دخل إلي غرفته وأغلقها عليه. لم ينظر إلي ساعته لكنه لم يحطمها. لقد شاء باستمرار أن يكون لائقاً. أحبَّ فقط أن يكون رقيقاً، أراد أن يكون خفياً ووحده يطلق العنان لسخريته. يلقي في وجه الكون ذرة خبث يستحقها. يرمي كلمة سوداء عارمة بالضحك. في الخارج كان حتي الهواء يغدو خشناً. يغدو جارحاً وقاسياً ومسنوناً. في الخارج كانت الأسلحة البالية تتراكم لكن العنف يبقي أخضر ونضراً. كانت الفصائل منهكة متهاوية لكن التعب هو رسول القتل، وفي التعب الأقصي لا شيء سوي الدماء لغسل التعب وغسل الخوف وغسل الضجر. لم يحب الدم. طالما خاف من جرح في إصبعه، كان أحياناً قاسياً، كلماته قاسية في مواقف لكنها لم تكن قط دموية، صارع وحده ولم يكن أبداً تحت راية. كان وحده غاضباً ووحده ثائراً ووحده متألماً ووحده شقياً، لكنه لم يجرح زهرة، لم يَدسْ نملة. وبالطبع لم يكن أبداً في الحشد، فهم أن الخوف وحده يدفع الناس إلي الحشد لكنه لم يكن يوماً في فصيل، بحث عن البراءة وجد كلمات زانية فغسلها وانتزع منها شرها وأعادها إلي طفولتها، مشت الكلمات أمامه وكأنها مولودة تواً. بعد أن صرخ ملياً في الوعر أراد أن يغني. ترك الكلمات ترقص، كانت موجودة لذلك، الغناء سهل ولا يحتاج إلي أوزان والي مقامات، الغناء سهل لأن الكلام يغني وحده، لأنه وُجد ليغني. دخل غرفته وأغلقها عليه، لأنهم يعربدون في الخارج، لأنهم يصحّرون الروح، لأنهم يزنون بالكلمات ويجعلونها مشبوهة وعاقرة، لأنهم يأكلون أجساد بعضهم بعضاً، في هكذا مكان يصعب علي المرء أن يجد نفسه. إنها باستمرار طائرة خوفاً وطائرة سأماً وفارّة من وجه القبح والشر، في هذا المكان يصعب علي المرء أن يصنع قصيدته وأن يجد مكاناً لها. يصعب علي المرء أن يلعب مع الكلمات وأن يلعب بالكلمات، لقد وجدت القصيدة انها متلألئة في السماء. ملموسة وبارزة ولا تحتاج إلا لمن يعيد تركيبها، إنها موجودة داخل الجسد وداخل النفس. وها هو يغمض عينيه ويجدها. يغمض عينيه ويتابع الصراع. يغمض عينيه ويعمل. يعمل بصمت. يعمل في نومه، يري القصيدة ويجمعها. تأتيه الكلمات طوع يده وهو لا يفعل سوي أن يثبتها في أماكنها. إنه يراها، يحلم بها. فهو يعمل حتي في نومه، وحين يستيقظ سنري القصيدة في عينيه، حين يصحو ويخرج من الغرفة سنري القصيدة فيه. سيكون هو القصيدة عن السفير اللبنانية