طقس اليوم الثلاثاء.. ارتفاع مؤقت بالحرارة وأتربة وأمطار تضرب البلاد    الزيارة التاريخية.. 10 ملفات تتصدر أجندة مباحثات ترامب وقادة دول الخليج    تزينها 3 منتخبات عربية، قائمة المتأهلين إلى كأس العالم للشباب    موعد مباراة ريال مدريد ومايوركا في الدوري الإسباني والقنوات الناقلة    215 شهيدا من الصحفيين ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة    اصطدام قطار بجرار زراعي أعلى مزلقان في البحيرة- صور وفيديو    الخارجية الأمريكية تكشف تفاصيل وأهداف زيارة ترامب للشرق الأوسط    تشكيل بيراميدز المتوقع أمام الزمالك في الدوري المصري    لا نحتفل وهناك إبادة جماعية، نجوم سينما يربكون افتتاح مهرجان كان برسالة مفتوحة عن غزة    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط»    مفاجأة من قناة السويس لشركات الشحن العالمية لاستعادة حركة الملاحة    جرينلاند تتولى رئاسة مجلس القطب الشمالي نيابة عن الدنمارك    كان يتلقى علاجه.. استشهاد الصحفي حسن إصليح في قصف الاحتلال لمستشفى ناصر ب خان يونس    «الاقتصاد المنزلي» يعقد مؤتمره العلمي السنوي ب«نوعية المنوفية»    أسعار الفراخ اليوم الثلاثاء 13-5-2025 بعد الانخفاض الجديد وبورصة الدواجن الآن    ترتيب هدافي الدوري المصري قبل مواجهات اليوم الثلاثاء    بيان هام من محامية بوسي شلبي بشأن اتهامات خوض الأعراض: إنذار قانوني    حبس عصابة «حمادة وتوتو» بالسيدة زينب    3 شهداء وإصابات جراء قصف الاحتلال خيمة نازحين في خان يونس    حكام مباريات اليوم في الدوري| "الغندور" للزمالك وبيراميدز و"بسيوني" للأهلي وسيراميكا    مستشفى سوهاج العام يوفر أحدث المناظير لعلاج حصوات المسالك البولية للأطفال    رئيس شركة شمال القاهرة للكهرباء يفصل موظفين لاستغلال الوظيفة والتلاعب بالبيانات    «الاتصالات» تطلق برنامج التدريب الصيفي لطلاب الجامعات 2025    الدولار ب50.45 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء 13-5-2025    عيار 21 يعود لسابق عهده.. انخفاض كبير في أسعار الذهب والسبائك اليوم الثلاثاء بالصاغة    تفاصيل.. مؤتمر الاتحاد المصري لطلاب الصيدلة في نسخته الرابعة    الأهلي يحصل على توقيع موهبة جديدة 5 سنوات.. إعلامي يكشف التفاصيل    رعب أمام المدارس في الفيوم.. شاب يهدد الطالبات بصاعق كهربائي.. والأهالي يطالبون بتدخل عاجل    جولة تفقدية لمدير التأمين الصحي بالقليوبية على المنشآت الصحية ببهتيم    بعد اطمئنان السيسي.. من هو صنع الله إبراهيم؟    جدول امتحانات الشهادة الإعدادية بمحافظة المنيا للفصل الدراسي الثاني 2025    ثبات سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن الثلاثاء 13 مايو 2025 (بداية التعاملات)    السيطرة على حريق نشب في حشائش كورنيش حدائق حلوان    انفجار أسطوانة غاز السبب.. تفاصيل إصابة أم وطفليها في حريق منزل بكرداسة    كيف ردت سوريا على تصريحات ترامب بشأن رفع العقوبات؟    علي صالح موسى: تجاوب عربي مع مقترح دعم خطة الاحتياجات التنموية في اليمن    أبو زهرة يهنئ المنتخب الوطني للشباب تحت 20 عاما بعد فوزه المثير على غانا    ترجمات.. «حكايات شارل بيرو» الأكثر شهرة.. «سندريلا» و«الجميلة النائمة» بصمة لا تُمحى في الأدب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 13-5-2025 في محافظة قنا    محافظ سوهاج: تشكيل لجنة لفحص أعمال وتعاقدات نادي المحليات    «التضامن الاجتماعي» توضح شروط الحصول على معاش تكافل وكرامة    الكشف على 490 مواطناً وتوزيع 308 نظارات طبية خلال قافلة طبية بدمنهور    بعت اللي وراي واللي قدامي، صبحي خليل يتحدث عن معاناة ابنته مع مرض السرطان (فيديو)    5 أبراج «لو قالوا حاجة بتحصل».. عرّافون بالفطرة ويتنبؤون بالمخاطر    يلا كورة يكشف.. التفاصيل المالية في عقد ريفيرو مع الأهلي    كشف لغز العثور على جثة بالأراضي الزراعية بالغربية    قبل عرضه على "MBC".. صلاح عبدالله ينشر صورة من كواليس مسلسل "حرب الجبالي"    أميرة سليم تحيي حفلها الأول بدار الأوبرا بمدينة الفنون والثقافة في العاصمة الإدارية    جدول امتحانات المواد غير المضافة للمجموع للصف الثاني الثانوي ببورسعيد(متى تبدأ؟)    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي أم يجوزُ لي تأجيلُه؟| الإفتاء تجيب    اعتماد 24 مدرسة من هيئة ضمان جودة التعليم والاعتماد بالوادي الجديد    سقوط طفل من مرتفع " بيارة " بنادي المنتزه بالإسماعيلية    جامعة القاهرة تحتفل بيوم المرأة العالمي في الرياضيات وتطلق شبكة المرأة العربية- (صور)    إيمان العاصي في "الجيم" ونانسي عجرم بفستان أنيق.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    طفل ينهي حياته داخل منزله بالإسماعيلية    عالم بالأزهر: هذا أجمل دعاء لمواجهة الهموم والأحزان    أهم 60 سؤالاً وإجابة شرعية عن الأضحية.. أصدرتها دار الإفتاء المصرية    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنة الأحلام الخطيرة
احتلوا وول ستريت، أو الصمت العنيف للبداية الجديدة

امتلأ عام 2011 بالمظاهرات الغاضبة حول العالم، وبينما توقفت هذه المظاهرات في بعض البلاد علي مجرد التعبير عن الغضب، تحولت في بلاد أخري إلي ثورات. خصص الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك كتابه "سنة الأحلام الخطيرة" لهذا العام المتوتر، مضيفا إلي المظاهرات المتحررة التجليات العنصرية في أوروبا التي كان مثالها الأبرز قيام النرويجي أندريش برايفيك بتفجيرات أدت لمقتل 77 شخصا، وكيف أن الاتجاهات اليمينية في العالم تنظر للمهاجرين كسبب أساسي للمشكلات الاقتصادية في بلادها، منتقلا إلي الحديث علي مظاهر جديدة للرأسمالية يصبح فيها عدد كبير من البروليتاريا غير مؤهل للعمل. جيجيك يخصص فصلا كاملا من كتابه ليتحدث عن الربيع العربي، مشيرا إلي أن الطبيعة الثورية كامنة في الثقافة الإسلامية، ولافتا النظر إلي ضرورة الإخلاص للطابع المتحرر للانتفاضات العربية رغم ما يبدو من أنها تنتهي بانتصار الإسلام السياسي. ولا يخلو الكتاب من الحديث عن تجليات الثقافة الشعبية التي يهتم بها جيجيك بشكل خاص، إذ يتحدث عن المسلسل التلفزيوني الأمريكي "الشبكة" وكيف يعبر المسلسل عن الحاجز الذي يفصل أمريكا الغنية عن الفقيرة.
الفصل المنشور (وهو الفصل السابع من الكتاب) يتحدث عن مظاهرات حركة "وول ستريت" وكيف أنها تتشابه مع كل المظاهرات الأخري في العالم، وبينما يشير جيجيك إلي خطورة كون هذه المظاهرات لا تحمل مطالب أو تنظم نفسها بشكل متماسك، محذرا من أن تقتصر علي مجرد احتفالات كرنفالية، أو أن يكتفي المتظاهرون بالاحتفاء بالطابع الجمالي لفشلهم المتكرر، إلا أنه يشير أيضا إلي أنها جميعا تعبر عن ضيق من النظام الرأسمالي العالمي وشكل الديمقراطية المنتشر في العالم حاليا.
سلافوي جيجيك فيلسوف سلوفيني ولد عام 1949، مشهور باتجاهه اليساري واستخدامه للتحليل النفسي في تنظيراته، متأثرا بأسماء كبيرة كالألمانيين هيجل وماركس، والفرنسي جاك لاكان. ورغم صعوبة كتابته وجديتها إلا أن اهتمامه بمناقشة تجليات الثقافة الشعبية في العالم إلي جانب أسلوبه العصبي في الحديث وإلقاء المحاضرات أضفيا عليه شهرة كبيرة حتي أن البعض يطلق عليه "إلفيس بريسلي الفلسفة". من كتبه: "أقل من لا شيء" و"العيش في الأزمنة الأخيرة" و"أولا كمأساة وثانيا كملهاة " و"في الدفاع عن الأسباب المفقودة".
ما الذي يمكن فعله في أعقاب حركة احتلوا وول ستريت، عندما وصلت المظاهرات التي بدأت بعيدا في الشرق الأوسط، اليونان، إسبانيا، المملكة المتحدة إلي المركز وهي الآن تحظي بتدعيم كبير وتتحرك، بالتالي، حول العالم؟ في سان فرانسيسكو في يوم الأحد 16 أكتوبر 2011، وكصدي لحركة احتلوا وول ستريت، خطب رجل في الجماهير مع دعوة للمشاركة وكأن هذا يحدث بنمط الهيبي في الستينيات من القرن الماضي: "إنهم يسألوننا عن برنامجنا، ليس لدينا برنامج، نحن هنا لنقضي وقتا طيبا". مثل هذه التصريحات تكشف المخاطر العظيمة التي يواجهها المتظاهرون: خطر أنهم سيقعون في غرام أنفسهم، وفي غرام المرح الذي يمارسونه في المناطق "المحتلة". ولكن الكرنفالات رخيصة الاختبار الحقيقي لقيمتها يظهر فيما يحدث في اليوم التالي؛ كيف تغيرت حياتنا اليومية أو تتغير. هذا يتطلب عملا صعبا وصبورا تكون التظاهرات فيه هي البداية وليست النهاية. الرسالة الأساسية هي: لقد تكسر التابو، نحن لا نعيش في أفضل عالم ممكن؛ نحن يحق لنا، بل نحن مجبرون، علي التفكير في البدائل.
باتباع نوع من الثالوث الهيجلي؛ فاليسار الغربي عاد لنقطة البداية: بعد التخلي عما يطلق عليه "ماهوية الصراع الطبقي" من أجل جمعية مواجهة العنصرية، والنسوية، والنضالات الأخري، تعاود "الرأسمالية" البزوغ بوضوح الآن كاسم للمشكلة. أول درس يجب تعلمه هو عدم لوم الأفراد ومواقفهم؛ المشكلة ليست فساد الفرد وجشعه، ولكن النظام الذي يشجعه علي الفساد. الحل ليس شعار "في الشوارع الرئيسية وليس وول ستريت"، ولكن في تغيير النظام الذي يجعل الشوارع الرئيسية معتمدة علي وول ستريت.

دعونا إذن نحظر الحديث عن الجشع؛ الرموز العامة من البابا إلي من أسفله يقصفوننا بالوصايا لمقاومة ثقافة الجشع المفرط والاستهلاك، ولكن هذا المنظور من الأخلاقية الرخيصة هو عملية أيدولوجية إن كانت هناك واحدة؛ الإجبار (الممتد) المحفور في النظام نفسه يُتَرجَم هنا إلي مسألة خطيئة شخصية، وضعف نفسي خاص، كما قال لاهوتي مقرب من البابا: "الأزمة الحالية ليست أزمة رأسمالية ولكن أزمة أخلاقية". ملمحا بحذر إلي أن المتظاهرين عليهم أن يستهدفوا الظلم والجشع والاستهلاكية،... إلخ، بدلا من الرأسمالية نفسها. يمكننا أن نهنيء اللاهوتي علي أمانته بالقدر الذي صاغ به بشكل واسع النفي المتضمن في النقد المؤَخلِق: الفكرة في التأكيد علي أن الأخلاقية هي منع نقد الرأسمالية. دورة الدفع الذاتي للرأسمالية تظل الواقع المطلق لحيواتنا بشكل أكبر من السابق، الوحش الذي لا يمكن السيطرة عليه في الحقيقة. هذا يحيلنا إلي حظرنا الثاني: علينا أن نرفض النقد المبسط ل "الرأسمالية المالية" وكأن هناك شكلآ آخر "أكثر عدالة" من الرأسمالية.
علينا أيضا أن نتجنب ببساطة الإغواء الذي يجعلنا نعجب بالجمال المطلق للانتفاضات المحكوم عليها بالفشل. شِعْر الفشل يجد تعبيره الأوضح في إشارة بريخت للسيد كوينير: سُئِل السيد كوينير "ما الذي تعمل عليه؟". رد السيد ك: "أنا أقضي وقتا عصيبا؛ أنا أرتب لخطئي القادم". علي أي حال فهذا التنويع علي الموتيف البيكيتي القديم "افشل أفضل" ليس كافيا: ما علي المرء أن يركز فيه هو النتائج التي سقطت خلفا بسبب الفشل. بالنسبة لليسار اليوم، فمشكلة "النفي المحدد"determinate negation عادت مع انتقام. أي نظام إيجابي يجب أن يحل محل النظام القديم، في اللحظة التي خفت فيها الحماس السامي للانتفاضات؟ نحن هنا نواجه ضعفا مميتا للتظاهرات الحالية، إنها تعبر عن غضب أصيل يظل غير قادر علي تحويل نفسه إلي برنامج إيجابي محدد للتغيير الاجتماعي-السياسي، إنها تعبر عن روح ثورية بدون ثورة.
النظر بشكل مقرب لمانيفستو الإنديجنادوز (الغاضبون) الإسبان، علي سبيل المثال، يجلب بعض المفاجآت. الشيء الأول الذي يظهر هو النغمة اللا سياسية الواضحة: "البعض يعتبرنا تقدميين، والبعض الآخر محافظين. بعضنا مؤمنون وبعضنا لا. بعضنا يعتنق أيدولوجيات محددة، وبعضنا غير مسيسين، ولكننا جميعا قلقون وغاضبون من الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي نراه حولنا: الفساد بين السياسيين ورجال الأعمال وموظفي البنوك يتركنا بلا حيلة، وبلا صوت". هم يعلنون عن تظاهرهم وفقا ل "الحقائق غير القابلة للتغيير التي يجب أن يلتزم بها مجتمعنا: حق السكن، التوظيف، الثقافة، التعليم، المشاركة السياسية، التنمية الشخصية الحرة، وحقوق المستهلكين من أجل حياة صحية وسعيدة". رافضين للعنف، يدعون إلي "ثورة أخلاقية. بدلا من وضع المال فوق البشر، علينا أن نعيده لخدمتنا. نحن بشر ولسنا منتجات. أنا لست منتجاً لما أشتريه، أو لم أشتره، أو من أشتريه منه". من السهل تخيل أن الفاشي الأمين يوافق برضا علي كل هذه المطالب: "وضع المال فوق البشر" نعم، هذا ما يفعله البنكيون اليهود؛ "الفساد بين السياسيين ورجال الاعمال والبنكيين يتركنا بلا حيلة" نعم، نحن نريد رأسماليين أمناء مع رؤية تخدم أمتهم، وليس المتبرعين الماليين؛ "نحن بشر، ولسنا منتجات" نعم، نحن بشر ورابطتنا هي الوطن وليست السوق؛ وهكذا باستمرار. ومن سيكون الفاعل في الثورة الأخلاقية؟ بينما الطبقة السياسية بكاملها، اليمين واليسار، يتم التعامل معها كفاسدة ومنقادة بشهوة السلطة، المانفيستو مع ذلك يتكون من سلسلة من المطالب موجهة ل - مَن؟ ليس الناس أنفسهم: الإنديجنادوز لم يزعموا (بعد) أن أحدا لن يفعل ذلك من أجلهم، إنهم أنفسهم (ولنعد استخدام جملة غاندي) عليهم أن يكونوا التغيير الذي يريدون أن يروه.

كرد فعل علي مظاهرات باريس عام 1968، قال لاكان مقولته الشهيرة: "ما تطمحون إليه كثوريين هو سيد جديد. وسوف تحصلون علي واحد". يبدو أن ملاحظته أصابت هدفها (ليس فقط) عند الإنديجنادوز، فنحن نحصل علي أول إشارة لهذا السيد الجديد في اليونان وإيطاليا. ونحن نرد بسخرية علي نقص البرامج الخبيرة التي قدمها المتظاهرون، فالنزوع الآن هو استبدال السياسيين العاديين بحكومة "محايدة" من التكنوقراطيين غير المسيسين (معظمهم بنكيون، في اليونان وإيطاليا). "السياسيون" الملونون راحوا، وجاء الخبراء الرماديون. هذا النزوع يتوجه بوضوح نحو دولة طواريء مستقرة وتعليق للديمقراطية السياسية (لنستعد كيف تصرفت بروكسل تجاه الأحداث السياسية في اليونان: بالذعر من إمكانية الاستفتاء، مع الارتياح من ترشيح رئيس وزراء تكنوقراطي جديد). من الأشياء المصاحبة لهذا الانتقال للتكنوقراطية غير السياسية هو التضييق الملحوظ علي الحرية في أوروبا، بما يتضمن تركيا، التي تبزغ تدريجيا كنموذج جديد للرأسمالية السلطوية. مجموعة من الدلالات المشئومة (مثل اعتقال أكثر من 100 صحفي في 2011 بتهمة حمقاء وهي التآمر لقلب الحكومة الإسلامية) تشير إلي أن الرخاء الاقتصادي والليبرالية يغطيان علي صعود الإسلام السلطوي. بكلمات أخري، فتركيا في الواقع بعيدة عن الصورة الشائعة لها في الغرب؛ كدولة من المفترض أنها تُقدم نموذجا للإسلام السياسي المتسامح.

الموقف في اليونان يبدو واعدا أكثر منه في إسبانيا، ربما بسبب التقليد الأخير للتنظيم الذاتي المتنامي (الذي اختفي في إسبانيا بعد سقوط نظام فرانكو). علي أي حال فحتي في اليونان يبدو أن حركة التظاهر قد وصلت لذروتها بمصطلحات التنظيم الذاتي الشعبية. حافظ المتظاهرون في ميدان سينتاجما علي مساحة حرية متساوية بلا سلطة مركزية، مساحة عامة حيث يتم توزيع المقدار نفسه من الوقت للتحدث وهكذا. ولكن عندما بدأوا يتناقشون حول ماذا سيفعلون بعد ذلك، كيف سيتحركون فيما بعد التظاهر (هل عليهم تنظيم حزب سياسي جديد مثلا)، كان الإجماع هو أن ما يحتاجونه ليس حزبا جديدا أو محاولة مباشرة للاستيلاء علي السلطة، بل حركة اجتماعية مدنية يكون هدفها ممارسة الضغط علي الأحزاب السياسية الموجودة. هذا غير ملائم بوضوح لمهمة إعادة التنظيم الكامل للحياة الاجتماعية. لفعل ذلك، يحتاج المرء لكيان قوي قادر علي الوصول لقرارات سريعة وإدراكها بأي قوة قد تكون ضرورية.
هذا ليس كافيا إذن؛ أن ترفض الحكم غير المسيّس للخبراء؛ علي المرء أيضا أن يبدأ في التفكير بجدية عما يريده من وضع التنظيم الاقتصادي المهيمن، أن يتخيل ويجرب أشكالا بديلة من التنظيم، أن يبحث عن بذور الجديد في الحاضر. الشيوعية ليست مجرد (أو المهيمن عليها هو) كرنفال من التظاهر الجماهيري الذي يجبر النظام علي التوقف؛ إنها أيضا وفوق كل شيء شكل جديد من التنظيم والانضباط والعمل الكثير. بغض النظر عما يمكن أن نقوله عن لينين فقد كان واعيا جدا بهذه الحاجة الملحة لأشكال جديدة من الانضباط والتنظيم.
علي أي حال فما يتبع بالضبط الضرورة الدياليكتيكية، هو هذا الحث علي ابتكار أشكال جديدة من التنظيم من المفترض أن تظل بعيدة. ما يجب مقاومته في هذه المرحلة هو أي ترجمة سريعة لطاقة المتظاهرين إلي مطالبات مستقرة. لقد خلق المتظاهرون فراغا في حق الأيدولوجيا المهيمنة، وهناك حاجة إلي الوقت لملء مساحة هذه الموضة الإيجابية. هذا هو سبب أننا لسنا بحاجة لأن نقلق كثيرا من الهجمات الموجهة لاحتلوا وول ستريت، فانتقادات المحافظين المتوقعة سهلة بما يكفي للرد عليها؛ هل المتظاهرون معادون لأمريكا؟ عندما يزعم الأصوليون المحافظون بأن أمريكا دولة مسيحية، فعلينا أن نذكر ما هي المسيحية في الحقيقة: الروح القدس، مجتمع المؤمنين الحر المتساوي المتحد بالحب. إنهم المتظاهرون هم من يمثلون الروح القدس، في حين أن وول ستريت الوثنية مستمرة في عبادة أصنام زائفة (مجسدة في تمثال الثور)، هل المتظاهرون عنيفون؟ حقيقي أن لغتهم ربما تبدو محاربة (احتلوا! وهكذا) ولكنهم عنيفون فقط بطريقة عنف المهاتما غاندي نفسها، إنهم عنيفون بالقدر الذي يريدون فيه أن يضعوا عائقا في الطريق الذي تمضي عليه الأشياء ولكن كيف يقارن هذا بالعنف المحتاج للحفاظ علي التوظيف السهل للنظام الرأسمالي العالمي؟ يقال عنهم فاشلون ولكن ألم يكن الفاشلون الحقيقيون هم هؤلاء الذين تطلًّب إنقاذهم مئات المليارات من الدولارات في وول ستريت؟ يقال عنهم اشتراكيون ولكن هناك في الولايات المتحدة اشتراكية بالفعل للأغنياء، هم متهمون بعدم احترام الملكية الخاصة ولكن تكهنات وول ستريت التي أدت للانهيار في 2008 أفنت من الملكيات الخاصة التي اكتسبها أصحابها بكل صعوبة أكثر من أبعد ما يستطيع المتظاهرون الوصول إليه.

المتظاهرون ليسوا شيوعيين، إن كانت الشيوعية تشير إلي النظام الذي سقط عن استحقاق في عام 1990 الطريقة الوحيدة التي يكونون بها شيوعيين هي أنهم يهتمون بالشيوع شيوع الطبيعة، المعرفة الذي يهدده النظام. يتم التعامل معهم علي أنهم حالمون، ولكن الحالمين الحقيقيين هم هؤلاء الذين يفكرون أن الأشياء يمكن أن تمضي بلا شك بالطريقة التي تمضي بها، مع تعديلات ظاهرية فحسب. هم بعيدون عن كونهم حالمين، فهم يستيقظون من حلم تحول إلي كابوس، إنهم لا يدمرون أي شيء، ولكنهم يواجهون نظاما في عملية تدمير ذاتي تدريجي. المتظاهرون ببساطة يدعون من هم في السلطة للنظر إلي أسفل، إلي الهاوية المفتوحة تحت أقدامهم.
هذا هو الجزء السهل. ولكن المتظاهرين يحتاجون أيضا إلي أن يحذروا، ليس فقط من أعدائهم، ولكن من الأصدقاء الزائفين الذين يزعمون أنهم يدعمونهم بينما هم يعملون بجد علي إضعاف تظاهرهم، ويحيلونه إلي إشارة أخلاقية غير مؤذية.
تظاهرات وول ستريت كانت بالتالي بداية، وبلا شك فإن علي المرء دوما أن يبدأ بهذه الطريقة، بتعبير شكلي عن الرفض الذي يكون أهم مبدئيا من أي محتوي إيجابي مثل هذا التعبير فقط يفتح فضاء لمحتوي جديد.

رمز وول ستريت هو تمثال الثور في وسطه ورد الفعل العادي تجاه التظاهرات اتخذ - حقا وغالبا - شكل خراء الثور bullshit في مقالة رأي بالواشنطن بوست، قدمت آن آبلبوم علي أي حال نسخة معقدة ومعطرة، تتضمن إشارات إلي مونتي بايثون. وطالما كانت نسخة آبلبوم تطلب مقترحات أكثر استقرارا تدعم الأيدلوجيا في قمة نقائها، فهي تستحق أن نقتبسها بالتفصيل. أساس منطقها هو أن المظاهرات في أنحاء العالم كانت "متشابهة في حاجتها للتركيز، وفي طبيعتها الأولية، وفوق كل شيء في رفضها الارتباط بالمؤسسات الديمقراطية القائمة". تكمل:
"في نيويورك، صاح المشاركون بالمسيرات (هذا ما تبدو عليه الديمقراطية). ولكن في الحقيقة، ليس هذا ما تبدو عليه الديمقراطية. هذا ما تبدو عليه حرية التعبير. تبدو الديمقراطية أكثر إثارة للضجر. تتطلب الديمقراطية مؤسسات، انتخابات، أحزاب سياسية، أحكام، قوانين، قضاء، والعديد من النشاطات الباهتة المستهلكة للوقت... إلا أنه بمعني ما، ففشل حركة "احتلوا" الدولية في إنتاج مطالبات شرعية مؤثرة مفهوم: كل من مصدريّ الأزمة الاقتصادية العالمية وحلولها تقع بطبيعتها خارج قدرة السياسيين المحليين والعالميين.

بزوغ حركة تظاهر دولية بدون برنامج متماسك هي بالتالي ليست مصادفة: إنها تعكس أزمة أعمق، أزمة بدون حل واضح. الديمقراطية مؤسسة علي حكم القانون. الديمقراطية تعمل فحسب داخل حدود واضحة وبين أناس يشعرون بأنفسهم كجزء من الدولة نفسها. "مجتمع دولي" لا يمكن أن يكوِّن ديمقراطية وطنية. وديمقراطية وطنية لا يمكن أن تطلب الوفاء بمحفظة وقائية عالمية من مليار دولار، بقياداتها المحتمين بملاذ من الضرائب وموظفيها المتناثرين حول العالم.
علي خلاف المصريين في ميدان التحرير، الذين يقارن المتظاهرون في لندن ونيويورك أنفسهم بهم بشكل واسع (وأحمق)، فنحن لدينا مؤسسات ديمقراطية في العالم الغربي. إنها مصممة لتعكس علي الأقل بشكل فظ الرغبة في التغيير السياسي في دولة محددة. ولكنها لا تستطيع تجاوز الرغبة في التغيير السياسي العالمي، ولا تستطيع السيطرة علي الأشياء التي تحدث خارج حدودها. علي الرغم من أنني لا زلت أؤمن باقتصاد العولمة ومعتقداتها الروحية إلي جانب الحدود المفتوحة وحرية الحركة والتجارة العالمية فالعولمة بدأت بوضوح في خلخلة شرعية الديمقراطيات الغربية.
النشطاء "العالميون" إن لم يكونوا حريصين، فسيزيدون من سرعة الانهيار. يصرخ المتظاهرون في لندن: "نحتاج أن يكون لدينا تقدم!" حسنا، هم بالفعل لديهم عملية تقدم: يُطلًق عليها النظام السياسي البريطاني. وإن لم يعرفوا كيفية استخدامه، فسوف يضعفونه بشكل أكبر".
أول شيء نلاحظه هو اختصار آبلبوم لمظاهرات ميدان التحرير كنداء من أجل الديمقراطية علي النمط الغربي في اللحظة التي نقوم فيها بهذا، فبالطبع يكون من العبثي أن نقارن مظاهرات وول ستريت بالانتفاضات المصرية: كيف يطالب المتظاهرون هنا بما يملكونه بالفعل، أي المؤسسات الديمقراطية؟ الشيء الفائت في هذه النظرة بالتالي هو الضيق العام من النظام الرأسمالي العالمي، الذي يتخذ بوضوح أشكالا مختلفة في أماكن مختلفة. ولكن أكثر الأجزاء الصادمة في مقالة آبلبوم، هو الفجوة الواسعة بالفعل في الحجة، والتي تظهر في نهايتها؛ بعد الإذعان إلي أن النتائج الديمقراطية غير المستحقة للتمويل الدولي الرأسمالي تقبع فيما وراء سيطرة الميكانيزمات الديمقراطية، التي هي مقتصرة
كرد فعل علي مظاهرات باريس عام 1968، قال لاكان مقولته الشهيرة: "ما تطمحون إليه كثوريون هو سيد جديد. وسوف تحصلون علي واحد". يبدو أن ملاحظته أصابت هدفها
بزوغ حركة تظاهر دولية بدون برنامج متماسك هي بالتالي ليست مصادفة: إنها تعكس أزمة أعمق، أزمة بدون حل واضح. الديمقراطية مؤسسة علي حكم القانون. الديمقراطية تعمل فحسب داخل حدود واضحة وبين أناس يشعرون بأنفسهم كجزء من الدولة نفسها
بطبيعة الحال علي الدول-الوطنية، تحدد الاستنتاج الضروري بأن "العولمة بدأت بوضوح في خلخلة شرعية الديمقراطيات الغربية". يمكننا القول إن هذا جيد حتي الآن. هذا بالضبط ما يضمنه المتظاهرون أن الرأسمالية العالمية تخلخل الديمقراطية. ولكن بدلا من تحديد الاستنتاج المنطقي الوحيد أنه علينا أن نبدأ بالتفكير في كيفية توسيع الديمقراطية فيما وراء شكل الدولة متعددة الأحزاب، التي فشلت بوضوح في مناسبة النتائج الهدامة للحياة الاقتصادية العالمية تعبر عن نمط "للخلف در" غريب من أجل تحويل اللوم علي المتظاهرين أنفسهم، تحديدا الذين بدأوا في طرح هذه الأسئلة ذاتها. الفقرة الأخيرة تستحق أن تعاد قراءتها بحرص: طالما أن الاقتصاد العالمي هو فيما وراء منظور السياسات الديمقراطية، فأي محاولة لتوسيع الديمقراطية من أجل اعتناقها ستسرع فحسب من انهيار الديمقراطية. ما الذي يمكننا فعله بالتالي؟ إعادة الارتباط بالنظام السياسي القائم الذي هو في الحقيقة غير قادر علي القيام بهذا العمل وفقا لرؤية آبلبوم نفسها.

هنا علينا أن نمضي في الطريق كله حتي النهاية؛ لا يوجد نقص في العاطفة المعادية للرأسمالية اليوم؛ إن كان هناك شيء محملون به بشكل متضاعف فهو انتقادات فظائع الرأسمالية. ولكن الذي لا يخضع للتساؤل أبدا هو الإطار الديمقراطي المؤسسي لدولة القانون (البرجوازية) ذاته. يظل هذا هو البقرة المقدسة التي لا تجرؤ حتي الأشكال الأكثر راديكالية من "معاداة الرأسمالية الأخلاقية" هذه علي مواجهتها.
هنا تظل رؤية ماركس الرئيسية صالحة، اليوم أكثر من أي وقت مضي. بالنسبة لماركس لا يجب أن يوضع سؤال الحرية أساسا في المناخ السياسي الصالح (هل في البلد حرية انتخابات؟ هل القضاة مستقلون؟ هل الصحافة حرة من الضغوط المختبئة؟ هل يتم احترام حقوق الإنسان؟... إلخ). المدخل الحقيقي للحرية يقع بالأحري في شبكة العلاقات الاجتماعية، من السوق إلي الأسرة، حيث يكون نوع التغيير المطلوب - إن كنا نريد تقدما حقيقيا ليس في الإصلاح السياسي - ولكن تغيير في علاقات الانتاج الاجتماعية "غير السياسية". نحن لا نصوّت علي من يملك ماذا، أو علي العلاقات في مصنع وهكذا، لأن كل هذا يعتبر خارج نطاق السياسي، ومن المتوهم أن نتوقع أن المرء يمكنه تغيير الأشياء عن طريق "مد" الديمقراطية إلي هذا النطاق، عن طريق، قل تنظيم البنوك "الديمقراطية" تحت رقابة الشعب. التغييرات الراديكالية في هذا النطاق يجب أن تتم خارج نطاق "الحقوق" القانونية"... إلخ: لا يهم كم هي معاداتنا للرأسمالية راديكالية، لو لم يتم فهم ذلك، فالحل المرجو سيدور حول تطبيق ميكانيزمات ديمقراطية (التي هي بالطبع يمكن أن يكون لديها دور إيجابي لتلعبه) علي المرء ألا ينسي أن هذه الميكانيزمات التي هي ذاتها جزء من كيان الدولة "البرجوازية" الذي يضمن استمرار إعادة الإنتاج الرأسمالي بدون إزعاج. اليوم، يضع باديو يده علي هذه النقطة في زعمه الغريب الواضح بأن "اليوم، فالعدو لا يدعي الإمبراطورية أو رأس المال، إنما يدعي الديمقراطية". إنه "الوهم الديمقراطي"، قبول أن الإجراءات الديمقراطية هي إطار العمل الأساسي لأي تغيير ممكن، هذا الذي يمنع أي انتقال في العلاقات الرأسمالية.
هناك بالتالي أسباب عميقة للصعوبة القائمة في تشكيل برنامج ثابت. ولكن المتظاهرين لفتوا النظر لمشكلتين رئيسيتين؛ أولا النتائج الاجتماعية الهدامة للنظام الرأسمالي العالمي: مئات المليارات فُقِدَت بسبب المضاربة المالية غير المسيطر عليها، وهكذا. ثانيا؛ العولمة الاقتصادية تخلخل تدريجيا شرعية الديمقراطيات الغربية. باتخاذها الصفة الدولية، فالعمليات الاقتصادية واسعة المدي لا يمكن ان يُسَيطَر عليها بالميكانيزمات الديمقراطية، التي هي مقتصرة بطبيعة الحال علي الدول الوطنية. لهذا السبب يختبر الناس بشكل متزايد كون المؤسسات الديقراطية فاشلة بمصطلحات التعبير عن مصالحهم الحيوية. تحت هذه الوفرة من التصريحات (المرتبكة عادة)، تقدم حركة احتلوا وول ستريت رؤيتين أساسيتين: (1) الضيق الشعبي المعاصر هو تجاه الرأسمالية كنظام المشكلة هي في النظام ذاته، ليس في أي شكل فاسد محدد منه؛ (2) الشكل المعاصر من الديمقراطية التمثيلية متعددة الأحزاب غير قادرة علي التعامل مع الإفراطات الرأسمالية؛ بكلمات أخري، هذه الديمقراطية يجب أن يعاد ابتكارها. هذا يحيلنا إلي أساس المشكلة الحرجة في تظاهرات وول ستريت: كيف نمد الديمقراطية فيما وراء شكلها السياسي القائم، الذي ثبت عجزه في مواجهة النتائج الهدامة للحياة الاقتصادية؟ هل يوجد اسم للديمقراطية المعاد ابتكارها فيما وراء النظام التمثيلي متعدد الأحزاب. هناك حقا: ديكتاتورية البروليتاريا.
في كتاب حديث (ذو عنوان ملتف بشكل رائع: ساركوزي: أسوأ من المتوقع/ الآخرون: توقعوا الأسوأ) قدم باديو حجة تفصيلية في مواجهة المشاركة في التصويت "الديمقراطي": حتي عندما تكون الانتخابات "حرة" في الحقيقة، وحتي عندما يكون لمرشح أفضلية واضحة علي الآخر (قل، معاد للعنصرية يقف في مواجهة شعبوي معادي للمهاجرين)، فعلي المرء أن يفصل نفسه عن التصويت، طالما أن شكل الانتخابات المتعددة الأحزاب ذاته تنظمه دولة فاسدة علي المستوي الشكلي والترانسندنتالي. ما يهم هو فعل التصويت الشكلي، المشاركة في العملية، التي تشير إلي قبول للشكل نفسه باستقلال عن الخيار المحدد الذي يتخذه المرء. الاستثناءات التي يستطيع المرء أن يصنعها للحكم العالمي تحدث في هذه اللحظات النادرة عندما يكون المضمون (واحد من الخيارات المقدمة) مخلخلا ضمنيا لشكل التصويت. بالتالي فعلي المرء أن يحمل في ذهنه التناقض الدائري الذي يدعم "الانتخابات الحرة" في مجتمعاتنا الديمقراطية: المرء حر في الاختيار في حالة أن يتخذ الخيار الصحيح هذا هو سبب أنه عندما يتم التوجه لخيار غير مقبول يتم التعامل مع ذلك علي أنه خطأ، والنظام القائم يفرض فورا تكرارا للتصويت من أجل أن يعطي للبلد الفرصة لتصحيح خطئها والتوجه للخيار الصحيح.
هذا هو سبب أنه ليس علينا أن نخاف من تقديم النتيجة المتوافق عليها الوحيدة من الحقيقة، التي لم يستقر عليها الديمقراطيون الليبراليون. لقد انتهي الربيع المصري (حتي الآن، وإن كانت المعركة بعيدة عن نهايتها) بالانتصار الانتخابي للإسلاميين الذين كان دورهم في الثورة المضادة لمبارك في 2011 لا يذكر: "الانتخابات الحرة" أو الثورة التحررية الأصيلة علي المرء أن يختارها. لنضع ذلك بمصطلحات روسو، كانت هناك جماهير في ميدان التحرير، وإن كانت حسابيا أقلية، جسدت الإرادة العامة الحقيقية وبالنسبة لحركة احتلوا وول ستريت، كانت جماهير صغيرة تلك التي في حديقة زوكوتي التي وقفت من أجل ال "99 بالمائة" وكانت مُبَررة في عدم ثقتها في الديمقراطية المؤسسية.
بالطبع سيبقي السؤال: كيف نستطيع مأسسة صناعة القرار الجمعي فيما وراء إطار عمل النظام متعدد الأحزاب الديمقراطي؟ أو لنقل ذلك بشكل فظ: من يعلم ما ينبغي فعله اليوم؟ لا توجد ذات تعرف، لا في شكل المثقفين ولا الناس العاديين. هل هناك مأزق إذن، حالة الأعمي الذي يقود أعمي، أو بدقة أكبر، أعمي يقود أعمي في حين أن كلا منهما يفترض أن الآخر بإمكانه الرؤية؟ لا، لأن الجهل المزدوج ليس سيمتريا. إنهم الناس الذين يملكون الإجابات، إنهم فقط لا يعرفون الأسئلة التي يملكون (أو بالأحري هم) إجابتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.