بانفجار ذخائر أثناء محاولة تفكيكها في جنوب لبنان    بيونج يانج تحذو حذو سول في تفكيك مكبرات الصوت على طول الحدود    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    الهلال السعودي يعلن رسميًا التعاقد مع الأوروجوياني داروين نونيز حتى 2028    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رضوي والرحيل
نشر في أخبار الأدب يوم 05 - 12 - 2014

كانت مريمة والرحيل- الجزء الثاني والثالث من ثلاثية غرناطة- هي من أهم الأعمال التي صدرت باللغة العربية لتكشف لي عن عالم بعيد في الزمان والمكان يعزز مشاعر ورؤي وأفكار فترة التسعينيات من القرن الماضي. فقد كانت قضية الراحل نصر حامد أبو زيد مثارة، وكانت قضايا التكفير ومصادرة الرأي قد بلغت أوجها، فكانت فترة محاكم تفتيش بامتياز. هكذا جاءت تلك الثلاثية البديعة التي كتبتها الراحلة لتقدم لي مخرجا من المحلي، وتوسع عالم الأفكار، وتسمح برفع سقف الأحلام. لم أنس مريمة مطلقا وهي مهددة بالمشي علي الجمر، ولم أنس أبدا أن الخروج علي السلطة يحمل دائما في طياته تهديد الحرق من ناحية، والخلود من ناحية أخري. ثم تظهر شخصية شجر في رواية "أطياف"، تلك الرواية التي صدرت قبل نهاية الألفية بعام واحد (1999)، حيث تواجه شجر الأستاذة الجامعية ما يشبه أزمة وجودية عندما تري بعينيها الطلاب الذين تعرفهم جيدا وهم يمارسون الغش في الامتحانات بمنتهي البراعة، فتعود لتضعنا أمام أزمة دائمة في الحياة اليومية، أن يقوم الطالب الذي نعرف أفكاره جيدا بهذا العمل المخادع. الحق أن رضوي وضعتنا في مواجهة مع أنفسنا، فالغش في الجامعات تحول إلي فعل "طبيعي" بحيث لا يمكن أن يثير الدهشة، لكن ما كتبته رضوي يعيد طرح أسئلة جديدة حول فعل متكرر بشكل يضعنا جميعا في الأزمة. هكذا كانت رضوي تلتقط أكثر التفاصيل إهمالا- نتيجة التكرار الذي جعلها طبيعية- وتعيد إليها الأهمية المطلوبة، الأهمية المستحقة، الأهمية الحقيقية.
الحق أن رضوي كانت تمارس حياتها بشكل مشابه لتقنيتها في الكتابة الإبداعية. فقد كانت الراحلة عضوا أساسيا في لجنة الترقيات لأقسام اللغة الانجليزية، وكان من حظي- مع آخرين وأخريات كثر- أن أدخل امتحان الترقية لدرجة أستاذ مساعد ثم أستاذ والدكتورة رضوي عاشور في اللجنة. لا يمكنني وصف تلك اللجنة بشكل عام إلا بالصرامة وعدم التهاون، فلا إغداق للدرجات ولا تساهل مع أبحاث ضعيفة. وبقي الأمر دائما سببا كافيا للقلق، ناهيك عن المقابلة التي تجريها اللجنة في شكل مناقشة في الأبحاث المقدمة. نعم كما نجلس ونحن غالبا ما نتفوه بجمل تؤكد ارتباكنا، من قبيل "صباح الخير"، أو "كيف حالكم؟"، أو نقدم أنفسنا في حين أن الجميع يعرفنا (علي الأقل هناك أوراقنا أمامهم)، ونرتبك تعمد الراحلة إلي طمأنتنا بجملة ودودة وصادقة، فتقول مثلا أنها استمتعت بالبحث الفلاني، وتبدأ في "الامتحان" دون أن يشعر الممتحن! ولا تنسي أن تودعك بابتسامة، وأن تلفظ اسمك بحميمية، فتشعر أنك أنفقت شهرا من القلق دون أي داع، ولا يبق معك بعد المقابلة سوي نظرة رضوي وابتسامة رضوي. وبالرغم من كل ذلك لا يفارقنا القلق، ففي الترقية لدرجة أستاذ كنت أنتظر دوري في المقابلة وأتأمل حدوث معجزات مثل الاختفاء الفوري، أو انهيار المبني علي رأسي، أو نشوب حرب عالمية، أو وقوع زلزال، وفي أثناء هذه التأملات "الرقيقة"،خرجت الدكتورة من الحجرة المواجهة لي، وسلمت علي بود شديد، وأخذتني من يدي حرفيا وأدخلتني إلي المقابلة. وبدأت هي في طرح الأسئلة علي حول بحث أنجزته عن يوميات جين سعيد مقديسي وعنوانها "شظايا ونرتبك بيروت"، سألتني رضوي عاشور أسئلة ممتعة، أسئلة منطقية، كان بعض منها يسمح لي استعراض ما قدمته في البحث، أثنت علي البحث، وأمدتني بأفكار جديدة، وأخبرتني أنها تعرف الكاتبة، ففرحت كالأطفال، وعندها قامت أستاذة من ضمن الجالسين بطرح سؤال علي أعتقد أنه كان يقلل من قيمة البحث، لكن المشكلة أنني لم أتمكن من تحديد الرد المناسب، الحق أنني لم أفهم السؤال، الذي كان أقرب إلي تعليق، هل تصدقون أن رضوي عاشور قامت بالرد عليها، ثم نظرت لي وشكرتني بنفس الود وطلبت مني أن أرسل شخصا كان يجلس مثلي في الغرفة الأخري وينتظر دوره. وصلت إلي الباب ونظرت خلفي لأجد ابتسامة رضوي تصل بيني وبين المسافة الطويلة التي أصبحت تفصلني عنها.
ماذا تعلمت من رضوي الإنسانة؟ تعلمت معني أن أفصح عن مشاعري، أن أستبق بإرساء الود، فأصبحت أختتم رسائلي الالكترونية مثلها بكلمة "محبتي" (كانت تثير أكثر المسائل حساسية علي بريد مجموعة 9 مارس)، والتي أحيانا ما أغيرها إلي "مودتي"، بدلا من "تحياتي"، فالتحيات المشفوعة بالود والمحبة تختلف عن التحيات الميكانيكية التي لا تعني أي شيء، التحيات التي تشبه لوحات الفنادق التي تكلم عنها مريد البرغوثي في "ولدت هنا، ولدت هناك". غابت رضوي بجسدها وسيبقي إبداعها ونقدها ومواقفها السياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.